أستاذة الأدب العربي، الناقدة والتشكيلي، خيرة مباركي لها العديد من الإصدارات الفردية والجماعية في الشعر والنقد، تحدثنا معها عن اللغة العربية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وعن إيقاع الشعر الحديث وواقعه في هذا الحوار: بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، كيف ترين حضور اللغة والأدب العربي في الساحة العربيّة وماذا تحتاج لتمكينها والحفاظ عليها لا سيما مع غزو لغة التواصل الاجتماعي؟ اللغة العربية عريقة حافلة بالماضي. وهي أيضا "لغة المستقبل، يموت غيرها وتبقى حيّة خالدة " كما قال جان بيرك. لكنها تواجه تحديات كبيرة في واقعنا المعاصر، فرغم ثرائها المعجمي، فإن الفكر الثقافي واللغوي للمجتمع في تطور متواصل في ظل العولمة. وهو ما يجعلها غير قادرة على مواكبة ذلك، مع شيوع اللهجات المحليّة من ناحية والغزو التكنولوجي من ناحية ثانية. تحتاج اللغة كثير من العمل للمحافظة عليها؛ فلا بد من ضبط قواعدها وصيانة قوانينها لتبقى وتستمر. إضافة إلى ضرورة تذليل صعوبات الرقمنة العدو الاخطر للغة العربية؛ والاهتمام بتوسيع دائرة الاصطلاح، فهي تواجه أزمة مصطلحات وخاصّة في البحث العلمي. فاللغة العربيّة هي لغة الاشتقاق والاتساع الدلالي. كيف جمعت بين الأدب والفن التشكيلي وأيهما أقرب إليك؟ الفن التشكيلي غرامي الأول. والأدب مهنتي وتعلّمي، فأنا أستاذة في الأدب العربي. والشعر ينبثق أحيانا من حيث لا أعرف. فيندفع متدفقا في لحظة عصيان عتيدة. وكلاهما مكمّل للآخر في نفسي، نظرا إلى أن كل عمل فني هو خلق وإبداع. ومن ثمّ انبعاث لأشياء بأعماقنا، نطلقها نزفا وننفثها معاناة. ففي لحظة ينتصر اللون وفي لحظة أخرى يغلب الحرف. ومهما اختلفت الوسيلة فهي بعض منّا. كيف ترين إيقاع الشعر العصري؟ وهل خرج عن المألوف من حيث الشكل والمضمون؟ هذا يجعلنا نبحث عن إشكاليّة الإيقاع في القصيدة الحديثة، وخاصة إيقاع قصيدة النثر، لأنها خرجت عن مألوف الإيقاع كما في العمودي والتفعيلة. صورة جديدة للشعريّة المحدثة خالفت أوزان الخليل وجاءت مغايرة لقواعد العمود، تستعيض عن الإيقاع الخارجي، بإيقاعات رديفة لا تنفصل عن الشكل، لتؤسس إيقاعا داخليّا متأتٍّ من ظواهر صوتية يتصل بعضها بمقومات البلاغة في أصولها الأولى، وبعضها يتجاوزُها إلى إيقاعِ معنوي ودلالي يتشكل من ظواهر صوتيّة ومعجميّة وتركيبيّة. وأبرزت ذلك في كتابي "الإيقاع في قصيدة النثر" وهو في البحث العلمي الأكاديمي. كيف ترين واقع الكتابة والأدب في المملكة؟ وماذا لفتك فيه؟ أكثر ما يلفت الانتباه في الأدب السعودي هو هذا التطور السريع الناتج عن اهتمام حقيقي بالإبداع، والرغبة في بناء جيل جديد يسعي نحو بعث نهضة حديثة، لتثبيت مشهد أدبي يكتسح الساحة الثقافيّة والأدبيّة العربيّة. وما أراه فعلا بحكم معاينتي للنشاط الفكري والأدبي في المملكة عبر الشبكة العنكبوتيّة أسماء كبيرة في الرواية والشعر والقصة بكل أشكالها، تفرض إبداعها على الساحة الأدبيّة العربيّة بكل ثبات وثقة، يثيران الإعجاب. هناك من يقول إن الأدب صار مستهلكا، ما رأيك بهذا وكيف يمكن تفاديه؟ قد يكون الرأي صحيحا في الشعر، فجانب من ثقافة العربي مشدود إلى سلطة القديم، وهو ما يأسر الذاكرة العربية في بوتقة لا يمكن الخروج منها. فتراه مستهلكا يحافظ على نفس القيم الشعريّة القديمة. ولسنا هنا ضد الرجوع إلى التراث، ولكن علينا أن نفهم معنى "التراث"، هل نعني به الإبداع أم المبدِع أم مرحلة شعريّة معينة؟ كل مرحلة لا بد من أن تقوم على أسس مختلفة، يعني متطورة. لهذا لا بد أن نفهم التراث الشعري القديم كما ندرس الحديث حتى نستطيع أن نكون لأنفسنا قاعدة مستقلّة تمثل العصر الذي نعيشه. كيف ترين واقع النقد الأدبي، وما عناصره المشتركة مع النقد التشكيلي؟ يمكن أن أنظر إلى المشهد النقدي على أنه باهت، يعيش فوضى، لأسباب متعدّدة، وسأركّز على الممارسة لأهميّتها. فما نلحظه من عدم توازن بين المنجز الإبداعي من شعر ورواية وقصّة قصيرة، وبين ضآلة العمل النقدي، يعود أساسا إلى قلّة النقاد المتمرّسين أمام كثرة المبدعين من شعراء وروائيين، وما يطفو على السّاحة ليس سوى قراءات قريبة من الانطباعيّة؛ لا يرقى أغلبها إلى مستوى النقد الجاد ولا يخرج عن حدود الانفعال المتزامن ولحظة التقبّل. الناقد قارئ متميز، ومتذوق مختلف له معرفة وقدرة على التحليل والـتأويل. لا يحتاج إلى ترصيف الكلام كي يقنع. رغم حرص النقاد الأكاديميين على علميّة التناول إلا أنّ النقد سقط في متاهات عديدة منها ما يضيّق مجال الدرس النقدي حول أعمال أخذت فرصا كثيرة على حساب غيرها. ومنها يرتبط بأبعاد ماديّة نفعيّة حولت البعض إلى مرتزقة. وأغلبها يعود إلى محدوديّة النشر وقلّة المجلاّت التي تختص بالأدب، وهو ما يعيق وصول هذه الدراسات إلى القارئ. النقد التشكيلي لا ينأى عن النقد الأدبي. فلا نقد دون معرفة بلحظة التشكيل والخلق. الناقد الحقيقي في هذا أو ذاك ليس فقط من يمتلك الأدوات ويوظفها، إنما هو القادر على تمثّل اللحظة الإبداعيّة وتبرير اختيارات المبدع بالغوص في أفكار تظهرها الأدوات.
مشاركة :