أكد عدد من الخطباء في جدة أن جل المشكلات الاقتصادية تكمن فيما اعتاده البعض من مستوى معيشة فيها زيادة ومبالغة في المأكل والمشرب والملبس والمراكب، كثيرٌ منها لا يصل إلى مستوى الحاجات فضلاً عن الضرورات، وأكثرها من التحسينات والكماليات وما هو دونها، وكلها تستهلك من إيرادات الناس وأموالهم فتسمع الشكوى من قلة الدخل وإن كان كثيرًا، ومن كثرة المصاريف ولو كان أكثرها ليس له حاجة. وقالوا: إن جل الأزمة ليست اقتصادية بل هي أزمة أخلاقية وسوء تدبير وتبذير للأموال في التفاهات إن لم تكن في المحرمات وإن كان الإسراف منهي عنه فمن توجيهات الدين الاقتصاد في الإنفاق بل رتب على ذلك أجورًا وثوابًا عليه، حيث أكد خطيب جامع أم الخير في جدة الشيخ محمد الجبري أن الإسرف في الإنفاق في العصور المتأخرة تحوَّل من سلوك فردي لدى بعض التجار والواجدين إلى ظاهرة عامة تجتاح الأمة كلها؛ فالواجد يسرف، والذي لا يجد يقترض من أجل أن يسرف ويلبي متطلبات أسرته من الكماليات وما لا يحتاجون إليه، وهذا من إفرازات الرأسمالية العالمية التي أقنعت الناس بذلك عبر الدعاية والإعلان في وسائل الإعلام المختلفة. إن المذاهب الرأسمالية ترى أن المحرك الأساس للإنتاج هو الطلب؛ فحيثما وجد الطلب وجد الإنتاج، ومن ثم فإن الإعلانات التجارية تتولى فتح شهية المستهلك للاستهلاك، وتلقي في روعه أنه إذا لم يستهلك السلع المعلن عنها فسيكون غير سعيد، وغير فعال، وسيظهر بمظهر غير لائق، وهذا كله جعل الناس يلهثون خلف سلع كمالية، ويبكون عليها كما يبكي المولود في طلب الرضاعة، وأضحى رب الأسرة المستورة يستدين بالربا من البنوك لتلبية رغبة أسرته في السفر للخارج، أو لإقامة حفلة زواج لابنه أو ابنته تليق بواقع الناس، وهكذا يقال في العمران والأثاث والمراكب والملابس والمطاعم وغيرها، بينما منهج الإسلام تربية الناس لا على الاستهلاك وإنما على الاستغناء عن الأشياء بدل الاستغناء بها. أما خطيب جامع العناني الشيخ علي بن عائض القرني فأكد أن التشديد في النهي عن السرف ما كان إلا لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة، فهو يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وقال السرفُ يعارض حفظ المال؛ بل يتلفه ويؤدي إلى إفقارِ نفسه، ومن ثم إفقارِ أهل بيته وقرابته وأمته، والله تعالى كره لنا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. أما خطيب جامع السديس الشيخ عبدالعزيز بن محمد السهيمي قال: عدم الاهتمام والإسراف قد يكون سببًا للعقوبة، وزوال الأموال، وإفقار الناس؛ حتى يتمنى الواحد منهم ما كان يلقي بالأمس في النفايات عوذًا بالله من ذلك، فاحذروا سخط الله تعالى، وارعوا نعمته، وإياكم وطاعة النساء والأولاد في السرف وتضييع الأموال في الحفلات الباهظة، والأعراس المتكلفة، والبذخ المحرم؛ فإن لذة المحرم تزولُ، ويبقى الوزرُ على ظهرك، وكلُ من أمرك بمعصية الله تعالى، ودفعك إليها فهو عدوٌ لك، فاحذره، وإياك وطاعته ولو كان أقرب الناس إليك. فلم يكن من هدي السلف الصالح الإسرافُ وتضييع الأموال، بل كانوا مقتصدين ينفقون أموالهم في الحق، ويحفظونها عن الإنفاق فيما لا فائدة فيه. المزيد من الصور :
مشاركة :