اعتبر علماء ذات مرة أن كثيرا من الجينوم البشري "غير مرغوب فيه" لأن الامتدادات الكبيرة لشفرته الجينية لا تؤدي إلى ظهور أي بروتينات، تلك الجزيئات المعقدة المكلفة الحفاظ على الخلايا. ومع ذلك، تم اكتشاف أن ما يسمى "الحمض النووي غير المرغوب فيه" يلعب أدوارا مهمة في الخلايا. وفي دراسة جديدة، أفاد الباحثون أن البشر قد يكون لديهم بالفعل "حمض نووي غير هام" لا بد لنا من أن نشكره على أدمغتنا الكبيرة بشكل استثنائي. ويشير البحث، الذي نُشر في مجلة Nature Ecology & Evolution، إلى أن الجينات التي مكنت أدمغة البشر من إنماء فصوص كبيرة وشبكات معلومات معقدة ربما تكون نشأت في الأصل من الحمض النووي غير المرغوب فيه. وبعبارة أخرى، في مرحلة ما، التقطت القدرة على ترميز البروتينات، وربما كانت تلك البروتينات الجديدة حاسمة في تطور الدماغ البشري. وتشير النتائج إلى أن مثل هذه الجينات "قد يكون لها دور في نمو الدماغ وربما كانت محركا للإدراك أثناء تطور البشر"، كما قال إريك بورنبرغ باور، عالم الفيزياء الحيوية التطورية بجامعة مونستر في ألمانيا، الذي لم يشارك في البحث. وعادة، تولد جينات جديدة لترميز البروتين عندما تتكاثر الخلايا وتنتج نسخا من الحمض النووي الخاص بها. وعندما تقوم الخلايا بتكوين جزيئات DNA جديدة، يمكن أن تظهر الطفرات في الشفرة الجينية، ويمكن للجينات المعدلة بعد ذلك أن تنتج بروتينات مختلفة قليلا عن سابقاتها. وتخضع الجينات المولودة من الـDNA غير المرغوب فيه، والمعروفة باسم جينات de novo، لتحول أكثر دراماتيكية، حيث تكتسب فجأة القدرة على صنع البروتينات. ولتصنيع البروتينات، "تقرأ" الخلايا جينات ترميز البروتين وتدون مخططاتها الجينية في جزيء يسمى RNA، ينتقل بعد ذلك إلى موقع بناء البروتين في الخلية الذي يسمى الريبوسوم. ومن هناك، يستخدم الريبوسوم مخطط الحمض النووي الريبي لبناء البروتين المطلوب. واكتشف معدو الدراسة أن الحمض النووي غير المرغوب فيه، من المثير للاهتمام أنه يمكن أيضا استخدامه لصنع نكهات مختلفة من الحمض النووي الريبي، لكن القليل جدا من جزيئات الحمض النووي الريبي هذه يمكنها الخروج من النواة، الفقاعة الواقية التي تمكن الخلايا من أن تحتوي على الحمض النووي الخاص بها. وأفادت مجلة Science أن أبحاثهم الجديدة تشير إلى أنه من أجل التحول إلى الحمض النووي المشفر للبروتين، يجب أن يبدأ الحمض النووي غير المرغوب فيه أولا في جعل الحمض النووي الريبي قادرا على الهروب من النواة والوصول إلى الريبوسوم. ومن خلال مقارنة جينومات البشر والشمبانزي (Pan troglodytes) وقرود المكاك الريسوس (Macaca mulatta)، أحد أقرباء الرئيسيات البعيدة بالنسبة لنا، حدد الباحثون 74 مثالا على تحويل الحمض النووي غير المرغوب فيه إلى DNA مشفر للبروتين، وفقا لما أفاد به Ars Technica. وأكدوا أن الخطوة الرئيسية في هذا التحول كانت التقاط الحمض النووي غير المرغوب فيه للطفرات التي سمحت للحمض النووي الريبي الخاص به بالخروج من النواة. ويشترك البشر والشمبانزي في 29 من هذه الجينات de novo، ما يعني أن الجينات ظهرت بعد انفصال البشر والشمبانزي عن السلف التطوري الذي تشاركوه مع قرود المكاك ريسوس. وظهرت الجينات الـ 45 المتبقية بعد انفصال البشر والشمبانزي بعضها عن بعض منذ حوالي 6 ملايين سنة، مما يعني أن الجينات فريدة من نوعها بالنسبة للإنسان. وعلاوة على ذلك، وجد الفريق أن تسعة من هذه الجينات الفريدة تبدو نشطة في دماغ الإنسان، لذلك قاموا بفحص وظائف الجينات في العديد من التجارب. وتضمنت بعض الاختبارات نماذج ثلاثية الأبعاد صغيرة للدماغ نمت في أطباق المختبر. وتسبب اثنان من الجينات في نمو هذه الأدمغة الصغيرة بشكل أكبر مما كانت عليه بدون هذه الجينات. وذكرت مجلة Science أن هذين الجيني أديا في الفئران المعدلة وراثيا على التوالي إلى نمو دماغ أعلى من المتوسط وإلى تكوين نتوءات وأخاديد تشبه ما لدى الإنسان في أدمغة القوارض. وقال الخبراء إن من المهم ملاحظة أن الأدمغة الصغيرة لا تلتقط كل تعقيدات أدمغة الإنسان بالحجم الكامل وأن دراسات القوارض تضمنت عددا قليلا نسبيا من الفئران. لكن في النهاية، يشير العمل إلى أن الحمض النووي غير المرغوب فيه ربما زودنا ببعض المكونات الرئيسية لما جعلنا بشرا. المصدر: لايف ساينس تابعوا RT على
مشاركة :