ثورة الاتصالات وتأثيرها على الحزب الجمهوري الأميركي

  • 1/7/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كانت تلك هي المرة الأولى منذ ما يقرب من قرن من الزمان التي نرى فيها ذلك المشهد المذهل للحزب الجمهوري منقسماً لدرجة أنه عانى في جولات كثيرة في الاقتراع لاختيار رئيس لمجلس النواب، لتُظهر الدراما في واشنطن قوى هيكلية أكبر تعمل على تغيير الديمقراطية الأميركية. لقد كان تأثير ثورات الاتصالات والتكنولوجيا على ديمقراطيتنا أعمق بكثير من القضايا الشائعة المتمثلة في المعلومات الخاطئة وخطاب الكراهية وما شابه ذلك. فقد مكّنت ثورة الاتصالات أعضاء الكونغرس الأفراد من العمل، بل والازدهار، كوكلاء أحرار، وأفسدت السلطة المؤسسية، بما في ذلك سلطة الأحزاب السياسية وقادتها، وسمحت للأفراد والجماعات بتعبئة ودعم المعارضة لأداء الحكومة بسهولة أكبر والمساعدة في تأجيج النزاعات بين الفصائل داخل الأحزاب التي تواجه القيادة صعوبة أكبر في السيطرة عليها مقارنةً بالحال في الماضي. من خلال التلفزيون الأرضي ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى الساسة في سنواتهم الأولى في المنصب بات بإمكانهم كسب جمهور على الصعيد الوطني. فعندما دخلت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز الكونغرس، كان لديها بالفعل تسعة ملايين متابع على منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، أي أكثر من أربعة أضعاف عدد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وحجم أكبر بكثير من أي عضو ديمقراطي آخر في مجلس النواب. واعترافاً بالقوة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، قال النائب مات غايتز، عضو الحزب الجمهوري عن فلوريدا والمعارض القوي لمحاولة كيفن مكارثي الترشح لرئاسة البرلمان، إنه يريد أن يكون ألكساندريا أوكاسيو كورتيز تيار اليمين. كما أدت «الإنترنت» إلى تعاظم تبرعات المانحين الصغار، مما مكّن السياسيين من جمع مبالغ كبيرة دون الاعتماد على أموال الحزب أو كبار المانحين. وعلى الرغم من تجريدها من مهام لجنتها، جمعت النائبة مارغوري تايلور غرين، الجمهورية الجورجية، أكثر من 3 ملايين دولار من التبرعات الصغيرة في الربع الأول من عام 2021، وهي فترة مذهلة لعضو جديد في الكونغرس. فالشعبية على الصعيد الوطني من خلال محطات التلفزيون الأرضي ووسائل التواصل الاجتماعي لهي مكافأة استفزازية للآيديولوجية. كذلك حوَّلت نائبة نيويورك ليز ستيفانيك نفسها من معتدلة إلى «محاربة» لصالح لدونالد ترمب، في خطوة ساعدت في توليد سيل من التبرعات الصغيرة. كانت مهمة السيطرة على مهام اللجان ذات يوم أداة قوية، وكان على قادة الحزب تشجيع الأعضاء على اتّباع خط الحزب ومعاقبة المخالفين. وغالباً ما يجري تطوير التشريعات الرئيسية الآن في عملية أكثر مركزية بين مجموعة صغيرة من قادة الأحزاب، وليس من خلال عمل اللجان، مما جعل مهام اللجان أقل قيمة. