لقد أيقن العالم أجمع بأن آفة الفساد على اختلاف مظاهرها تُعد المُعوِّق الأكبر لكافة محاولات التقدم في شتَّى المجالات التنموية، وقد استدرك حُكَّام المملكة العربية السعودية -أعزَّهم الله- ذلك مبكرًا؛ فقد أنشأ الملك المُوحِّد الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه- أول صندوق للشكايات كان مفتاحه بيده -رحمه الله-، وكانت تُودع فيه مظالم آحاد النَّاس أو الرسائل التي تُعنى بأمر العامة، ليتسنى له -رحمه الله- مُحاسبة المُقصرين أو المُتجاوزين، وقد استمر هذا النهج حتى وصلنا إلى هذا العهد الزاهر، والذي لم يُستثنَ فيه أحد دخل في قضية فساد من المُحاسبة أو المُلاحقة، كما وعد بذلك الأمير المُلهِم محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -سدَّد الله خطاه- حينها قال عِبارة مازالت عالقة في أذهان الجميع: “لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواءً كان أميرًا أو وزيرًا أو أيًا كان، فكل من تتوفر عليه الأدلة الكافية سيُحاسب”. واليوم لم تعد جُهُود المملكة في تضييق الخِناق على الفساد والمُفسدين مقتصرة على حدودها الجُغرافية، بل تجاوزت ذلك لتشمل الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي والتي يبلغ عددها 57 دولة؛ فقد نتج عن الاجتماع الوزاري الأول لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، والذي استضافته المملكة برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- اعتماد اتفاقية مكة المكرمة للتعاون في مكافحة الفساد، والتي ستُحدث نقلة نوعيَّة -إن شاء الله- في مكافحة الفساد على نطاق الدول الأعضاء في المنظمة، إذ ارتكزت الاتفاقية على أهمية تبادل المعلومات والتحريات ذات الصلة بجرائم الفساد، وأهمية تسهيل الصلاحيات للدول الأعضاء فيما بينهم لتحقيق المصالح المُشتركة، كما تضمنت تشجيع الدول الأعضاء للسماح لسُلطات إنفاذ القانون لديها بمشاركة المعلومات والتحريات مع سُلطات إنفاذ القانون في الدول الأطراف الأخرى دون أي طلب مُسبق، وهذا يعني بدء المرحلة التي عنونت بها مقالي. -; مكة المكرمة (شرَّفها الله)
مشاركة :