أصبحت العمالة المنزلية أحد أهم القضايا الشائكة في الفترة الحالية، فبين مطالب بتسهيل عمليات وإجراءات استقدامها من مختلف الدول، نجد كثيراً من المختصين التربويين والنفسيين يحذرون من مغبة وخطورة الإفراط في الاعتماد على العمالة المنزلية، خاصة في مراحل مبكرة من تكوين الأسرة، أو إسناد مهمة رعاية الأطفال لهم، لما لها آثار سلبية على سلوك ومهارات الأطفال، إلى جانب التأثير على أخلاق المجتمع وسلوكه بشكل عام، وخاصة أن المملكة تعتبر من أكبر الدول التي تستقبل العمالة المنزلية على مستوى العالم. اليوسف: بقاء العاملة مع الطفل طويلاً يجعله يخاف شكواهن إذا تعرض للأذى الصالح: وجود العمالة في بداية تكوين الأسرة سيخرج جيلاً اتكالياً لا يعتمد على نفسه وقال د. عبدالرحمن بن محمد الصالح المستشار الأسري والنفسي والمشرف العام على مركز التنمية الأسرية بشمال الرياض إن استقدام العمالة المنزلية في وقت مبكر وفي مراحل تكوين الأسرة، يؤدي إلى وجود أسرة تفتقد المهارات الاجتماعية، والتدرج والتطور الطبيعي في حياة الأسرة، وتتسب في انعدام روح الحياة الأسرية في التعاون والاستمتاع في تكوين أسرة سعيدة وناجحة ومتعاونة، إلى جانب دورها في خلق مشكلات ليس لها حاجة سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع ككل، فهي تلغي الخصوصية التي يجب أن تكون في الأسرة منذ وقت مبكر، إلى جانب أنها تعتبر سبباً رئيساً لتربية جيل يعتمد على أن تتم خدمتهم وتلبية طلباتهم منذ الصغر، وبالتالي يصبح لدينا جيل اتكالي، وهو ما يجعله يواجه صعوبة القيام بأبسط المهام الاجتماعية في بيئته الخارجية، بخلاف الصعوبات التي سيواجهها في حياته العملية. وأضاف الصالح أن المشكلة لدينا ليست في وجود عمالة منزلية بشكل عام، وإنما في كيفية تحديد الحاجة التي تتطلب استقدام عمالة منزلية، فالعمالة المنزلية في الأصل هي للمساعدة في القيام بأعمال المنزل، وليس في القيام بجميع تلك الأعمال والمهام، وتعتبر مسانداً للوالدين في حال زيادة الأعباء العملية عليهم، لتتولى تلك العمالة تنظيف وترتيب المنزل، ليتفرغ الوالدان لمهامهما وواجباتهما تجاه الأسرة والأبناء، ومتابعتهم واحتوائهم، إضافة إلى أن العمالة المنزلية حينما يتم تكليفها بالمهام التي تم استقدامهم لأجلها، ومنحهم حقوقهم والتعامل معهم بأسلوب جيد، فإنها ستؤدي دورها بفاعلية وتفان. وشدّد المشرف العام على مركز التنمية الأسرية على أن إسناد مهام إضافية للعمالة المنزلية، كرعاية الأطفال مثلاً، سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة سواء على المجتمع أو على التكوين الأسري، فالعاملات المنزليات جاءوا من بيئة مغايرة من ناحية العادات والطابع الاجتماعي ومستوى الثقافي والتعليمي، وهو ما من شأنه التأثير سلباً على سلوك الأبناء وأسلوب حياتهم، كون تلك العاملات المنزليات غير مؤهلات لتربية أطفالنا، إضافة إلى أن الطفل قد يتصرف بشكل سيئ مع تلك العاملة المنزلية، وهو ما قد لا تتحمله، وبالتالي يولد ذلك التصرف سلوكاً عدوانياً لديها، وهو ما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطفل أو بالأسرة كاملة، كما هو الحال في الكثير من القضايا التي تحدث بين وقت لآخر من ارتكاب العمالة المنزلية بعض الجرائم بحق أصحاب العمل أو أطفالهم. وطالب الصالح أن لا يتم استقدام العمالة المنزلية إلا عند الحاجة فقط، وفي مراحل متأخرة من تكوين الأسرة، منتقدا في الوقت نفسه تضخم أعداد العمالة في المنزل الواحد لدى الكثير من الأسر، سواء من جنسية واحدة أو جنسيات متعددة، لتصبح عبئا على المنزل، وهو ما يتسبب في