«السوق الكبيـر»: بهـارات وبخور.. و«مدرسة» لتعلم اللغات

  • 1/23/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يعد السوق الكبير، الواقع في قلب ديرة، معلماً سياحياً أصيلاً من معالم إمارة دبي، حيث يجسّد ببنائه وأزقته وشوارعه الضيّقة حضارة ضاربة في التاريخ، كما تنم محتوياته من بهارات وعطور وبخور وعباءات وكنادير عن عراقة التراث، فيما يشهد موقعه الاستراتيجي قبالة خور دبي على قيمة اقتصادية عظيمة تمتد إلى مئات السنين، باعتباره مركزاً تجارياً مهماً لتبادل البضائع بين منطقة الخليج وشرق آسيا. وتشكل زيارة هذا السوق، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 150 عاماً مضت، رحلة إلى الماضي، وجولة عبر التاريخ، تتيح للزائر فرصة تخيل طبيعة الحياة قديماً في الإمارات، قبل النهضة العمرانية والحضارية التي سادت، والتي حولت مدينة دبي إلى تحفة جمالية بشكل وطراز مدني حديث، ويمكن لكل أولئك الباحثين عن الأصل والأصالة أن يشتموا عبقهما مع رائحة البخور والعطور العربية، ونكهة البهارات الهندية التي تضفي على المكان أجواء ساحرة وآسرة. تحفة تراثية عراقة المكان وتفاعل الثقافات ةعلى الأرض. قالت آنا لينا، وهي سائحة سويدية، جاءت إلى الإمارات في زيارة عند صديقتها التي تقيم بمدينة العين إنها المرة الأولى التي أزور فيها مدينة دبي، لقد أحببت دولة الإمارات بشكل عام، وأحببت مدينة دبي بشكل خاص، وقد جئت اليوم من العين في زيارة سياحية إلى السوق الكبير. وأضافت أحب رائحة البخور العربي كثيراً، ولأنني أقيم في الصين، فأنا معتادة على مشاهدة الأنواع المختلفة من البهارات. لقد أحببت هذا المزيج الفريد الذي يصبغ السوق الكبير. من جهتها، قالت صديقتها إيفا ليستروم، وهي سويدية تعمل في مطار العين رغم أنني أقطن مدينة العين، التي تبعد عن دبي مسافة تستغرق ساعة ونصف الساعة تقريباً، إلا أنني أزور السوق بشكل متكرر، وقد ارتدته أكثر من 15 مرة قبل ذلك، فهو وجهتي السياحية والاقتصادية المفضّلة في الإمارات. وتابعت القول يعجبني طراز السوق المعماري، وتفاصيله الصغيرة التي تسرد تاريخ السوق وقصصه، كما تعجبني رائحة العطور والبخور التي تفوح من الأزقة والأحياء الضيقة، وآتي إليه خصيصاً لشراء البهارات المختلفة، لاسيما أنني أطهو مختلف الأطعمة من الثقافات العالمية. الحركة في السوق تتواصل على مدار اليوم، حيث يغصّ بالزوار، مقيمين وسياحاً، من مختلف الجنسيات، سواء من أولئك الذين يقصدونه لشراء البضائع المختلفة أو الذين جاؤوا بهدف التعرف إلى المواقع السياحية القديمة في مدينة دبي، وتكثر الأعداد، لاسيما مع سهولة الوصول إلى المكان وربطه بسكة المترو، وتوافر التاكسي، وغيرها من وسائل المواصلات. عدد من السائحين أبدوا إعجابهم بهذا السوق الذي يجسد تحفة معمارية وتراثية جميلة، تأسر الزائرين، فيما تحدّث عدد من التجار والبائعين عن متعة البيع والشراء في السوق، لاسيما خلال مهرجان دبي للتسوق. سياحة وتسوّق بدوره، تحدث ديفيد سانتشو، وهو سائح إسباني جاء إلى دبي برفقة عائلته، وقال لقد جئت إلى دبي قبل أسبوع، وأحببت المدينة كثيراً بكل تفاصيلها، إلا أنني مهتم أكثر بالمناطق القديمة، وقد قرأت عن (السوق الكبير) عبر الإنترنت، وجئت خصيصاً لكي أشاهده وأرى هذه المنطقة المحيطة بالخور، التي تتخللها الأسواق القديمة والأزقة والبضائع التقليدية، لقد أحببت المكان، وراعني ذلك التمازج بين البناء والإضاءة والماء، مع وجود السفن القديمة، فضلاً عن الأبراج والمباني الحديثة التي تحف المنطقة، إنه مكان ساحر لا يوجد له شبيه. إلى ذلك، عبّرت زوجته، إيريس فياروبيا، عن إعجابها بمدينة دبي ونظافتها الواضحة، وقالت إنها المرة الأولى