فيلم سينمائي يوثق تجربة لبنانية في رصد القضايا البيئية

  • 1/7/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يساهم فن السينما في حماية البيئة من خلال تقديم بعض الأفلام التي تعنى بعرض ظواهر بيئية تبرز فيها المخاطر التي تهدد البيئة، أو تعرض تجارب أناس يبذلون ما في وسعهم لحمايتها. وفي العالم جهود مستمرة لتقديم سينما هدفها التعريف بقضايا البيئة وحمايتها، كان منها فيلم عن فنانة لبنانية أسست لفن البيئة في بلدها وقد قدمه الكاتب والإعلامي المصري محمد الناصر أبوزيد. قدم الفيلم التسجيلي الأميركي “تسميم الجنة” وثيقة حياتية عن التدمير البيئي الذي تحدثه شركات عملاقة في الصناعات الحديثة، مبيّنا مقدار الضرر الذي يحيط بالملايين من الناس نتيجة تخريب البيئة الطبيعية، بينما قدم فيلم جزائري حمل عنوان “أعجوبة النفايات” طريقة مختلفة في التعامل مع موضوع البيئة، فرصد ملامح تجربة قرية في الجزائر استطاعت إدارة نفاياتها، بتخميرها والاستفادة منها في توليد الطاقة وكذلك بتشغيل عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة. ويؤمن البعض ممن يعمل في السينما أنها يمكن أن تحدث تغييرا في مفاهيم متعلقة بالبيئة، في عصر لا يبدو أن له حسابات هامة لدى أصحاب المطامع التجارية الكبرى في العالم، فالنزف البيئي دائم ويتنامى، ومستحدثات الصناعة والتجارة العالمية تنتهك في كل ثانية ثوابت طبيعية وقانونية، وهو ما يحيط البيئة بالمزيد من الأخطار. وتعرّض كوكب الأرض كله لمخاطر قد تصل إلى الفناء، فالصناعة العالمية الجشعة تقذف كل يوم مئات ملايين الأطنان من المخلفات والمواد التي تشكل بوجودها خطرا داهما على البيئة. رغم كل ذلك ما زال في عتم الحاضر المزري للبيئة بصيص من الأمل، حيث تظهر في العديد من بقاع العالم محاولات فردية أو جماعية تعمل على حماية البيئة ولو بوسائل شخصية بسيطة، فبرزت في العالم أحزاب حماية البيئة التي علا صوتها السياسي في أوروبا وصارت قوية إلى درجة أنها استطاعت إسقاط حكومات. لكن الوطن العربي ما زال بعيدا عن هذا الشكل من التأثير وبقيت محاولات حماية البيئة فيه جهودا فردية أو أهلية. وكان للفنانين نصيب هام من دعم هذا الحراك وتقديم أفكار إبداعية تدعم المسار. ومن هؤلاء الفنانة اللبنانية حنان بارودي ابنة مدينة طرابلس، التي عملت منذ ما يقارب نصف القرن على طرح فكرة التعامل مع مخلفات الحياة البشرية وإعادة تدويرها في أشكال فنية تسهم في تقديم ملامح جمالية في الأثاث أو الديكور أو صناعة بعض الأشياء المنزلية. عن تجربتها الفنية والبيئية أنجز الكاتب والإعلامي المصري محمد الناصر أبوزيد فيلما وثائقيا، رصد فيه تجربة بارودي التي ولدت في لبنان ثم جابت العديد من دول العالم، واستطاعت تأسيس نمط فني خاص بها يدافع عن البيئة. تجربة مختلفة حنان بارودي فنانة لبنانية عملت على طرح فكرة التعامل مع مخلفات الحياة البشرية وإعادة تدويرها في أشكال فنية يقول محمد الناصر لصحيفة “العرب”: “نشأت فكرة هذا الفيلم قبل أن يتم إنتاجه بعامين تقريبا، حيث كنت قد نشرت في مجلة ‘العربي’ الكويتية حوارا مطولا مع الفنانة اللبنانية حنان بارودي، رصدنا خلاله البعض من محطات رحلتها، مع هذا التوجه الفني عميق التأثير في البيئة المحيطة بنا، جماليا واقتصاديا، والذي يمنحنا رسالتين مهمتين، الأولى أننا أسرفنا -إلى حد السفه أحيانا- في استهلاك الموارد التي وهبنا الله