واشنطن - (د ب أ): يقول المؤرخ الاسكتلندي الأصل، الأمريكي الجنسية نيال فيرجسون، عن حرب أوكرانيا، ومخاوف اندلاع حرب ثالثة: «إن الحرب هي الجحيم على الأرض، حتى ولو كانت حربا محدودة النطاق، فهي بالطبع جحيم لمن يعانون ويلاتها». وكتب فيرجسون في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، إن الحروب العالمية هي أسوأ عمل قام به بنو البشر ضد بعضهم البعض. وأشار إلى مقال كتبه الشهر الماضي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، تحت عنوان: «كيف نتجنب حربا عالمية أخرى». وذكر كيسنجر في مقاله إنه في عام 1914 لم تكن الدول الأوروبية تدرك بما يكفي «كيف عززت التكنولوجيا قوتها العسكرية، وقد ألحقت هذه الدول دمارا غير مسبوق ببعضها البعض». وفي أغسطس من عام 1916 بعد عامين من الحرب، وسقوط ملايين الضحايا، بدأت الدول المقاتلة الرئيسية في الغرب (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) محاولة استكشاف آفاق إنهاء المذبحة، وقد فشلت مساعيها، رغم تدخل الولايات المتحدة. وطرح كيسنجر سؤالا مهما في مقاله: «هل يجد العالم نفسه اليوم في نقطة تحول مماثلة (لفرصة عام 1916) في أوكرانيا، في الوقت الذي يفرض فيه فصل الشتاء وقفا مؤقتا لعمليات عسكرية واسعة النطاق هناك؟». وتساءل فيرجسون: هل هناك سبيل لإنهاء هذه الحرب، أم مقدر لها أن تشهد تصعيدا لتصل إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير؟ وكما أشار كيسنجر في مقاله، هناك قوتان نوويتان في منافسة على مصير أوكرانيا، أحداهما روسيا، التي تخوض بالفعل حربا تقليدية، ورغم ذلك، تخوض أمريكا والغرب القتال بشكل غير مباشر، حيث توفران لأوكرانيا ما وصفه أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة «بالانتير تكنولوجيز أنكوربوريشن» لبرامج الكمبيوتر وتحليل البيانات الضخمة، بـ«قوة أنظمة الحرب الخوارزمية المتقدمة». وقال كارب لصحيفة الواشنطن بوست إن ذلك «يعادل امتلاك أسلحة نووية تكتيكية، في وجه خصم يمتلك أسلحة تقليدية فحسب». فهل تخيل أحد ما الذي يمكن أن يترتب على ذلك؟ وهناك مشكلتان واضحتان حاليا في استراتيجية أمريكا: الأولى هو أنه إذا كانت «أنظمة الأسلحة الخوارزمية تعادل قوة الأسلحة النووية التكتيكية، ربما يجد بوتين نفسه في نهاية المطاف مدفوعا إلى استخدام الأسلحة (النووية)»، حيث إنه لا يملك النوع الأول. والمشكلة الثانية هي أنه يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد فوضت كييف في تحديد توقيت إجراء مفاوضات سلام، رغم أن الشروط المسبقة التي تطالب بها كييف لا تقبلها موسكو. ويرى فيرجسون أنه مقدر لحرب أوكرانيا في ظل هذه الظروف أن يمتد بها الأجل حتى تصل إلى طريق مسدود، وفاة بوتين مثلا والتوصل إلى ترسيم جديد للحدود بين روسيا وأوكرانيا. ويقول فيرجسون إن حرب أوكرانيا تذكرنا بأن تعطيل التجارة يشكل سلاحا حيويا في الحرب، وأنه يتعين على أي قوة عظمى أن تكون في موقف يسمح لها بإنتاج الأسلحة الحديثة بكميات كبيرة، سواء في ظل وجود واردات من عدمه. وقد استهلك طرفا النزاع في أوكرانيا كميات ضخمة من القذائف والصواريخ، والطائرات من دون طيار (مُسيرات)، والعربات المدرعة. والسؤال المطروح هو إلى أي حد تستطيع الولايات المتحدة مواصلة ذلك؟. وكما أشارت الباحثة جاكي شنايدر، من معهد هوفر، فإن «أربعة أشهر فقط من دعم أوكرانيا، استنفدت الكثير من مخزونات الأسلحة، بما يشمل حوالي ثلث مخزون أمريكا من صواريخ جافلين، و25% من صوارخ ستينجرز». ووفقا لـ«المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، فإن كميات قذائف المدفعية التي تنتجها الولايات المتحدة خلال عام، كان من الممكن أن تكفي فحسب عشرة أيام أو أسبوعين من القتال في أوكرانيا، في المرحلة الأولى من الحرب». وأشار تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية في فبراير 2022 إلى أن الطاقة الإنتاجية لشركات صناعة الصواريخ التكتيكية، وطائرات الأجنحة الثابتة، والأقمار الصناعية، قد خفضت إنتاجها بواقع النصف. وأوضح فيرجسون أن أمريكا حاليا في نفس الموقف الذي واجهته الإمبراطورية البريطانية في ثلاثينيات القرن العشرين، وأنها إذا ما كررت نفس الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات البريطانية خلال هذا العقد، فستصبح أمريكا، المنهكة ماليا، غير قادرة على ردع محور وليد، يضم روسيا وإيران والصين، من المخاطرة بإثارة صراعات متزامنة في شرق أوروبا، والشرق الأوسط، والشرق الأقصى. ويرى فيرجسون أنه يتعين على إدارة بايدن أن تكون حريصة بشدة على عدم مواصلة خوض حرب اقتصادية مع الصين، إلى حد قد تجد فيه بكين نفسها في موقف اليابان في عام 1941، أي ليس أمامها خيار إلا أن تهاجم أولا، أو في وقت مبكر، أملا في تحقيق نصر عسكري. وسوف يشكل ذلك واقعا خطيرا للغاية، حيث إن وضع الصين اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه اليابان آنذاك. وفي الختام يقول المؤرخ الأمريكي فيرجسون إن كيسنجر على حق فيما يساوره من خوف باندلاع حرب عالمية ثالثة، وقد سبق الحربين الأولى والثانية صراعات صغيرة: حروب البلقان (1013-1012)، وغزو إيطالي لإمبراطورية الحبشة (1936)، والحرب الأهلية الإسبانية (103-1936)، والحرب الصينية-اليابانية (1937). وربما يبدو الأمر أن حرب أوكرانيا تسير بشكل جيد للغرب حتى الآن، ولكن هذه الحرب قد تكون، (في أسوأ سيناريو ممكن، نذير شؤم) لحرب أوسع نطاقا.
مشاركة :