لوّحت واشنطن، يوم أمس السبت، بالخيار العسكري لحل الأزمة السورية في حال تعثر الجهود السياسية المبذولة لإطلاق عجلة المفاوضات في جنيف الأسبوع المقبل. إذ قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في تركيا: «نعلم أنه من الأفضل التوصل إلى حل سياسي، إلا أننا مستعدون، إذا لم يكن ذلك ممكنا، للمضي في حل عسكري لهذه العملية والقضاء على (داعش)». بايدن لم يكن واضحا إزاء ما إذا كان يقصد بـ«العمل العسكري» الغارات الجوية ضد تنظيم داعش أو عملية عسكرية أخرى، باعتبار أن تصريحاته هذه تتزامن مع استكمال بلاده تجهيز مطار في محافظة الحسكة بشمال شرقي سوريا لاستخدامه كقاعدة عسكرية لطائراتها المروحية التي تقل عشرات المستشارين والعناصر الذين دخلوا البلاد أخيرا. وقال مصدر عسكري سوري لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) بالأمس إن واشنطن «تجهز قاعدة عسكرية في منطقة تدعى أبو حجر إلى الجنوب من رميلان (ريف محافظة الحسكة الشمالي الشرقي) منذ أكثر من ثلاثة أشهر»، مضيفا أن عشرات الخبراء الأميركيين يشاركون «في تجهيز القاعدة» بمشاركة ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية «وقد باتت شبه جاهزة للعمل». التلويح الأميركي بالخيار العسكري في سوريا استدعى ردا روسيا مباشرا، إذ نقلت وكالة «إنترفاكس» عن مصدر دبلوماسي روسي قوله إن موقف بايدن «يحمل طابعا هداما». وأضاف المصدر: «من الغريب سماع هذا التصريح في الوقت الذي تبحث فيه كل الدول عن تسوية سياسية. ببساطة مثل هذه التهديدات تحمل طابعا هداما». أما مصادر في المعارضة السورية فأرجعت في تعليقات أدلت بها لـ«الشرق الأوسط» الموقف الأميركي المستجد لـ«ضيق دولي من المبالغة الروسية في التدخل في الشؤون السورية». وقالت «نفهم أن هناك دولا تشاطرنا الرأي بأن النظام وحلفاءه يهربون من الحل السياسي، ويتمادون في خرق قرارات مجلس الأمن وآخرها القرار 2254 الذي يترك للسوريين حرية تقرير مصيرهم.. فإذا بالروس يريدون أن يقرروا عنا حتى تشكيلة الوفد المعارض المفاوض». غير أن أسامة أبو زيد، المستشار القانوني لـ«الجيش السوري الحر»، بدا متشائما من تصريحات بايدن الأخيرة، لافتا إلى أن «الخيار العسكري الأميركي وارد، لكنّه في حال تم لن يكون هدفه إزاحة (الرئيس السوري بشار) الأسد عن السلطة، بل يندرج تحت إطار الصراع على النفوذ مع موسكو». وأردف لـ«الشرق الأوسط» موضحا: «لعل ما يؤكد هواجسنا التحركات الأميركية المريبة في مناطق نفوذ الميليشيات الكردية التي تدعمها واشنطن وتمدها بالسلاح، مما يعزز نزعتها الانفصالية في وجه تركيا والثوار». وفي ما بدا وكأنّه «مسايرة» للحليف التركي، أعلن بايدن خلال المؤتمر الصحافي مع داود أوغلو أن واشنطن تدعم تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني، وادعى أن المتمردين الأكراد يشكلون «تهديدا» لتركيا على غرار تنظيم داعش. وتابع أن الأخير «ليس التهديد الوجودي الوحيد لشعب تركيا، باعتبار أن حزب العمال الكردستاني يشكل أيضا تهديدا ونحن ندرك ذلك». وأعرب أكثر من مصدر رسمي تركي، لـ«الشرق الأوسط»، عن ارتياحه لنتائج المباحثات مع بايدن، وبالتحديد في ما يخص الشأن السوري ومكافحة الإرهاب في تركيا. وشدّدت المصادر على وجود «توافق تام في موضوع تصنيف الحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة الأميركية على حد سواء»، مؤكدة «تفهم واشنطن المخاوف التركية من تمدد نشاط الذراع الكردستانية في سوريا». وأضافت: «نحن نراقب عن كثب هذه التحركات ولن نسمح بقيام كيانات انفصالية في تركيا، وهذا ما يؤيدنا فيه الطرف الأميركي أيضا». تجدر الإشارة إلى أن المعارك استؤنفت بقوة بين القوات التركية والقوات الكردية في جنوب شرقي البلاد بعد وقف لإطلاق النار استمر أكثر من سنتين، مما أطاح بمفاوضات السلام التي كانت قائمة بين الطرفين منذ نهاية عام 2012 لإنهاء نزاع أوقع أكثر من 40 ألف قتيل منذ عام 1984. وتابع بايدن: «نعتقد أن غالبية كبيرة من الأكراد تريد العيش بسلام، ومن الواضح أن حزب العمال الكردستاني لم يكشف عن أي رغبة في هذا الإطار». ثم أضاف أن حزب العمال الكردستاني «ليس سوى مجموعة إرهابية، وما يواصل القيام به هو فضيحة بكل ما للكلمة من معنى». ومن ناحية ثانية، أشاد بايدن بـ«الإجراءات المهمة» التي اتخذتها تركيا لتعزيز الحرب ضد تنظيم داعش خصوصا على حدودها مع سوريا. وقال: «تباحثنا في سبل تعزيز الدعم المقدم إلى القوات العربية السنّية (المعارضة السورية المصنفة معتدلة من الأميركيين) لإقفال المنافذ التي يسيطر عليها تنظيم داعش على الحدود التركية» مع سوريا. ومن جهته، أكّد داود أوغلو أن تركيا «ترى في الإرهاب جريمة بحق الإنسانية، بغض النظر عن الانتماءات العرقية والثقافية للمنظمات الإرهابية، والدول المُستهدفة من قِبلها»، مشددا على أن أنقرة لا تجد «فرقا بين منظمات إرهابية مثل «بي كيه كيه» و«داعش» والنصرة». وأضاف: «في هذا الإطار، لدينا حساسية بالغة في ما يخص مكافحة كل هذه المنظمات بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية». واستطرد داود أوغلو: «أنا متأكد أنه لا توجد حكومة صديقة تقبل بقيام مجموعات مسلحة بحفر الخنادق وإقامة الحواجز وزرع الألغام، داخل مدنها وقراها، وضمن حدود بلادها»، وتابع: «هناك ثلاثة عناصر في سوريا تشكل تهديدا على بلادنا، الأول هو النظام السوري الذي تسبب في أزمة اللجوء من خلال مظالمه الوحشية، والثاني تنظيم داعش الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وأما الثالث فهو حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي قام في المناطق التي سيطر عليها بتطهير عرقي ضد العرب والتركمان». وشدّد رئيس الوزراء التركي على أن أنقرة «لا تريد وجود (داعش) ومنظمة (بي كيه كيه) ولا حتى مرتزقة النظام السوري قرب حدودنا».
مشاركة :