الإنسان أغلى ما نملك

  • 1/7/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

زهدي جان بيك انهيار السلسلة الاقتصادية هو ما تخشاه الحكومة… انا ضابط متقاعد، دخلي الوحيد يأتي من راتب التقاعد… مثل الحكومة، أصبح دخلها الرئيسي الضرائب… وبغض النظر عن الأسباب التي جعلتني انا والحكومة عالة على الإنتاج، فهذا هو الوضع القائم اليوم… والوضع بحاجة إلى إصلاح. ولحين إصلاح الأمر لكلينا، فإن توقف الحكومة عن جباية الضرائب يعني انها لن تدفع لي راتبي… فما هي نتيجة ذلك؟ ساتوقف انا عن تسديد التزاماتي… قسط البيت، قسط السيارة، قسط الأثاث، ديون مشتريات الطعام والشراب واللباس.. ان توقفت انا عن السداد، ستهتز سلسلة العقارات والاراضي… السمسار، والمقاول، وعمال البناء، ومحلات مواد البناء…الخ. وستهتز سلسلة التزويد الغذائي : اذا لم يدفعولي راتبي، لن اسدد ديون محل الخضار، فلن يقدر على الشراء من السوق المركزي.. الخ. وستهتز سلسلة سوق السيارات… وهكذا لكل الأسواق التي تعتمد على راتبي… وستنهار الحكومة بالنتيجة… هذا ما قلته امس وعلى مائدة الإفطار، عندما حاورني احد ابنائي حول اسعار الوقود ، والضريبة المفروضة عليها في الأردن… وسبب الحوار كان صدور الأمر الملكي بتجميد الضريبة على الكاز. وعلى الجانب الاخر: فإن التنبؤ، واستشراف المستقبل، وإدارة المخاطر… ليست فقط من أهم، بل اني اعتبرها (شخصيا) اهم أدوات الإدارة الحديثة، والحديث يطول في هذه الجزئية. و المخاطر، لها مؤشرات وعلامات، يتم بناءً عليها إعلان حالة الطوارئ (أخضر، اصفر، احمر او اكثر). ولها اي (المخاطر) أدوات وأساليب وقاية، وإطفاء، ومعالجة، وتعافي…. ويعتبر الاستعداد الوقائي لمواجهة المخاطر المحتملة مكلف (الاستعداد بحد ذاته مكلف سواء وقع الخطر أو لم يقع). بعلم الإدارة، قبول تكلفة الاستعداد الوقائي (باختصار) يعتمد على نسبة احتمالية وقوع الخطر، و، شدة تأثير الخطر. (ولحساب هذه التكلفة معادلات رياضية رقمية معقدة مثل معادلة تسعير المشتقات البترولية). أسوأ انواع المخاطر هي تلك التي تهدد حياة البشر ولا يتوقف تأثيرها على الممتلكات فقط… ومن هذا النوع فإن أشد انواع المخاطر هي تلك التي يقترب تأثيرها من 100% خسائر بشرية، ولهذا تكون تكلفة الاستعداد الوقائي لمواجهة هذا النوع من المخاطر عالية جدا. مثلاً: الطائرة هي وسيلة النقل الأكثر أمانا في العالم حيث سجلت 0.6 وفاة لكل 100 مليون ميل تفطعها الطائرات، اي ان نسبة وقوع هذا الخطر (الوفاة نتيجة استخدام الطائرة) ضئيلة جدا جدا. ولا تزيد عن حادث واحد لكل مليون رحلة طائرة. اي إن احتمال الوفاة في حادث تحطم على متن رحلة ركاب عادية ضئيل للغاية ويصل الى 1/8.000.000 … لكن ان وقع الخطر (حادث سقوط طائرة) فإن نسبة التأثير (impact) عالية جدا (فقدان حياة كل الركاب على متن الطائرة )، وبسبب هذه النسبة العالية في التأثير، تكون تكلفة الصيانة الوقائية للطائرات لمنع وقوع الخطر صارمة جدا، وعالية جدا… ولكن شركات الطيران تلتزم بها (طوعا واجبارا) لان حياة البشر هي التي في الميزان… لو كنت مستشار للملك لسألت نفسي الأسئلة التالية قبل أن اقدم استشارتي له: ما هي احتمالية وقوع احتجاجات عند رفع أسعار الكاز والديزل؟ ما هي احتمالية تحول الاحتجاجات الى عنف؟ ما هي احتمالية سقوط ضحايا من الطرفين نتيجة العنف؟ ما هي احتمالية إستغلال بعض القوى الداخلية والخارجية لحالة العنف وتحويلها الى مواجهة مسلحة؟ وفقا لاحصائيات السلاح المنتشر بين السكان، ما هي احتمالية وقوع ضحايا في مواجهات مسلحة؟ بعد حساب احتمالية كل هذه المخاطر وشدة تأثيرها على الأردن ، فما هي تكلفة وقوع هذه المخاطر؟ هناك عدد كبير من إجراءات الوقاية من هذه المخاطر… ولكنني ساعتمد اجراءً واحدا طبقته الحكومة (بأمر ملكي)، وهو تجميد الضريبة على الكاز. فما هي التكلفة التي تكبدتها الحكومة (للعلاج والتعافي) بدلا من الوقاية (لمنع وقوع ما حدث)؟ معادلات: يستهلك الأردن 180 مليون لتر كاز سنويا ، اكثر من نصفها خلال فصل الشتاء…. أي حوالي 100 مليون لتر خلال 4 شهور. تبلغ الضريبة على الكاز 16.5 قرش لكل لتر. مجموع التكلفة الشهرية لهذا القرار 25 مليون لتر مضروبا بقيمة الضريبة فيكون الناتج 4 مليون و 125 الف دينار شهريا. وبمجموع يقترب من 17 مليون دينار طيلة فصل الشتاء (4 شهور). التكلفة التي دفعها الأردن من الوفيات والاصابات كبيرة جدا اذا قارناها بتكلفة الوقاية… فهل فعلا الإنسان أغلى ما نملك؟؟ ام ان الثمن الذي دفعه الأردن لمعالجة الازمة يعتبر مقبولا مقارنة بتكلفة الوقاية من المخاطر التي (التكلفة) كانت كافية لمنع وقوع الازمة لو تم تطبيقها من البداية؟ وجهي العملة أعلاه،(المخاطر ومعالجتها وانهيار الحكومة) تستوجب التريث والتمهل والتمحيص…. وليس السعي الى اللايكات على وسائل التواصل الاجتماعي.

مشاركة :