أعلنت روسيا، أمس، عن هدنة في أوكرانيا لمدة يوم ونصف، وذلك من ظهر اليوم حتى منتصف ليل يوم الأحد بمناسبة احتفالات المسيحيين الأرثوذكس بعيد الميلاد، وفق ما أعلنه الكرملين. وذكرت وكالة «إنترفاكس» نقلاً عن الكرملين أن روسيا تطالب أوكرانيا بإعلان وقف لإطلاق النار والسماح للناس بحضور القداديس عشية عيد الميلاد ويومه. وهذه أول هدنة تعلن عنها روسيا منذ انطلاق عمليتها العسكرية في فبراير الماضي. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكد في وقت سابق أمس، أن موسكو منفتحة على الحوار مع أوكرانيا بشرط أن تقبل كييف «الوقائع الجديدة على الأرض». وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كرر بوتين «أن روسيا منفتحة على الحوار الجاد شرط أن تمتثل السلطات في كييف للمطالب المعروفة والتي تمّ التعبير عنها مراراً وتأخذ في الاعتبار الوقائع الجديدة على الأرض». ويرى خبراء ومحللون أن المعارك الدائرة براً وجواً بين الجانبين، بلغت الآن حالة غير مسبوقة من الجمود، أدى إلى أن تتحول المواجهات، إلى ما هو أشبه بـ «حرب استنزاف»، يتكبد الجميع أثماناً باهظة لها، خاصة في ظل تصاعد تبعات الأزمة الأوكرانية، على الساحتين الإقليمية والدولية، بمختلف جوانبها السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية. فبعد أن حَسِبَ الكثيرون أن الصدام العسكري الذي اندلع في أوكرانيا قبل نحو عام مع وصول أزمتها مع روسيا إلى نقطة اللا عودة قد يكون خاطفاً، أثبتت مجريات الشهور العشرة الماضية، خطأ هذه التوقعات، بعدما وصل طرفا القتال إلى طريق يبدو مسدوداً على الصعيدين الميداني والدبلوماسي. ويتعزز هذا الجمود، في ضوء التوازن النسبي بين كفتيْ طرفيْ الأزمة. فبالنسبة للمواجهات البرية، تعتمد روسيا على ثقلها السكاني الهائل لتعويض أي خسائر بشرية تتكبدها، وذلك في وقت تعول فيه أوكرانيا، على الدعم التقني الذي تتلقاه من الغرب. أما في الجو، فتسود حالة توازن قوى مماثلة، مع مواصلة كييف تلقي منظومات دفاع جوي غربية، تستعين بها للتعامل مع الصواريخ والطائرات المُسيّرة التي تستخدمها موسكو. وفي ظل تضاؤل قدرة أيٍ من الطرفيْن على تحقيق نصر عسكري حاسم من أي نوع، في المعارك المستمرة منذ أواخر فبراير من العام الماضي، يرجح الخبراء، الذين تحدثوا للموقع الإلكتروني لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، أن تستمر المواجهات لفترة طويلة للغاية، ما لم يطرأ أي تغير جذري، وهو ما يستبعد الكثيرون حدوثه. التحذيرات نفسها، أطلقها محللون استراتيجيون غربيون، في تصريحات نشرتها مجلة «فورين أفيَرز» الأميركية، قالوا فيها إن الأزمة تحولت إلى صراع، لا يحقق أيٌ من طرفيْه مكاسب إلا بثمن فادح. لكنهم أشاروا إلى أن ذلك لم يدفع الجانبين حتى هذه اللحظة، إلى إبداء رغبة حقيقية، في استئناف العملية التفاوضية، أو تقديم تنازلات ملموسة، من شأنها فتح الباب أمام إيجاد حل، وبلورة تسوية سلمية قابلة للاستمرار. فكلٌ من الطرفيْن لا يزال يراهن على أن ينهار الآخر، وهو ما يبدو مستبعداً في ظل الظروف الراهنة. فبعد تقدم روسي أوليّ استمر عدة شهور، نجح الأوكرانيون في تحقيق مكاسب على الأرض، في تحول يبدو أن وتيرته تباطأت بدورها في الآونة الأخيرة، بعد تغييرات أُدخلت على هيكل القيادة العسكرية للقوات الروسية، بالتوازي مع عملية التعبئة الكبيرة، التي أطلقتها موسكو في سبتمبر الماضي، لحشد قرابة 300 ألف جندي إضافي. وقادت هذه التغييرات التي طرأت على الخطط الروسية، إلى تمكين موسكو من تقليص جبهة القتال، التي يتعين عليها الدفاع عنها، بدون التعرض لخسائر تُذكر، وذلك في الوقت الذي تعكف فيه قواتها على تحصين مواقعها وزرع الألغام حولها، وهو أسلوب كلاسيكي طالما اتبعه الروس من قبل، بما يجعل من العسير، على أي قوات مُهاجمة، الاستيلاء على هذه المواقع بسهولة. وثمة إجماع بين الخبراء والمحللين، على أن الولايات المتحدة تبقى الطرف الدولي القادر، على دفع طرفيْ الأزمة، إلى الجلوس على طاولة التفاوض، رغم أنها لا تبدو متحمسة في الفترة الحالية، لتفعيل جهودها على هذا الصعيد. ولكن استمرار القتال لعام آخر، وما سينجم عن ذلك من خسائر مؤكدة لكل الأطراف، ربما سيدفع صناع القرار في واشنطن، إلى التحرك من أجل إنهاء هذا المأزق الدموي الخطير، الذي تهدد تبعاته كامل المنظومة الأمنية والعسكرية الأوروبية والغربية.
مشاركة :