المكتبات واجهة حضارية: تجربتي وشهادة شخصية 1 من 4 - د.فوزية أبو خالد

  • 1/11/2023
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

1 - خبرة بكر مع المكتبات: الطائف: طفلة تغطس في نهر يقع بين مكتبة المؤيد والمكتبة الخضراء لم تكن المكتبات «التجارية» في طفولتي مجرد قرطاسية للإلكترونيات وبعض من لوازم المدرسة.. كانت المكتبات بساتين كتب حتى وإن كانت في حجم حجرات صغيرة. أول مكتبة دخلتها في حياتي كانت «مكتبة المؤيد» بمدينة الطائف فقد اصطحبني خالي هاشم يرحمه الله إلى تلك المكتبة ولم يتوقع أنني «سأنشب» فيه كل أسبوع ليذهب بي إلى هناك مرة أخرى وأخرى إلى آخر يوم في الصيف قبل مغادرتنا للرياض. دخلتُ تلك المكتبة وأنا لا أتجاوز السابعة من عمري وأخال أنني من اليوم الأول لدخولي جنة تلك المغارة قد مررتُ بما مرت به «أليس في بلاد العجايب». فقد وجدتُ نبعا وطفقت أشرب من كتب المكتبة الخضراء البجعات المتوحشات، فتنبتُ لي أجنحة وأغادر مكتبة المؤيد بل مدينة الطائف بأسرها وأسري مع لا أعرف أسماءها من أسراب البط والبجع والطيور إلى سموات لم أسمع بعددها من قبل، ذو الأنف العجيب، عقلة الأصبع، عروس البحر، القدم الذهبية (هانز كرستيان اندرسن) وأجد نفسي أتحول من حال لحال حتى لا أعود أشبه نفسي في المرآة ولا يشبهونني الأطفال الذين أعرف في حارة الشرقية حيث بيتنا الصيفي، سندريلا وأتعرف لأول مرة على مفهوم الفقير والأمير وكيف تصير اليقطينة عربة والفئران حاشية و.. مرة من المرات التي كنتُ منغمسة فيها متقرفصة على الدرج بمكتبة المؤيد أغترف من كتب سيرة الأنبياء الكنز الجديد الذي وجدته تحت يدي، أطلت من أعلى الدرج شموسا وصارت توميء وتهمس بلا كلمات فشهقتُ وقد خلتهن أقمارا خرجت من قصص المكتبة الخضراء التي كنتُ قد قرأتها جميعا الأسابيع السابقة فإذا بالسندرلات لسن إلا بنات المؤيد/ صاحب المكتبة، حيث كانت درج المكتبة التي أجلس عليها تؤدي إلى بيتهم ولم أدري بذلك لولا تلك الهالات التي انهالت في غفلة من الوقت ومني على صفحة الكتب. وما زلتُ أذكر اسم شمس المؤيد منهن بعد تعارفنا السريع فارتبطت المكتبة في ذهني بمفاجآت حية بجانب دهشة القراءة اليومية. من الكتب التي لفتت نظري في تلك المكتبة كتاب عليه صورة سيدة جميلة وقد كتب تحت الصورة مي زيادة وفوقها عنوان «ظلمات وأشعة» فخلته هدية جميلة لأمي لما بين ملامحها وملامح الصورة من مشتركات الجمال. تجربتي الثانية والثالثة لم تخرج بعد عن حيز القرطاسيات التي لعبت في جيلي دور المكتبات. فقد اكتشفتُ (بعد ذلك في عمر مبكر أيضا ولم أبلغ الحادية عشرة بعد ربما فلم أكن قد تحجبتُ).. أوقات اعتمارنا بمكة المكرمة وفي زياراتنا للمدينة المنورة وفي مرورنا بسوق الندى بجدة كنوز من الكتب مخبئة في مغارات سرية لتلك القرطسيات وبعضها لم يكن قرطاسيات بالمعنى المتعارف عليه بل كان دكاكينا صغيرة تتطوق الأزقة مقابل الحرم المكي في المدعى أو قريبا من المناخة بالحرم المدني أو في شارع قابل بجدة، حيث يجد الملهوف الكتب البديعة أشكالا وألوانا في ممراتها الضيقة أو معروضة على بسطات أمام فتحات تلك الدكاكين. ومازلتُ أشم رائحة الفرح التي كنتُ أجدها في طيات ورق ما لذ وطاب من تلك الكتب فلا أشعر بالرائحة التي تتركها الرطوبة داخل تلك الكتب إلا كلذعة شراب «السوبيا» الذي كنا نشتريها من محل السيد أحمد الحسيني بمكة أو كخبز طاشت خميرته.. فأنهشه بنهم وجوع واستمتاع لا أجده في مذاق «الشريك» و»المراصيع»/ بانكيك الأمس/ العزيز على نفسي حينها. ويبدو أنني قد انتخبت في كتابات أخرى عينة من تلك الكتب التي كانت التفاحة المحرمة الحلال من شجرة المعرفة ومنها على ما أذكر كتاب الإسراء والمعراج، كليلة ودمنة، كتب عن فلاسفة عرب ابن سينا الفارابي ومدينته الفاضلة، ابن رشد، طوق الحمامة لابن حزم، الحرب والسلام، وداعا أيها السلاح، الشيخ والبحر وعدد كبير آخر من الأدب الروائي والسردي المترجم من شكسبير حلم ليلة صيف وتاجر البندقية إلى تشارلز ديكنز وفيكتور هيجو ولويز الكوت/ نساء صغيرات، مذكرات تزم سوير لمارك توين، كتب للروائي الإيطالي لبرتو مورافيا وبعض كتب التاريخ الروائية لجرجي زيدان، أو الأدبية الروائية ليحيا حقي ونجيب محفوظ وعبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي/ الولد الشقي/ وإحسان عبدالقدوس/ بين الأطلال وطه حسين/ قاهر الظلام/ عبقريات العقاد وسارته/ أوراق ورد الرافعي، ولطفي السيد/ تحت شجرة الزيزفون، ولطيفة الزيات وعائشة عبدالرحمن وأمينة السعيد، ونزار قباني/ قالت لي السمراء، وأنيس منصور بل وعدد من مجلدات مهترئة من ألف ليلة وليلة، وهكذا تكلم زردشت. كان مزيجا عجيبا بعضه متنافر وبعضه متناغم من تلك الكتب التي قرأتها باكرا وبعضها لم أفقهه قطعا إلا بعد إعادة قراءته مرات في مراحل لاحقة ما قبل مرحلة الجامعة وكان لدي الوقت والجشع المعرفي بلا حدود. المقال يتبع

مشاركة :