في خضم حالة الانقسام المجتمعي الواسع الذي تشهده البرازيل بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان متوقعاً أن يكون التحدي الأكبر أمام الرئيس لولا دا سيلفا في ولايته الثالثة، التي بدأت مطلع العام الجاري، هو تحدي توحيد الجبهة الداخلية، في ظل نشاط أنصار الرئيس السابق غايير بولسونارو، الذين يهددون بجبهة مشتعلة متخمة بالتوترات. «أحداث الأحد الأسود» الأخيرة، جاءت لتعبر سريعاً وبشكل غير مسبوق، فاق التوقعات عن هذه الانقسامات، بعد اقتحام مقرات الرئاسة والكونغرس والمحكمة العليا، وما صاحب ذلك من أعمال شغب واسعة، سلطت الضوء على حجم الأزمة الداخلية في هذا البلد اللاتيني. لكن على الجانب الآخر، يعتقد مراقبون بأن أحداث الأحد المثيرة، وبينما عكست خطورة الوضع في البرازيل، فإنها من ناحية أخرى، ربما تمنح الرئيس لولا دا سيلفا «هدية ثمينة»، تُسهل مهمته في توحيد شعب البرازيل، وكذلك ربما تساعد على توطيد علاقاته الخارجية. يفسر ذلك في تصريحات لـ «البيان»، الكاتب الصحافي المقيم في البرازيل، علي فرحات، بقوله: «الرئيس دا سيلفا، كان يحتاج إلى التفاف سياسي وقضائي واسع، يعزز موقعه، وهذا ما شهدته البلاد بعد أحداث الأحد.. كل حكام الولايات ومختلف المؤسسات الدستورية في البلاد متضامنون، بما في ذلك القضاء، الذي اتجه أيضاً إلى تحقيق سريع، وتوعد بحساب قاسٍ». إرادة شعبية ويشير كذلك إلى إعلان دا سيلفا حالة الطوارئ، ما يعني إشراك المؤسسة العسكرية في المسألة الأمنية الداخلية، وبالتالي، إزالة الغموض عن موقف هذه المؤسسة (في ظل الانقسامات التي تشهدها البرازيل). ومن ثمّ أصبح دا سيلفا الآن يمثل الإرادة الجامعة للبرازيليين، في مقابل تحركات لم تلقَ تأييداً شعبياً، وهو ما كشفت عنه نتائج استطلاع محلي أخيراً، ذكر أن 10 % فقط من البرازيليين يؤيدون مثل تلك الأحداث التي تستهدف المؤسسات الدستورية. ويوضح فرحات أن «الأحداث الأخيرة، تؤكد أن المشكلة البرازيلية لم تعد بين يمين ويسار، أو بين موالاة ومعارضة، بل بين الحكومة التي تحتضن معظم الأطراف السياسية، وتيار بولسونارو الرافض للاعتراف بنتائج الانتخابات الديمقراطية، ويسعى إلى عمليات تخريبية، وصفها الإعلام البرازيلي بأنها محاولات اقتحام إرهابية، وهو مصطلح يستخدم لأول مرة في هذا السياق». وعلى وقع الأحداث، شهدت البرازيل مجموعة من التبعات، من بينها إعلان حالة الطوارئ، وعزل حاكم مقاطعة برازيليا. وتوجيه اتهامات لمسؤولين ورجال أعمال على صلة بالأحداث. كما يجرى العمل على احتواء هذا الحادث، وإنهاء حالات الاعتصام التي يشهدها البلد منذ نهاية أكتوبر الماضي. ويثار لغط في البرازيل بشأن تواطؤ من مسؤولين على مستوى الصف الأول بالحكومة المحلية، مقربين من الرئيس السابق، الذي تُوجه إليه اتهامات بالتسبب في هذا المشهد، وانتهاك النظام الديمقراطي. دعم داخلي وتقول الباحثة المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، الدكتورة أمل مختار، في تصريحات لـ «البيان»، من القاهرة، إن القضية الأساسية في البرازيل، ليست قضية يسار ويمين، إنما هي مواجهة بين مسار الديمقراطية والمسار المعارض. وتشير إلى أن «الهدية التي حصل عليها الرئيس لولا دا سيلفا، هي أنه أصبح ممثلاً لمسار الديمقراطية، في مواجهة المسار المعارض.. وكان ذلك واضحاً، من خلال ردود الفعل الداخلية من قبل المؤسسات الرسمية بشكل خاص، وحتى ردود الفعل الخارجية المتضامنة مع البرازيل، بما في ذلك الموقف الأمريكي والروسي، وغيرها من المواقف المماثلة». لكنها تلفت في الوقت نفسه، إلى أن «حالة الاستقطاب ستظل قائمة في البرازيل»، ذلك بالإشارة إلى الفارق الضئيل الذي منح دا سيلفا الفوز بالانتخابات الأخيرة، على حساب منافسه بولسونارو، موضحة في الوقت نفسه، أن الأحداث الأخيرة، ربما تزيد الدعم الداخلي للرئيس دا سيلفا. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :