ريادة الأعمال... خطوة بألف ميل

  • 1/9/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«لا تتلقى راتباً على الساعة، ولكنك تتلقى الراتب على القيمة التي تضيفها على هذه الساعة». تلك العبارة ربما تكون الباب العريض على الطريقة التي يجب أن يفكر بها ريادي الأعمال في تقييم الطريقة التي يعمل بها أو التي يمنح على أساسها الأجر. كانت العبارة تدور في رأسي كورشة عمل في طريق رئيسي، معززة بتلك النقاشات والخطط والأفكار والشركات التي تدور في الصالة الرئيسية لمهرجان الشارقة لريادة الأعمال الذي اختتمت أعماله مؤخراً وجمع أفضل العقول من رواد الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من منطقتنا والعالم... حوارات ملهمة تعكس شغف الشباب، وتصميمهم على المضي قدماً في تنفيذ أفكارهم الريادية رغم صعوبة البدايات، ستقودنا حتماً إلى نتائج إيجابية لتمكين شبابنا من العمل في القطاعات المحورية باقتصادات دولنا، خصوصاً قطاعات الاقتصاد الجديد التي باتت مساهماً رئيسياً في الناتج المحلي الإجمالي على المستويين المحلي والعالمي. لفت انتباهي ما قاله مسؤول في بنك الإمارات للتنمية إن الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الناشئة هي المحرك الحيوي للاقتصاد وتُسهم بنسبة 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. ستزداد الأهمية الاقتصادية لريادة الأعمال خلال المرحلة المقبلة مع توجه الشباب نحو بدء مشاريعهم الخاصة وإطلاق شركاتهم الناشئة بدلاً من الاعتماد على الوظائف التقليدية. ووفقاً لتقارير دولية، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواحدة من أعلى معدلات ريادة الأعمال في العالم، حيث شارك 18.4 في المائة من السكان في أنشطة ريادة الأعمال؛ إذ أسهمت السياسات الحكومية المحفزة والصناديق المالية الممكنة والدعم والتوجيه في تسريع وتيرة نمو قطاع ريادة الأعمال في المنطقة، وزيادة تأثيره على الاقتصاد الوطني والناتج المحلي للدول، مع التركيز على ترسيخ هذه الثقافة داخل المدن الرئيسية إلا أننا نحتاج إلى توسيع دائرة هذه الثقافة لتشمل المناطق البعيدة من خلال تأسيس مسرعات وحاضنات أعمال خارج مراكز المدن الرئيسية، تكون قادرة على استيعاب طاقات الشباب وتستثمر في إبداعاتهم. كثيراً ماكنت أواجه ذلك السؤال من شابات وشبان يرون التمويل هو مشكلتهم الأساسية، بل وأحياناً حيلة بعضهم لتبرير التباطؤ في المضي بمشروعه نحو الواقع... نعم كان الحصول على رأس المال وتنمية المشاريع الريادية أحد أكبر العقبات التي تواجه رواد الأعمال، لكن هذه المعضلة بدأت تتلاشى مع دخول أصحاب رأس المال الجريء للاستثمار في المشاريع الريادية والأفكار المبتكرة، إذ أصبحت المملكة العربية السعودية بفضل «رؤية 2030» أحد أهم الأسواق الإقليمية الرائدة في أنشطة رأس المال الجري، حيث تضم المملكة حالياً 30 من شركات رأس المال الجريء. وتم استثمار ما يقرب من 570 مليون ريال سعودي في المنشآت الناشئة بالمملكة خلال 2020 فقط، مما ساعد على سد فجوة التمويل التي تعاني منها الشركات الريادية، لتصبح محركاً رئيسياً في المسيرة التنموية، تسهم في توفير الوظائف، وتعزيز الابتكار، ومضاعفة الصادرات. دولة الإمارات لديها تجربة ناجحة أيضاً في هذا الصدد، حيث بنك الإمارات للتنمية دعماً للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة بأكثر من 700 مليون درهم خلال العاميين الماضيين. كذلك شهدنا خلال السنوات الماضية ظهور قطاعات جديدة لم يكن من الممكن تصورها في السابق، إذ أدى انتشار التكنولوجيا إلى خلق أسواق وفرص جديدة لرواد الأعمال من خلال الاقتصاد الرقمي الذي يشهد نمواً وتحولاً سريعاً مع العديد من الفرص والتحديات، فقد وصلت قيمة هذا الاقتصاد في منطقتنا إلى 100 مليار دولار في 2018، ومن المتوقع أن يسهم بما يصل إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بحلول عام 2025. مدفوعاً بظهور جيل جديد من رواد الأعمال الشغوفين الراغبين في التخلص من قيود الوظائف التقليدية وتنفيذ أفكارهم الإبداعية وفق تصوراتهم. ورغم الإنجازات الاستثنائية التي حققها قطاع ريادة الأعمال خلال الأعوام الماضية، فإن هناك الكثير من التحديات الناشئة التي تظهر مع تطور وازدهار القطاع، أبرزها استقطاب واستبقاء المواهب في الشركات الناشئة، حيث يمثل إيجاد موظفين موهوبين والاحتفاظ بهم تحدياً للعديد من الشركات الناشئة، خاصة إذا كانت تتنافس مع شركات أكبر أو لديها موارد أكبر من حيث تقديم المزايا التنافسية في الرواتب والامتيازات الأخرى مثل توفير التدريب والتطوير المستمر للموظفين، ويعتبر هذا من التحديات الحقيقية التي تواجهها الشركات الناشئة في ظل محدودية الموارد المالية بما يفقدها أهم عناصر المنافسة وهو الاستثمار في رأس المال البشري. قبل عشر سنوات، كان من حولي ينصحون الأشخاص الذين لا يجدون وظيفة، بالتوجه نحو العمل الحر وريادة الأعمال، حتى وإن لم تكن هذه رغبته، وليس هناك شغف يدفعه. أما اليوم فقد تغير الواقع، ولم تعد ريادة الأعمال حلاً للبطالة أو ترفاً، بل لاعباً رئيساً ذا تأثير عميق على اقتصاداتنا، ويتوسع عاماً بمختلف مجالات الحياة، علينا استثماره عبر تعزيز ثقافة الإبداع وريادة الأعمال من خلال الشراكات مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لدمج المناهج الأكاديمية في ريادة الأعمال، لنخرج من الإطار التعليمي التقليدي لتخريج باحثين عن عمل، بل لنخرج رواد أعمال ينطلقون إلى آفاق المستقبل برؤاهم الواعدة التي تتماشى وروح العصر وتسهم في بناء اقتصاد مزدهر ومستدام للجميع. * مؤسسة والمديرة التنفيذية لشركة Games Bossbunny

مشاركة :