فيما فرضت السلطات التونسية حظرا للتجول على كافة أراضي البلاد من الثامنة مساء وحتى الخامسة لمواجهة انتشار الفوضى والعنف، أعلن رئيس الوزراء الحبيب الصيد عقب لقائه رئيس الجمهورية الفرنسية، في أول زيارة رسمية له لباريس، إن «الوضع حاليا تحت السيطرة» مضيفا أنه سيرأس صباح اليوم اجتماعا لمجلس الوزراء. ومن جانبها، أكدت باريس مجددا وقوفها إلى جانب تونس في محاربة الإرهاب ولكن أيضا لإنهاضها من وضعها الاقتصادي الصعب ولمساعدتها لمواجهة المطالب الاجتماعية التي هي سبب طفرة المظاهرات والعنف اليوم. وجاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه عقب غداء العمل الذي حضره رئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الخارجية لوران فابيوس أن تونس التي «نجحت في عملية الانتقال الديمقراطي ما زالت تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية وهي تستطيع التعويل على دعمنا». وتعتبر مصادر فرنسية رسمية أنه «يتعين على الدول الغربية والعربية القادرة أن تمد يد المساعدة لتونس التي عرفت تجربة الربيع العربي الوحيدة الناجحة». كذلك دعت الطبقة السياسية التونسية إلى «وضع خلافاتها الحزبية جانبا» من أجل توجيه اهتمام الدولة إلى ما يشكل مصدر الخطر المميت أي الوضع الاقتصادي واستفحال البطالة والشعور العام السائد وهو أن الوضع «ليس فقط لم يتحسن بل هو إلى تراجع». وفي الملف الإرهابي، شدد قصر الإليزيه على أن فرنسا وتونس «تواجهان كلتاهما التهديد نفسه ويتعين عليهما أن يحارباه معا مع احترام مقتضيات دولة القانون». وأشار البيان إلى أن الرئيس فرنسوا هولاند أبدى استعداد بلاده من أجل «تعزيز التعاون» المشترك في الجانب الأمني وفي الحرب على الإرهاب. وأفاد الصيد أن المناقشات مع هولاند وفالس تناولت التعاون الأمني والمساعدات المتبادلة التي يستطيع كل طرف أن يقدمها للطرف الآخر. ولا تنحصر التهديدات الأمنية بالنسبة لتونس في الداخل وإنما تمتد كذلك إلى الجوار الليبي. وجدير بالذكر أن منفذي الهجومين الإرهابيين الداميين اللذين عرفتهما تونس «متحف بوردو ومنتجع سوسه» قد تدربوا في ليبيا. كذلك، فإن القوات الأمنية التونسية تواجه تحدي القضاء على الإرهابيين المتمركزين غربي البلاد فيما يسمى جبل الشعانبي القائم على الحدود التونسية - الجزائرية. وتحتاج تونس، أمنيا وعسكريا، للتجهيزات والتدريب والسلاح المناسب والمعلومات الاستخبارية وخلافها. أما في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فقد أعلن الإليزيه أن فرنسا ستطلق خطة خمسية لمساعدة ودعم تونس قيمتها الإجمالية مليار يورو. وبما أن التململ الاجتماعي السابق الذي أطاح بالرئيس زين العابدين بن علي والحالي انطلق من المناطق المسماة «محرومة»، فإن أولوية الخطة الفرنسية ستذهب لتطوير وتنمية المناطق الفقيرة والمهمشة ولصالح الشباب وتأهيلهم للدخول في سوق العمل. كذلك أعلنت باريس أن الاتفاق الذي وقع أمس والقاضي بتحويل مبلغ ستين مليونا من الديون المستحقة على تونس لفرنسا إلى استثمارات سيوظف لبناء مستشفى في منطقة قفصة التي تعد من بين المناطق التي بقيت مهمشة وبحاجة إلى استثمارات ضخمة للنهوض بها. وفي أي حال، فإن باريس تريد «علاقة ثنائية أوثق» مع تونس التي زارها الرئيس هولاند مرتين والتي سيقوم رئيس الحكومة بزيارتها «لا يوجد تاريخ محدد» من أجل إطلاق مجلس العلاقات «الثنائية» عالي المستوى. وفي كلامه للصحافة أمس، بدا الصيد عاجزا عن الرد على المطالب الاجتماعية والاقتصادية إذ أعلن أن حكومته «لا تملك عصا سحرية إذ أنها عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكل البطالة دفعة واحدة». لكنه وعد بأن «تدابير جديدة سيتم اتخاذها في إطار برنامج التنمية». بيد أن المشكلة الحقيقية هي أن المالية التونسية تعاني من عجوزات مزمنة وأن عائدات السياحة تراجعت بشكل كبير فيما الاستثمارات الوطنية والخارجية عرفت هبوطا حادا بسبب الأوضاع الأمنية ما يخلق مناخا متفجرا تتخوف باريس من تصاعده. وتريد تونس، تحديدا، تطوير تعاونها الصناعي ومبادلاتها التجارية مع فرنسا خصوصا في قطاعات تصنيع السيارات والاقتصاد الأخضر «الطاقة النظيفة وملحقاتها» وتكنولوجيا المعلومات. وفي مقابلة للقناة الإخبارية «فرانس24». وعد الصيد باتخاذ كافة التدابير من أجل إيجاد حلول للمشاكل التي تعصف بمدينة القصرين التي انطلقت منها الاحتجاجات الجديدة. لكنه في الوقت عينه بحث عن أعذار وأولها أن تونس «ديمقراطية فتية وهي تجتاز مرحلة المراهقة». بيد أن رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي الذي خسر الانتخابات الرئاسية في مواجهته مع الباجي قائد السبسي، قال للقناة نفسها، بأن المرض الأول الذي تعاني منه تونس هو الفساد. كذلك دعا المرزوقي إلى انتخابات مبكرة لأن «الحكومة الحالية لا مستقبل لها».
مشاركة :