قال فضيلة الشيخ عبد الله إبراهيم السادة إن الله جعل الحياة الدنيا كثيرة التقلب لا تستقيم لأحدٍ على حالٍ ولا تصفو لمخلوقٍ من الكدر، ففيها خير وشر، وصلاح وفساد، وسرور وحزن، وأمل ويأس، ويأتي الأمل والتفاؤل كشعاعين يضيئان دياجير الظلام، ويشقان دروب الحياة للأنام، ويبعثان في النفس البشرية الجد والمثابرة، ويلقنانها الجلد والمصابرة، فإن الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطرة: أمله في الأرباح، والذي يبعث الطالب إلى الجد والمثابرة: أمله في النجاح، والذي يحفز الجندي إلى الاستبسال في أرض المعركة أمله في النصر، والذي يحبب إلى المريض الدواء المر أمله في الشفاء والطهر. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد مريم بنت عبدالله إن الذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع مولاه: هو أمله في الفوز بجنته ورضاه، فهو يلاقي شدائدها بقلبٍ مطمئنٍ، ووجهٍ مستبشرٍ، وثغرٍ باسمٍ، وأملٍ عريضٍ، فإذا حارب كان واثقا بالنصر، وإذا أعسر لم ينقطع أمله في تبدل العسر إلى يسرٍ، وإذا اقترف ذنبا لم ييأس من رحمة الله ومغفرته تعلقا وأملا بقول الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). الفأل الحسن يعجب وقال إن رسولنا كان يعجبه الفأل لأنه حسن ظنٍ بالله فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنسٍ أن نبي الله قال:"لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة"، فبالأمل يذوق الإنسان طعم السعادة، وبالتفاؤل يحس ببهجة الحياة. وأوضح السادة أن حقيقة الأمل لا تأتي من فراغٍ كما أن التفاؤل لا ينشأ من عدمٍ، ولكنهما وليدا الإيمان العميق بالله تعالى، والمعرفة بسننه ونواميسه في الكون والحياة، فهو سبحانه الذي يصرف الأمور كيف يشاء بعلمه وحكمته، ويسيرها بإرادته ومشيئته، فيبدل من بعد الخوف أمنا، ومن بعد العسر يسرا، ويجعل من كل ضيقٍ فرجا ومن كل هم مخرجا. وذكر أن المؤمن على خيرٍ في كل الأحوال، كما ثبت عن صهيب بن سنانٍ قال: قال رسول الله :"عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" . المؤمن المتفائل وزاد بالقول "شتان ما بين حال المؤمن المتفائل، والفاجر المتشائم الذي لا يرى في الوجود إلا الظلام والتعاسة والشقاء. وجدير أن يلد الإيمان الأمل، وأن تثمر شجرة اليقين التفاؤل، وأن يكون المؤمن أوسع الناس أملا وأكثرهم تفاؤلا واستبشارا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله بشيرا ونذيرا مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو إلى الإسلام فجابه طواغيت الشرك وعباد الأوثان دعوته بالاستهزاء، وآيات ربه بالسخرية والعداء، وأصحابه بالأذى والضراء، غير أنه لم يضعف عن مبدئه ولم يستكن، ولم ينطفئ في صدره أمل الغلبة والظفر. وحين اشتد عليه وعلى صاحبه الطلب أيام الهجرة إلى حد أن وقف المشركون فوق رؤوسهما وهو يقول لأبي بكرٍ بلغة الواثق بربه :"ما ظـنك باثنين الله ثالثهما". وهذا إبراهيم -عليه السلام - قد صار شيخا كبيرا ولم يرزق بعد بولدٍ فيدفعه حسن ظنه بربه أن يدعوه: (رب هب لي من الصالحين) فاستجاب له ربه ووهب له إسماعيل وإسحاق عليهما السلام. الثقة بالله ولفت إلى أن نبي الله يعقوب -عليه السلام- فقد ابنه يوسف -عليه السلام- ثم أخاه، ولكنه لم يتسرب إلى قلبه اليأس ولا سرى في عروقه القنوط، بل أمل ورجا وقال:(فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم). وقال إنه ما أجمله من أملٍ تعززه الثقة بالله حين قال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
مشاركة :