«الموسيقى عندي ليست عملاً ولا مهنة، ولكنها حالة حب وعلاقة عشق متواصلة، عشق فيه الحب وفيه الغضب، وأحياناً تغضب الموسيقى مني، وأنا أيضاً أحياناً أغضب منها وأحياناً أحاول أن أعمل شيئاً فتصدني وأحياناً توقظني من النوم وتعطيني كل ما أبحث عنه»، هكذا عبر الموسيقار الكبير بليغ حمدي عن علاقته بالموسيقى، عالمه الخاص المحبب إلى قلبه. ورغم رحيله قبل 29 عاماً، فإن ألحانه لا تزال خالدة، تجذب محبيه وعشاقه، تنوعت بين الشعبية والرومانسية والوطنية والتراثية، ونجح في استخدام الإيقاعات العربية، وابتكر إيقاعات مركبة استخدمها الآخرون بعده، نال العديد من الألقاب منها «ملك الموسيقى»، و«أمل مصر في الموسيقى»، و«سيد درويش عصره»، وعرف بين أصدقائه بـ«بلبل»، ودون مجموعة من ألحانه بعنوان «ابن النيل». ترك بليغ إرثاً كبيراً وأثرى المكتبة الموسيقية بـ1500 لحن، وموسيقى تصويرية لـ76 فيلماً وشارات البداية لـ14 مسلسلاً درامياً و11 إذاعياً و6 أوبريتات و3 مسرحيات، ووضع 80 لحناً لوردة الجزائرية و74 لشادية و37 لعفاف راضي و30 لعبد الحليم حافظ و15 للشيخ سيد النقشبندي، و12 لأم كلثوم. عزف مبكر ولد بليغ عبد الحميد حمدي في 7 أكتوبر العام 1932 بحي شبرا بالقاهرة، كان والده أستاذاً للفيزياء بجامعة فؤاد الأول «القاهرة حالياً»، تعلم العزف على العود في التاسعة من عمره، وبجانب دراسته بمدرسة شبرا الثانوية، واصل تعلم الموسيقى بمدرسة «شرقية»، وتعرف على الموشحات، والتحق بكلية الحقوق لكن لم ينل الشهادة الجامعية، ثم تعلم المزيد عن الموسيقى بشكل أكاديمي بمعهد فؤاد الأول «الموسيقى العربية حالياً». البداية الفنية بدأ بلبل النيل مسيرته الفنية في الحادية والعشرين من عمره، حيث اقتنع به محمد حسن الشجاعي مستشار الإذاعة المصرية آنذاك، وشجعه على احتراف الغناء، وسجل للإذاعة 4 أغنيات، إلا أن حلم التحلين كان يراوده، فلحن أغنيتين لفايدة كامل «ليه فاتني ليه»، و«ليه لأ»، ولحن لفايزة أحمد أغنية «ما تحبنيش بالشكل ده». مع نجاح الأغنيات توطدت علاقته بالموسيقار محمد فوزي الذي آمن بموهبته ومنحه فرصة التلحين من خلال شركته «مصرفون»، وكان أول لحن احترافي قدمه بليغ لعبدالحليم حافظ في أغنية «تخونوه» العام 1957. مع العندليب على مدار عِقدين شكل بليغ وعبدالحليم ثنائياً ناجحاً، قدما خلال هذه الفترة 30 أغنية متنوعة، منها: «خسارة» أشعار مأمون الشناوي من فيلم «فتى أحلامي» 1957، لتتوالى نجاحاتهما وقدما العديد من الأغاني التي تركت بصمة في مسيرتهما، منها «سواح»، و«أعز الناس»، و«موعود»، و«أي دمعة حزن لا»، كما تعاونا في 9 أغنيات وطنية منها «فدائي»، و«البندقية»، و«أرض الجزائر». شادية والفلكلور بدأ بليغ رحلته الموسيقية مع شادية بأغنية من الفلكلور الشامي «يا أسمراني اللون» العام 1966، وتعاونا مجدداً في الأغاني الفلكلورية، ومنها: «الحنة يا قطر الندى»، و«خدني معاك ياللي مسافر»، وأثمر تعاونهما 74 لحناً من خلال عشرات الأغاني، كما تعاونا في أغاني الأفلام والعروض المسرحية، حيث لحن أغاني «ريا وسكينة»، وفي السينما «ياعيني على الولد» من فيلم «شيء من الخوف»، وأغنية «مكسوفة منك». 13 عاماً مع كوكب الشرق «عندي ليكي حتة ملحن يجنن مصر حتغني ألحانه أكتر من 60 سنة قدام»، بهذه العبارة قدم الموسيقار محمد فوزي الملحن بليغ حمدي إلى أم كلثوم، التي كانت تريد التحرر من اللون «السنباطي»، وكان أول لقاء بينهما بمنزل طبيبها زكي سويدان، ولحّن وعزف بليغ وهو جالس على الأرض، وسط ذهول الحضور فجلست أم كلثوم بجواره بعد أول كوبليه، وطلبت منه أن يكمل اللحن. وكانت بداية بليغ وكوكب الشرق في العام 1960، بأغنية «حب إيه»، والتي حققت نجاحاً ساحقاً، وعلى مدار 13 عاماً قدم لها 11 من أبرز أغانيها التي شكلت بصمة موسيقية، ومنها: «أنساك»، و«ظلمنا الحب»، و«كل ليلة وكل يوم»، و«سيرة الحب»، و«بعيد عنك»، و«فات المعاد»، و«إنا فدائيون»، و«ألف ليلة وليلة»، و«الحب كله»، و«حكم علينا الهوى»، وهي آخر أغنية قدمتها العام 1973. أخبار ذات