عمرو حمزاوي يكتب عن محاولة بناء وعي عام ينشد الديمقراطية بمصر عبر مقالات صحفية فقط!

  • 1/23/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

هي معركة خاسرة على الأرجح، محاولة بناء وعي عام ينشد الديمقراطية عبر مقالات صحفية فقط. بوسعي أن أفصل هنا في التشوهات التي يفرضها على المساحة الصحفية غياب الديمقراطية ابتداء وتعقب أصحاب المعلومة والكلمة والرأي انتهاء. بوسعي أيضا أن أفصل في الصخب منعدم المضمون الذي ينتجه المستبدون - من حديث "المؤامرة الكونية ضد الوطن" ومقولات "الأمة في خطر" إلى أوهام "عظمة وتميز وتفرد" الشعب، وتداعيات كل ذلك التي تتراوح بين تزييف وعي بعض الناس ودفع بعضهم الآخر إلى العزوف عن الشأن العام. إلا أن الأهم من تشوهات المساحة الصحفية وتقلب الناس بين الزيف والعزوف هو استحالة بناء وعي عام ينشد الديمقراطية بمعزل عن وجود حركات اجتماعية نشيطة وفعالة ترى في الحرية وسيادة القانون وتداول السلطة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية مرتكزات المجتمع الذي تريده والدولة الوطنية التي تبحث عنها. وعندها تصبح وظيفة المقالات الصحفية، شأنها شأن أعمال فكرية أخرى، هي إيصال رؤية ومطالب هذه الحركات الاجتماعية إلى قطاعات شعبية أوسع وحشد الرأي العام لتأييدها. *** منظورا إليها من خلال عدسة الحركات الاجتماعية، تشهد مصر اليوم حضورا لافتا لتجمعات طلابية وشبابية وعمالية لم تثنها الممارسات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة عن الالتزام بالديمقراطية. والأخيرة، ومن واقع أنماط الاحتجاجات الشعبية خلال العامين الماضيين، تترجم لدى الطلاب إلى إجراءات فورية تتمثل في الإفراج عن المحبوسين احتياطيا وعن المسلوبة حريتهم بسبب قانون التظاهر، وفي رفع يد الأجهزة الأمنية عن الجامعات وشؤونها، وفي إعادة زملائهم وأساتذتهم الذين فصلوا على نحو تعسفي، وفي إلغاء التعديلات الأخيرة على قانون الجامعات. أما التجمعات الشبابية فمطالبها الفورية تتعلق بإيقاف جرائم القتل خارج القانون والاختفاء القسري والتعذيب، والإفراج عن المسجونين وفقا لقضايا سياسية، وكف يد القمع الأمني عن الطلاب والشباب والعمال والصحفيين دون تمييز بين منتمي إلى جماعة الإخوان وبين عضو في حركة شباب 6 ابريل، وإلغاء أو تعديل القوانين الجائرة التي مررت خلال العامين الماضيين كقانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية، وإلزام الأجهزة الأمنية باحترام حقوق الإنسان داخل السجون وأماكن الاحتجاز. ويركز الناشطون في الحركات العمالية وفي العديد من تجمعات الموظفين والمهنيين على استعادة شيء من العدل والتوازن إلى واقع العمل في مصانع القطاعين العام والخاص وفي الدواوين الحكومية، وعلى إدخال تعديلات فورية على سياسات الأجور والحوافز، وعلى محاربة الفساد التي ليس لها أن تثمر دون إنهاء لغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة وفرض رقابة نقابية ومجتمعية على إجراءات الخصخصة المستمرة إلى اليوم. تضغط الحركات الطلابية والشبابية والعمالية باحتجاجات سلمية متواصلة لانتزاع الإجراءات الفورية العادلة التي تنادي بها، ولم يرهبها خلال العامين الماضيين لا الاستهداف الأمني لقياداتها وأعضائها ولا خطاب "الأذرع الإعلامية" الذي يوزع اتهامات العمالة والخيانة والمطالب الفئوية على كل من يرفض الاستكانة للظلم. ووفقا لبيانات بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في مصر، شهدت الأنشطة الاحتجاجية للطلاب والشباب والعمال ومعهم مجموعات من الموظفين ارتفاعا ملحوظا خلال العامين الماضيين. *** ذات الحركات تتوافق أيضا بشأن الملامح العامة للمجتمع الديمقراطي الحر الذي تريده وللدولة الوطنية العادلة التي تبحث عنها. ربما غاب الوضوح عن بعض الصياغات، ربما تعثرت بعض الخطوات، ربما طغت التفاصيل بفعل نضالهم اليومي من أجل الحقوق المهدرة ومن أجل جبر الضرر عن الضحايا. غير أن أغلبية الفاعلين داخل الحركات الطلابية والشبابية والعمالية تدرك بوضوح أن سبيلها إلى المجتمع الحر والدولة العادلة هو سيادة القانون وتداول السلطة وضمانات مشاركة المواطن في إدارة شؤونهم والشأن العام – من الجامعة والمحليات والمصانع إلى التمثيل الحقيقي لمصالحهم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية. الأغلبية تعلم جيدا أن سبيلها إلى ظروف معيشية أفضل وخدمات أساسية تليق بكرامة الناس ومكافحة حقيقية للفقر والبطالة والمرض هو قدرتها على المشاركة في اختيار شاغلي المنصب العام وإخضاعهم للمساءلة والمحاسبة استنادا إلى قوانين تكفل حرية تداول المعلومات وتحقق الشفافية. الأغلبية لديها يقين أن المظالم والانتهاكات لن تغيب عن بلادنا بمجرد إيقاف ما تراكم منها خلال العامين الماضيين، بل يستدعي الغياب بيئة مجتمعية لا قوانين جائرة ودولة تحترم مؤسساتها وأجهزتها قيمة العدل وتقبل الرقابة الشعبية وحياة سياسية يعاد إحيائها بعد موات وتتسم بالسلمية والتنوع والمنافسة. أغلبية الطلاب والشباب والعمال أصبحت تفهم جيدا أن المظالم والانتهاكات لا تتوقف أبدا عند حدود من "نختلف معهم"، وأن القيم الأخلاقية والإنسانية التي تلزم بالدفاع عن حقوق وحريات "المختلفين معنا" لها أيضا أهمية مجتمعية شاملة تعبر عنها المقولة الشهيرة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض." *** منظورا إليها من خلال عدسة الحركات الاجتماعية، لا أمل لمصر في تطور واستقرار وعي عام ينشد الديمقراطية ما لم تدرك نخب المفكرين والمثقفين والكتّاب والأكاديميين وغيرهم أن الطلاب والشباب والعمال هم روافع التغيير، وأن الأعمال الفكرية على قيمتها الذاتية (المعرفية) لا تسهم في تغيير المجتمعات والدول سوى من خلال الاشتباك مع الحركات الاجتماعية المؤثرة. على النخب أيضا أن تدرك أن ابتعادها عن هذه المهمة يطيل من عمر الاستبداد والسلطوية ومن ثم من معاناة المجتمع والدولة، ويقضي على القليل المتبقي من استعداد الطلاب والشباب والعمال للإنصات إلى رؤى وأفكار النخب. ليس بالمقالات الصحفية وحدها.

مشاركة :