الأسعار تحت عوامل متعارضة تأثيرا ومتفاوتة قوة

  • 1/8/2023
  • 23:39
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تشن دول العالم حربا ضد الغلاء وارتفاع الأسعار. نعوذ بالله من الغلاء. وفي المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي هناك كثير من القيل والقال عن الموضوع، وأكثره غير دقيق، فالبشر يميلون إلى تضخيم الأحداث والأمور، فقد خلق الله الإنسان هلوعا إلا من استثناهم سبحانه جعلنا الله منهم. من أدوات الحرب التي تمارسها البنوك المركزية وعلى رأسها "الأمريكي" رفع معدلات الفائدة. لكن الرفع لا يعني في كل الأحوال لزوم انخفاض الأسعار. لماذا؟ هناك أمور لا بد من أخذها في الحسبان والنظر، وأهمها: أولا، الفائدة عامل من عوامل كثيرة مؤثرة في الأسعار. ثانيا، في الغالب آنية الحدوث وقتا. ثالثا، هي متعاكسة في التأثير، فبعضها يرفع الأسعار وبعضها يخفض. رابعا، تقوية عامل مضاد لارتفاع الأسعار لا يعني بالضرورة القضاء على العوامل الرافعة للأسعار. لكنه على الأقل يقلل من قوة تأثيرها. وهذا التقليل قد يخفض الأسعار وقد لا يخفضها، لكنه يحد من استمرار ارتفاعها. خامسا، هناك تأثيرات جانبية من جهة أخرى. للتشبيه، مثل بعض الأساليب العلاجية التي قد تقضي على أمراض وقد لا تقضي، لكنها تخفض من حدتها من جهة، ولها تأثيرات جانبية من جهة أخرى. المحصلة تعتمد على تفاصيل وظروف كثيرة. ولكل توجه اقتصادي آثار متوقعة بالمنظور الاقتصادي. وليست كلها مرغوبة. ورفع الفائدة مثال. والمهارة في جودة البحث والتوقعات ثم الموازنة في الاختيار، أخذا بعين النظر اعتبارات كثيرة من اقتصادية وغير اقتصادية. وتحقيق ذلك صعب، ويتطلب علما وفهما عميقا. ولذا ليس من الغريب أن نعرف أن أمريكا صاحبة أكبر اقتصاد، لم تتخط بعد خطر التضخم. ومن السابق لأوانه القول إن أمريكا انتصرت في معركتها ضد ارتفاع الأسعار. حتى لو انتصرت فالثمن في الأغلب باهظ. علام تتحدد الأسعار؟ تتحدد أسعار أي سلعة أو خدمة بناء على عوامل محركة للتفاعل بين حركتي العرض والطلب في الأسواق. وهذه العوامل المحددة للأسعار متفاوتة في القوة، ومتعارضة في تأثيرها في الأسعار، بعضها يحفز على ارتفاع الأسعار، وبعضها يحفز على العكس. والغلبة للأقوى. لكن من الملاحظ من كثيرين سوء فهم لما سبق. سوء فهم للعلاقة بين الأسعار والمؤثرات عليها من خلال حركة العرض والطلب. مثلا، يفترض البعض خطأ أن القدرة الشرائية هي الفيصل في تحديد مستوى الأسعار. وهناك من يفترض أن ما يسمى قانون أو نظرية العرض والطلب فقط في السوق التنافسية. وتعني تحديد العلاقة بين سعر سلعة أو منتج بعينه وعرضه بيعا أو الطلب عليه شراء. غالبا وليس دوما يحفز ارتفاع الأسعار على زيادة العرض، للحصول على مزيد أرباح، طالما أن ارتفاع الأسعار أكبر من ارتفاع التكاليف. لكن بالمقابل يحفز الارتفاع في الأغلب على طلب أقل والعكس صحيح عندما تنخفض الأسعار. وكل هذا مشروط ببقاء الظروف والأحوال الأخرى على حالها. مثلا، لو ارتفعت أسعار سلعة ما ولم تتغير الدخول ولا الميول، فالطلب في الأغلب ينخفض. لماذا؟ لأن أسعارا أعلى يعني قدرة شرائية أقل للناس، ومن ثم تقل الكميات التي يشترونها أو يحصلون عليها. هذا الكلام ليس مطلقا، بل في وقت بعينه، حيث القدرات الشرائية والميول والظروف في حكم الثابتة. والعلاقة العكسية بين الأسعار والكميات المطلوبة لا تتغير سواء كانت السوق تنافسية أو غير تنافسية. من المهم جدا أن يفهم أن المقصود بالكميات المطلوبة الكميات التي يرغب المشترون فعلا في دفع مقابل لها، وليس مجرد حب الحصول عليها. ذلك أن الإنسان بطبيعته يبحث عن مزيد من السلع والخدمات والثروات. بل إن هذه الطبيعة تجعل العلاقة عكسية، لأنه لا يمكن تلبية كل رغبات الناس، فالموارد وجدت لها حدود والرغبات ليس لها حدود. أما من جهة العرض فالعكس. أي أن العلاقة طردية بين الأسعار والكمية المرغوب في عرضها في وقت بعينه. ذلك أنه كلما كانت الفرصة في تحقيق ربح أو مال أكثر، رغب البائعون في إنتاج أو بيع المزيد، والعكس بالعكس. وهذا الكلام بغض النظر عن مستوى التنافسية في السوق. طبعا، كلما قلت التنافسية زادت الفرصة بتحقيق ربح أعلى. هذا هو الأصل، وإلا فإن الكلام لا ينطبق دوما على كل حالة وعلى كل زمان ومكان. الكلام السابق مرتبط ارتباطا وثيقا بالتكاليف. ضعف القدرة الشرائية لن يجعل الأسعار تنزل إلى مستويات لا تحقق ربحا للبائعين أو المنتجين. جانب التكاليف المنظورة وغير المنظورة يحول دون انخفاض أسعار سلع كثيرة، حتى لو كانت الممارسات التجارية خالية من الغش وغيرها من طرق غير مشروعة. ولولا ذلك، لكانت مستويات المعيشة للناس في مختلف الدول والمجتمعات متشابهة. ارتفاع التكاليف والكلام عن أسباب مشروعة، دون أن يصاحبها ارتفاع في الدخول أو القدرة الشرائية يؤدي إلى انخفاض مستوى معيشة كثيرين، وليس إلى انخفاض الأسعار. وهذا ما حدث ويحدث عبر التاريخ لشعوب كثيرة لأسباب عديدة. وهناك نصوص شرعية تدعم هذا النظر الاقتصادي. يتحدد العرض والطلب بناء على عوامل. وعندما تتغير هذه العوامل مع الوقت يتحرك العرض أو الطلب، ومن ثم تحدث تغيرات في توازن السوق سعرا وكمية من جهتي العرض والطلب. وينبغي ألا يفهم هذا التوازن بالمعنى الحرفي، بل في جنوح السوق إلى سعر لعله يتوافر حوله بائعون ومشترون معا. الكلام السابق من باب التبسيط. ذلك أن مجريات الأحداث للمتغيرات الاقتصادية، بطبيعة الحال، أكثر تفاصيل وتعقيدا من التوضيحات السابقة. لكن تلك التوضيحات هي الأساس. وفهم الأساس متطلب من متطلبات محاولة فهم التفاصيل والتعقيدات. وبالله التوفيق.

مشاركة :