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد الأعضاء بحاجة إلى العمل في لجان مهمة لتعريف أنفسهم على المستوى الوطني أو لاجتذاب أموال الحملات، ولا يزال باستطاعتهم، بفضل أدوات الاتصال الحديثة المتاحة بسهولة للأعضاء الفرديين، حشد المعارضة للمقترحات. أولئك الذين يعارضون ترشح مكارثي لرئاسة المجلس يدركون أنهم يواجهون خطر التعرض للعقاب في مهام لجانهم حال انتصر في النهاية. لكنّ هذا التهديد لم يعد له نفس الأهمية السابقة التي رأيناها في عصر السياسيين الذين يعملون كوكلاء أحرار. يستفيد الكثير من الأعضاء أيضاً من الوجود في مقاعد آمنة بشكل متزايد، مما يجعلهم غير مبالين بالانتخابات العامة ويشجعهم على اللعب أمام الناخبين الرئيسيين الملتزمين آيديولوجياً. كما شجعت القدرة على كسب جمهور وطني وجمع أموال كافية من خلال التبرعات الصغيرة على صعود السياسيين الذين يشاركون في اللعبة من أجل الاهتمام والاستفادة من الفرص التي توفرها أكثر من الحكم في حد ذاته. إن خطر انقلاب مقدمي برامج التلفزيون الأرضي عليهم لهو مصدر قلق أكبر بكثير من الفشل في الحصول على مهام معينة للجان. إن العمل الأول البسيط لمجلس النواب الجديد -حزب الأغلبية الذي يختار رئيس مجلس النواب- مشحون للغاية ويجسّد الصعوبات التي تواجهها الأحزاب السياسية الآن في القدرة على إدارة نفسها، ناهيك بالحكم. حتى تنازلات مكارثي لخصومه المتشددين في حزبه لم تُحدث فرقاً كبيراً. وقد واصلوا تحدّيهم إمّا بسبب الكراهية الشخصية وعدم الثقة وإما لأنهم يريدون إظهار قوتهم لإسقاط رئيس مجلس نواب محتمل. هذه المعركة بالذات لهي علامة على عالم جديد من التشرذم السياسي يواجه الآن جميع الديمقراطيات تقريباً. فالتشرذم السياسي هو تشتت السلطة السياسية في الكثير من الأيدي ومراكز السلطة المختلفة بحيث يصبح الحكم بفاعلية أمراً أكثر صعوبة. الصراعات الاقتصادية والثقافية تؤدي إلى هذا التشرذم، لكنّ ثورة الاتصالات هي ما أدت إلى وجودها. في أنظمة التمثيل النسبي في أوروبا الغربية، انقسمت الأحزاب السياسية الكبيرة المهيمنة تقليدياً لتجسد مشهداً يضم أحزاباً أصغر. في الولايات المتحدة، جرى تقسيم الحزبين الرئيسيين داخلياً، مع تراجع قدرة القيادة على التغلب على تلك الانقسامات. يُظهر الحزب الديمقراطي طريقة واحدة يمكن للأحزاب من خلالها التغلب على هذه القوى المتفرقة التي تهدد بتفكيكها، وهي شبح الهزيمة الانتخابية الكبرى. في لحظة الوحدة الحالية، من السهل نسيان الصراعات المريرة بين الأجنحة الأكثر اعتدالاً والتقدمية التي مكّنت الحزب من التغلب عليها العام الماضي فقط. خلال تلك الأشهر من المشاحنات الداخلية للحزب والتهديدات والإساءات، تراجعت معدلات القبول العام للرئيس بايدن والكونغرس. كانت تجربة مميتة تلك التي شهدناها في انتخابات حكام 2021 في فرجينيا ونيوجيرسي للتقدميين للتخلي عن مطالبهم والسماح بتمرير مشروع قانون البنية التحتية من تلقاء نفسه، وتبع ذلك في النهاية قانون خفض التضخم الذي جرى تقليص نطاقه بدرجة كبيرة. كانت إحدى المزايا التي يتمتع بها الديمقراطيون هي السيطرة على البيت الأبيض، مما يساعد على تنظيم الحزب لأن الأعضاء يرون أن مصائرهم الانتخابية مرتبطة بنجاح الرئيس. يبدو أن عدداً أقل من الأعضاء الديمقراطيين أكثر اهتماماً بالسياسة الأدائية مقارنةً باهتمامهم بالتشريع. ومع تسليط الضوء على ترشح مكارثي لرئاسة مجلس النواب، فإن حوافز المعارضة وسهولة تعبئتها -بغرض السياسة وكذلك السيطرة الحزبية- قد تعززت أكثر. لطالما كان تنظيم السلطة الجماعية أمراً أكثر صعوبة، لكنه يظل المكون الأساسي لتقديم حكومة فعالة، وسوف تواصل قوى التشرذم الجديدة إرباك قادة الحزبين السياسيين، كما يفعلون مع الأحزاب في الديمقراطيات كافة اليوم. * أستاذ في كلية الحقوق بجامعة نيويورك - خدمة «نيويورك تايمز»

مشاركة :