إياها، ويحتويها كوكب لا نعرف له شبيها حتى الآن وليس لنا ملاذ غيره. والرسالة الثانية أنه تعيش بيننا فئة من البشر لم تدمر عملية التحديث المفرطة الجارية حاليا على الكوكب حسها الإنساني المسؤول، ولا تزال هذه الفئة المسؤولة تعيش بوعي إيجابي خاص تجاه البيئة، ليس فقط بالدعوة إلى الاستهلاك الرشيد للموارد، وإنما أيضا عبر المناداة بإعادة إصلاح ما أفسدته الأنانية البشرية المفرطة تجاه استهلاك الموارد”. وتابع “ذروة هذا الإصلاح ليست فقط في أن نقلل الاستهلاك المتنامي للموارد، إنما أيضا في خلق حالة جمالية لها عائد اقتصادي، ولا يستطيع أن يحققها إلا موهوبون من الفنانين، وبارودي واحدة منهم. ولما صار النشر الصحفي مهما أصبح عدد الصور المنشورة -أو الوصف اللغوي- غير قادر على وصف أو نقل روعة هذا الإبداع، فخطرت لي فكرة أن نحكيه في فيلم سينمائي، وعرضت الفكرة على الفنانة، ورحبت بها كثيرا”. واعتمد محمد الناصر في تقديم فكرة فيلمه على موضوع امتلاك حس درامي متصاعد يقدم معلومات متتالية بشكل بسيط. يقول عن ذلك “اخترت الاعتناء بتقديم الفكرة، وحتى يحدث ذلك قمت ببناء سكريبت، جاء على شكل سرد لقصة بدأت منذ نصف قرن تقريبا، ولأنني في الحوار السابق اقتربت كثيرا من الفنانة، لمست خطا دراميا في حياتها، أساسه الشغف الفني والإصرار والعزيمة، رغم الأزمات الكثيرة التي مرت بها على المستوى الشخصي، أو ما مر به بلدها لبنان خلال نصف قرن من الزمن، ففي فترة من الزمن اللبناني كان الجمال والحرص عليه ترفا، لا مجال له مع أصوات البنادق”. ويوضح المخرج “جابت بارودي بلدانا كثيرة، وعاشت سنوات غير قليلة في أفريقيا السوداء، فكان الخيار الأفضل -والذي يمثل تحديا- أن نعرض القصة، محافظين على خط درامي واضح في أقل زمن ممكن، ويناسب طبيعة الأفلام الوثائقية التي من الأفضل أن تكون قصيرة وملهمة للمشاهد. كما أن أسلوب بارودي الفني في تدوير المهملات يتميز بالبساطة والعمق في الوقت نفسه، بالإضافة إلى التلقائية أحيانا في التقاط وتجسيد الفكرة، لذلك رأينا أن السرد السينمائي البسيط مع عمق العرض هما الأسلوب السينمائي المناسب، لأنه الأسلوب الأقدر على الوصول إلى شرائح وفئات اجتماعية متنوعة، فالفيلم غير موجه إلى النخبة فقط”. السينما السياسية تجربة الفنانة حنان بارودي تقدم جهدا متميزا في خلق الجمال من كتلة من القبح تجربة الفنانة حنان بارودي تقدم جهدا متميزا في خلق الجمال من كتلة من القبح يراهن محمد الناصر في فيلمه على أهمية طرح مواضيع البيئة في عالمنا اليوم، نظرا للأهمية القصوى التي تتمتع بها في ظل راهن يحيطنا بالمزيد من المخاطر ويدعو الجميع إلى الاهتمام بأزمات البيئة والسعي لحمايتها، وعن ذلك يقول “إن قمة المناخ كوب 27 التي عقدت في القاهرة أكدت أننا نحن البشر على الكوكب في موقف لا نحسد عليه، إذ هناك استهلاك متنام للموارد له آثار وخيمة على المناخ، وإذا استمر الحال بهذا السوء فنحن لا محالة منقرضون، خلال قرن من الزمن ربما، أو سنتحول إلى مرضى في طريقهم إلى الانقراض”. ويتابع “هذه الحالة شارك في خلقها الجميع، بداية من الوعي الغائب بين الناس، حول المشاكل البيئية الخطيرة التي تحيط بنا، سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أو المؤسسات الدينية، الكل مقصرون في هذه القضية، شعوبا ومؤسسات وحكومات. من هنا تأتي أهمية الرسائل التي توجه إلى الجميع على شكل أعمال فنية أو إعلامية