صلة «السيمفونية الثلاثية» لإيهاب درويش تحصد مليون مشاهدة «الثلاثي جبران» يتألق بالشعر والموسيقى في المجمع الثقافي أشهر ثنائي شكل بليغ ووردة الجزائرية أحد أشهر الثنائيات الفنية، بدأت علاقتهما حينما سمعت ألحان أغنية «تخونوه» لعبد الحليم من فيلم «الوسادة الخالية» أثناء وجودها في السينما بفرنسا، فتعلقت بالملحن دون أن تراه، وعزمت على النزول إلى مصر للتعرف عليه. وجمعهما أول لقاء في منزل الموسيقار محمد فوزي في بداية الستينيات، واتفقا على أن يلحن لها أغنية «يا نخلتين في العلالي» من فيلم «ألمظ وعبده الحامولي»، وفي اليوم التالي توجه بليغ لخطبتها من والدها فرفض دخوله، ولكن حبهما لم ينته واستمرت لقاءاتهما، فقررت أسرتها الابتعاد بها إلى الجزائر، وتزوجت هناك. بعد سنوات، ذهب عدد من الفنانين المصريين للمشاركة في يوم الاحتفال باستقلال الجزائر، منهم بليغ، وذهبت وردة لتحيتهم، وعندما رآها أمسك بالعود وقام بتلحين أغنية «العيون السود» التي تصف قصة حبهما، وبعد عام ونصف انفصلت وردة عن زوجها وعادت إلى مصر، وقامت بغناء «العيون السود» العام 1972، ثم تزوجا، وعقدا قرانهما بمنزل نجوى فؤاد، وغنى لهما عبد الحليم حافظ. خلال مدة زواجهما الذي استمر 6 سنوات، قدم بليغ لوردة 80 لحناً، تعد بمثابة التاريخ الفني الحقيقي لها، منها «احضنوا الأيام»، و«ولاد الحلال»، و«حنين»، و«انا عندي بغبغان»، للأطفال، وكان آخر تعاون بينهما «بودعك» العام 1993. الشيخ والموسيقار «على آخر الزمن أتعاون مع ملحن أغاني بهية وعدوية»، جملة قالها الشيخ النقشبندي، للإذاعي وجدي الحكيم، مستنكراً طلب الرئيس السادات بأن يكون هناك تعاون بين الشيخ والموسيقار، ومع رفض النقشبندي، طلب منه الحكيم أن يسمع اللحن في استديو الإذاعة، وإذا أعجبه يقوم بخلع عمامته، وإذا لم يعجبه يتم الاعتذار لبليغ بأية حجة. بعد سماع النقشبندي اللحن، لم يخلع عمامته، بل خلع الجبة وكاد يطير من الفرحة، واصفاً بليغ بـ«الجِن»، وقدما 15 ابتهالاً دينياً من أشعار عبد الفتاح مصطفى، تمت إذاعتها في شهر رمضان، في البرنامج الإذاعي «أنغام الروح»، ومن أشهرها «مولاي» و«دار الأرقم» و«أشرق المعصوم». الفتاة القوية في بداية السبعينيات، ذاع صيت الفتاة صاحبة الصوت القوي بمعهد الموسيقى العربية عفاف راضي، وطلب مقابلتها وغنت أمامه، ليبدأ تحضير أولى أغانيها «ردوا السلام»، وغنتها في حفل الربيع مع عبدالحليم، ليتعاون معها مجدداً في أغنية «هوا يا هوا»، وقدما 37 أغنية، منها «جرحتني عيونه السود»، و«راح وقالوا راح»، و«تساهيل والرزق على الله»، وأغاني مسرحية «ياسين ولدي». الغناء الشعبي إلى ذلك ترك الموسيقار الكبير بصمة في اللون الشعبي، وقدم لمحمد رشدي 21 لحناً صاغ أغلب أشعارها عبدالرحمن الأبنودي، وأصبحت علامة كونها نابعة من الفلكلور المصري الأصيل، ومنها: «عدوية»، و«طاير ياهوا»، كما تعاون مع محمد العزبي في عدد من الأغاني أشهرها «بهية»، بالإضافة إلى ألحانه لأيقونة الغناء الشعبي أحمد عدوية، ومنها: «عجيب ياواد يابنج»، و«يا ختي اسملتين». الشعراء تعاون بليغ مع عدد كبير من الشعراء، لكن تظل تجربته مع عبد الرحيم منصور الأكثر غزارة خصوصاً في تعاونهما في أغنيات وردة وعفاف راضي وعلي الحجار، بالإضافة إلى الأوبريتات، ومنها: «ياسين ولدي» و«تمر حنه». وعلى النمط الشعبي قدم مع عبد الرحمن الأبنودي العديد من الأغاني المتنوعة بين الشعبية والوطنية من خلال عبد الحليم ورشدي، كما تعاون مع شعراء آخرين مثل مرسي جميل عزيز، وعبد الوهاب محمد، وحسين السيد، وأحمد شفيق كامل. الأصوات العربية تعاون بليغ مع عدد كبير من الأصوات العربية، وكان دائم البحث عن المواهب لتقديمها، وتعاون مع السورية ميادة الحناوي في عدد من الأغاني منها «الحب اللي كان»، و«وأنا بعشقك»، وقدم أصواتاً عديدة في بداية مشوراها مثل علي الحجار في أول أعماله «على قد ما حبينا»، والمغربية سميرة سعيد بأغنية «علمناه الحب»، كما تعاون مع هاني شاكر، ووديع الصافي، ونجاة الصغيرة، وصباح.
مشاركة :