التي أزور فيها دبي، لقد أحببت المدينة بكل تفاصيلها، بمبانيها الشاهقة الحديثة وأسواقها القديمة، بشوارعها الواسعة وأزقتها وأحيائها الصغيرة، لقد أعجبني (السوق الكبير) كثيراً، واشتريت منه قطعاً تراثية قديمة، تضعها النساء على رؤوسهن، وضعتها على رأسي ابنتيّ الصغيرتين، وقد فرحتا بها جداً. مركز تجاري على الرغم من كثرة مراكز التسوّق التي تبنى في دبي سنوياً، إلا أن الأسواق القديمة تبقى مركزاً مهماً للسياحة والتجارة، حيث تجد فيها الكثير من السياح، وكذلك التجار الباحثين عن البضائع التراثية والأقمشة وأنواع البخور والتوابل والمواد الغذائية والعطور بأسعار زهيدة ومناسبة للجميع. حول هذا السوق وما يكتنفه من حركة وبيع وشراء، تحدث محمد علي غلوم، وهو بائع في مخزن يدعى الطلوع، مشيراً إلى أنه كبر وترعرع في هذا السوق، الذي يعمل فيه مع والده منذ 20 عاماً تقريباً، حيث يقومان ببيع البهارات والزعفران، والفواكه المجففة، وأنواع الأسماك والروبيان المجففة، إضافة إلى الزيوت الطبيعية، والتحف والإكسسوارات، وغيرها من تمور وحلويات مختلفة، يقبل على شرائها السياح من مختلف الجنسيات، موضحاً أن الأجانب يفضلون شراء التمور، والزعفران، الذي يتوافر بأنواعٍ وأسعار مختلفة، إذ يتوافر بسعر 25 درهما و15 درهماً، و10 دراهم لكل غرام منه. وأضاف غلوم الحركة هنا في السوق تجري على قدم وساق طوال اليوم وعلى مدار العام، لكن مع هذا نجد زيادة نحو ثلاثة أضعاف في عدد الزوار الذين يفدون إلينا خلال انعقاد مهرجان دبي للتسوق، الذي يجلب إلينا الكثير من السياح من مختلف مناطق العالم، وهو أمر اعتدنا عليه بفضل خبرتنا مع المهرجان، وأيضا بفضل مهاراتنا في التحدث بلغات عدة. وبالحديث عن اللغات التي يجيدها محمد، أفاد بأنه يتحدث نحو سبع لغات عالمية، بينها العربية والإيرانية والأوردو والإنجليزية التي يجيدها بطلاقة، فضلاً عن بعض اللغات الأخرى كالألمانية والفرنسية والإيطالية، مشيراً إلى أنه ليس وحده من يمتلك مهارة المعرفة باللغات، وإنما معظم العاملين في السوق كذلك، وذلك بحكم خبرتهم الطويلة في التحدث مع السياح من مختلف أنحاء العالم، فالسوق هو أفضل مدرسة لتعليم اللغات. في السياق نفسه، قال نور محمد، وهو بائع في أحد محال الأقمشة والتحف والملابس التقليدية نبيع في هذا المحل الملابس التقليدية من جلابيات وشيل نسائية، إضافة إلى الملابس الإماراتية التقليدية، كالكندورة والغترة، فضلاً عن الإكسسوارات والتحف، والمشغولات اليدوية، مثل مفارش الطاولات ووجوه المخدات وغيرها، وهي بضائع تستهوي السياح من مختلف أنحاء العالم، ويقبلون على شرائها، لاسيما أن أسعارها تعتبر زهيدة جداً قياساً بما يباع في مراكز التسوق. ولفت نور إلى أن هذه البضاعة تلفت انتباه السياح الأجانب، حيث تقبل النساء الألمانيات، على وجه الخصوص، على شراء العباءات المغربية، كما يقبل السياح، كالروس واليابانيين والإيطاليين، على شراء الأحذية من هذا السوق، لاسيما أن البضاعة جيدة، وذات أسعار منافسة جداً، فالعباءة على سبيل المثال لا تتجاوز 150 درهماً. يذكر أن السوق الكبير، بحسب تقرير لدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، هو السوق الرئيس لتجارة الأقمشة النسائية والرجالية في الإمارة، ويعرف عنه منذ القدم انتشار التجار فيه، الذين يمثلون عموداً فقرياً للتجارة، ليس في هذا السوق فقط، بل في أسواق أخرى مرتبطة به، منها سوق مينا بازار، القريب من السوق الكبير، الذي يقع في المنطقة نفسها، كما أنه يعتبر مصدراً لشراء أجود أنواع البهارات والتوابل والأعشاب العطرية بأسعار معقولة، فضلاً عن بيع العطور والبخور وغيرها من المنتجات التقليدية والتراثية.

مشاركة :