1 - العقل والنفس والعلم مكونات مستقلة وإن استفادت من بعضها وتكاملت مع بعضها البعض.. فالعقل بمدركاته والنفس بأحاسيسها والعلم بمعارفه كلها تصب داخل الإنسان لتكوّن مَلَكَاته، إلا أن كلاً منها مستقل تماماً عن الآخر.. فالعلم مثلاً يضيف إلى العقل ويساعده في توسيع رؤيته لكنه لا يُنْقص منه إذا فقده.. بمعنى أن كثيراً من العقول الكبيرة سياسياً أو قيادياً أو اجتماعياً ليست متعلمة بل أمية، ومع هذا لم يفقد ذلك العقل مكانته التي اكتسبها في محيطه.. أيضاً النفس يمكن أن تؤثر على العقل كأن يكون العقل ميالاً للثقة أو للشك، أو أن يكون قصير الصبر أو طويل البال، أو أن يكون حساساً مما يجري في محيطه أو مرتاحاً ليس لديه حساسية تجاه ما يحدث، أو يفسر الأمور والأحداث تفسيرات أقرب للواقع وليس تفسيرات متخيلة غير مريحة.. كذلك الأمر مع النفس، فالعلم لا يجعل من النفس أهدأ أو أقل حساسية أو أطول بالاً مثلاً.. أيضاً العلم لا يُنْتَقص منه أن يكون صاحبه ذا عقل محدود أو نفس مضطربة. 2 - هناك علماء لا يزيدون على أن يكونوا حَمَلة علم، وهناك علماء آخرون يستنبطون ويستخرجون ويحللون ويقرأون ويفسرون ويظهرون بنتائج.. فما هو الفارق بين هؤلاء وأولئك؟ إنه العقل الذي يربط الأحداث والأفكار والأشياء فيُكَوِّن صورة جديدة تؤدي إلى قراءة جديدة.. ثم هناك علماء مُغْرقون في حساسيتهم، وهم أقرب إلى المرضى النفسيين منهم إلى أن يكونوا أسوياء رغم غزارة علمهم.. فهذا العلم لم يعالج نفسياتهم فأصبحوا في حالة عزلة وارتياب فيُقْصُون أنفسهم، وربما ينتحر بعضهم من كآبة ما يعتلج في نفسه من أمراض وشكوك فجّرت عقله المحدود رغم علمه الوافر. 3 - ربط العقل وقدراته بالعلم خاطئ مثل ربط العلم بالنفس أو ربط النفس بالعقل.. فالنفس وحدها تأتيها حالات فتستفيد من العقل أو العلم، ثم تأتيها حالات أخرى تعيش وحدها وتتصرف وفق أحاسيسها وشعورها الداخلي.. من هنا تحدث تلك الإشكالات الكبيرة بالذات في البحوث والدراسات الفكرية.. فتجد البحث الجاد العميق الذي بُذل فيه جهد عظيم، ومع هذا تأسف أن ذلك الجهد وتلك المعرفة بُذلت في الاتجاه الخاطئ.. فهو في دراسته فقد البوصلة فلم يعد يبحث عن الحقيقة بل يبحث عما يثبت أن الآخر مخطئ أو متآمر وأنه يجب استئصال بحثه واستتابته.. إلخ.. هنا نرى بوضوح أن نفسية الباحث قد تغلبت على عقله وعلمه (أو ربما مصلحته هي التي دفعته لذلك وهذا أمر آخر).. نفسية العالم لا شك تؤثر في علمه وعقله بشكل أكبر من تأثير علمه أو عقله عليه.. النفس حالة تجعل الشخص يعيش في حالة مستقلة بذاتها. 4 - العقل يكبر أو يصغر، والنفس تتعافى أو تمرض، والعلم ينقص أو يزيد، وكلٌ منها يؤثر في الآخر في حدود، وكل منها كيان مستقل بذاته ومهامه وارتباطاته، فالعقل مصلحي والنفس عاطفية والعلم معارف.. فالأخلاق مثلاً لا علاقة لها بالعقل بل هي مرتبطة بالنفس.. وإذا تدخل العقل فيها فهو لمصلحة يرجوها.. أما العلم فلا صلة له بالأخلاق إطلاقاً.
مشاركة :