زيادة رقعة المشاكل في المنزل، سواء على مستوى العاملات، أو على مستوى الأسرة بشكل كامل، مشددا على وجوب الإحسان في التعامل مع العاملات المنزليات في حال دعت الحاجة إلى استقدامهن، خاصة وأننا من مجتمع محافظ، يفخر دائما بأخلاقه وقيمه التي يستمدها من تعاليم الدين الإسلامي، ولذا فإنه ينبغي علينا أن نكون قدوة في تعاملنا وإحساننا إلى الآخرين. من جهته قال د. عبدالله اليوسف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية إن هناك دراسات اجتماعية أفادت أن 40.6% من الخادمات يقمن برعاية الأطفال، وأن 66.7% من ربات المنزل يتركن أطفالهن وحدهم مع المربيات، ليتولين إطعامهم وتربيتهم والإشراف عليهم في المناسبات وأماكن الترويج، وهن من يشكلن شخصية الأطفال النفسية والعقلية والاجتماعية داخل الأسرة، إلى جانب أنهن من يعلمن الأطفال اللغة والقيم والعادات وما هو صحيح وما هو خطأ، كما أن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن عدد الساعات التي يترك فيها الأطفال مع الخادمات تراوح ما بين 6 إلى 8 ساعات يوميا، وهو ما يعتبر معدلا كبيرا جدا، سينعكس بدوره على النشء سلبيا من الناحية السلوكية والاجتماعية، فالطفل في حال تعرضه لأي أذى من العمالة المنزلية، تجده يتخوف من الإفصاح والشكوى لأنها هي من تتولى أموره بنسبة كبيرة في المنزل، وقد لا يتجرأ على إبلاغ والديه إلا بعد رحيل العامل أو العاملة المنزلية، والشواهد على ذلك كثيرة سواء من تعنيف بعض العاملات المنزليات للأطفال، أو تحرش العامل المنزلي بأبناء صاحب العمل، كما أن بقاء الأطفال تحت رعاية العاملة المنزلية لفترة طويلة، يجعل أولئك الأطفال يحرصون على طاعتها أكثر من طاعة الوالدين، كون تلك العاملة هي من أعادت تشكيل شخصيته واستوعبتها أكثر من الأمل نفسها، وأصبح التواصل بينها وبين الطفل أكبر من تواصله مع والديه، وهو ما يجعلنا ندق جرس الإنذار داخل الأسرة، ونقول صحيح أن تواجد العمالة المنزلية من سائقين وخدم له أهمية، لكن يجب أن لا نبلغ في تلك الأهمية على حساب أهمية تربية أبنائنا. وأوضح أن غالب العمالة المنزلية ليسوا مستعدين للتعامل مع الأطفال، وإنما على بعض الأعمال المنزلية، إضافة إلى أن بعض العمالة المنزلية لا يكونون مهيئين على التعامل مع الأطفال إما لصغر سن العمالة، أو لوجود بعض الأمراض النفسية، لذلك فإن إسناد مهمة رعاية الأطفال إليهم إضافة إلى الأعمال المنزلية سيتسبب في تذمر الكثير منهم، بدليل قصص العنف الكثيرة الموجهة ضد الأطفال، وهو ما يعتبر أمرا طبيعيا لكثرة الأدوار الملقاة على عاتق العاملة المنزلية، وبالتالي فإنهم يجدون أن الحلقة الأضعف للتنفيس والتعبير عن سخطها وتذمرها هو الطفل، مؤكدا أن العمالة المنزلية يجب أن تكون وسيلة مساعدة وليست بديلا عن أحد أفراد الأسرة ليتخلى عن مسؤولياته ومهامه تجاه أسرته. وشدّد اليوسف أنه على الأسر أن تعيد تشكيل وترتيب أدوارها، وأن يقوم كل فرد من الأسرة بمسؤولياته كاملة بكل إخلاص، وخاصة الأم، فدورها أشرف وأهم دور في العائلة والمجتمع بأكمله، فهي من تربي الجيل ليكون إيجابيا وقادرا على العطاء، لذلك فإنها يجب أن تشرف بدورها وتفخر فيه، وتقوم به كاملا، مضيفا "ولكن هل تعي الأمهات هذا الدور بشكل جيد، هذا هو السؤال والتحدي الكبير الذي نواجهه الآن في مجتمعنا السعودي"، مطالبا في الوقت نفسه التعامل بحذر مع العمالة بشكل عام والمنزلية منها بشكل خاص، وعدم حرمانهم من حقوقهم، وهذا يشمل حجم وطبيعة الأعمال التي تطلبها الأسرة من تلك العمالة، إضافة إلى التعامل الحسن الذي أوصى بها ديننا الحنيف.
مشاركة :