أو أدبية، ونتمنى أن يكون هذا الفيلم مع غيره من التجارب صاحب رسالة خاصة، ونظنها مهمة، تجاه تدوير النفايات البيئية، وتحويلها من مصدر للتلوث إلى أعمال جمالية لها مردود اقتصادي أيضا”. وتقدم تجربة الفنانة حنان بارودي جهدا متميزا في خلق الجمال من كتلة من القبح. فتحويل المخلفات إلى جماليات ليس بالأمر اليسير، لكنه ممكن مع المبدعين. عن هذا التوجه وكيف قدمه الفيلم يقول المخرج “هذا هو الارتكاز الذي بنينا عليه السيناريو، كما قلنا في الفيلم، أن تصنع من القبح مالا فذاك أرقى درجات الإبداع الفني، كما أن فكرة تحويل القبيح إلى جميل هي فكرة لا ترتبط فقط بالمخلفات البيئية، إنما أيضا بالدعوة إلى أن تكون أسلوب حياة”. الفيلم دعوة إلى أن نحول كل ما ينغص علينا حياتنا على الكوكب إلى شيء جميل وذي عائد نفسي ومادي ويضيف المخرج أن الفيلم دعوة إلى “أن نحول كل ما ينغص علينا حياتنا على الكوكب إلى شيء جميل وذي عائد نفسي ومادي، فيدخل في تلك الدائرة إلى جانب المهملات والنفايات كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتحديات الثقافية التي تهدد خصوصية المجتمعات بسبب حالة العولمة المتنامية على الكوكب. إن تجربة الفنانة حنان بارودي تعلمنا كيف نصنع من الأوجه المتعددة للحداثة جمالا، لا ينتهك خصوصية مجتمعاتنا”. ويحكي محمد الناصر لصحيفة “العرب” عن التحديات التي واجهت الفيلم، ومدى إسهام الإيمان بأهمية الفكرة في إنجازه، قائلا “التحدي الأول الذي اعترضنا تمثل في كيفية توفير الوثائق المتاحة لدى الفنانة، والتي هي أساس بناء السيناريو، ثم كان توفير الوثائق عائقا هو الآخر، واستلزم وقتا وجهدا خاصا في التواصل مع الأهل والأصدقاء في لبنان، ورغم ذلك لم نستطع الحصول على كل الوثائق المطلوبة. وتمثل التحدي الثاني في مدى جودة الوثائق وصلاحيتها، فبعضها قديم احتاج إلى أقصى درجات المعالجة من المونتير، سواء منها الوثائق التلفزيونية أو الصور الفوتوغرافية التي وجدنا أن أغلبها التقطت بالطول وليس بالعرض، مما فرض علينا معالجة خاصة أثناء المونتاج”. وأكمل “أما التحدي الثالث فتمثل في محدودية الموارد المالية، لكننا استطعنا أن نسجل الصوت في أكبر وأشهر أستوديوهات التسجيل الصوتي في القاهرة، وهو أستوديو الحكيم الذي سجل فيه عمالقة الفن المصري، لأن صاحبه من كبار الإذاعيين في مصر وهو الراحل وجدي الحكيم، الصديق المقرب لأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وغيرهم. وقام بتسجيل الصوت عمرو صلاح، وهو من الفنيين أصحاب الخبرة المتميزة في تسجيل الصوتيات ضمن أستوديوهات الإذاعة المصرية في ماسبيرو، كما أن مونتاج الفيديو قام به شاب موهوب، ابن أحد كبار المونتيرات في التلفزيون المصري وهو أحمد حسين، وتم المونتاج تحت إشراف أحد كبار المخرجين في التلفزيون المصري هو الأستاذ جمال عبدالظاهر”. وختم بقوله “الموارد المحدودة لم تمنعنا من إنتاج عمل احترافي، بواسطة كفاءات مشهود لها بالخبرة، شاركت في إنتاج الفيلم بحب، ولم تنظر إلى العائد المالي، فهذا فيلم لا يهدف إلى التربح من مناقشة أزمات البيئة، لقد أهديناه في نهايته إلى مناصري البيئة في العالم. وما أسعدني هو ردة الفعل الرائعة من قبل مختصين في السينما، من نقاد ومخرجين وإعلاميين، أو من قبل المشاهدين، عندما تم عرض الفيلم في فيسبوك، لأن هذا يطور تجربتي الوثائقية في مجال السينما، خاصة في مجال البيئة”.

مشاركة :