الإعلام المقروء والمرئي والمسموع له إستراتيجياته وسياساته الإعلامية المتجددة والمستجيبة للأحداث والحوادث بمهنية ومهارة تتفاوت فيها الدول بحسب تجربتها وخبراتها وإمكاناتها، فالإعلام السعودي له تجربة والتجربة الإعلامية السعودية تضمنت مسيرة ثرية بقالبها الإعلامي المهني والفني والإجرائي وبجهودها المحلية والإقليمية والدولية عبر سنوات عمرها المخضرم الذي يمكن له أن يصف انطلاقة التجربة الإعلامية في المملكة العربية السعودية بمنظومة الصحافة، حيث صدرت صحيفة أم القرى عام 1924م، وصحيفة البلاد عام1932م، وصحيفة المدينة عام 1937م، وصحيفة الحياة من عام 1946 - 1988م، وصحيفة الندوة عام 1958م، وصحيفة الجزيرة عام 1960م، وصحيفة عكاظ عام 1960م، وصحيفة الرياض عام1963م، وصحيفة اليوم عام 1965م، وصحيفة الشرق الأوسط عام 1978م، وصحيفة الرياضية عام 1987م، وصحيفة الاقتصادية عام 1992م، وصحيفة الوطن عام 2000م، وصحيفة الشرق عام 2011م، وصحيفة مكة عام 2014م. وفي عام 2006م صدرت صحيفة الوئام كأول صحيفة الإلكترونية ثم تلاها العديد من الصحف الإلكترونية. لعبت الإذاعة دورًا محوريًا في منظومة الإعلام الخارجي السعودي، حيث انطلق البث الإذاعي في عام 1949م من خلال إذاعة مكة المكرمة في جدة لتتم التغطية الإعلامية لموسم الحج في العام نفسه بتغطية فريدة ورائدة وبمهنية عالية لا توح ببدايتها بل برسوخها. وفي عام 1965م تم إنشاء محطة الرياض، وفي عام 1966م أُنشئت محطة الدمام. وفي عام 1972م دُمج مسمى المحطتين تحت مسمى إذاعة المملكة العربية السعودية من الرياض، وفي عام 1979م تم توحيد مسمى المحطات في إذاعة المملكة العربية السعودية من الرياض عبر برنامج بث مشترك حتى عام 1983م الذي جرى فيه فصل محطة إذاعة جدة عن إذاعة الرياض ليبث البرنامج العام من محطة الرياض والبرنامج الثاني من جدة. وليتم البث كذلك عبر موجات الـ»FM» وشبكة «الإنترنت». وفي 13 فبراير من عام 2022م تُوج الحقل الإذاعي السعودي بحلة جديدة أطلقتها قناة الإخبارية الفضائية معلنة ولادة إذاعة الإخبارية بمفهوم إخباري حديث ومتنوع ومواكب لتغطية أبرز الأحداث المحلية والإقليمية والدولية. انطلق البث التلفزيوني السعودي كأول بث تلفزيوني على مستوى الشرق الأوسط من المملكة العربية السعودية في 17 يونيو عام 1955م بقناة تُسمى عين الصحراء تبث برامج باللغة الإنجليزية للعاملين الأجانب في القوات الجوية بقاعدة الظهران بالمنطقة الشرقية. وفي عام 1957م تم تأسيس تلفزيون أرامكو، وأمتد البث ليغطي الظهران والهفوف وأجزاء من منطقة الخليج العربي. وفي 7 يوليو من عام 1965م انطلق البث التلفزيوني بالقناة السعودية الأولى، وفي عام 1983م تبعتها القناة السعودية الثانية ولكنها توقفت في عام 2017م، ثم انطلقت قناة الرياضية السعودية في عام 2002م. وفي يناير 2004م بدأ بث قناة الإخبارية الفضائية السعودية. وفي 2009م كان بدء بث قناة أجيال إلى أن دُمجت في 2018م مع قناة SBC. وفي 2009م أيضًا انطلق بث قناة الاقتصادية إلى أن تم دمجها في 2017م مع قناة الإخبارية. انطلقت في 2009م قناة القرآن الكريم وقناة السنة النبوية ليكون لهما الانتشار الأوسع على مستوى الوطن العربي والإسلامي والدولي. كما بدأت أيضًا في 2011م قناة الثقافية للتوقف في 2018م والتي كان لها أن تبقى وتستمر لأنها تحاكي التقدم العلمي والمعرفي وثقافة الفكر والبحث العلمي. وعلى المستوى الحكومي كان أخر القنوات التلفزيونية إنشاء قناة SBC. إضافة إلى قنوات تلفزيونية خاصة منها قناة الصحراء، وقناة الساحة، وقناة الفرسان، وقناة الأماكن، وقناة فوكس سيرز، وقنوات 24 سعودي. وهذه قنوات متعددة الأهداف التراثية والثقافية والمهارات الرياضية. تجربة القناة السعودية الأولى، وقناة الإخبارية السعودية هي الأبرز، فتسعى القناة السعودية الأولى بجهود حثيثة إلى ترسيخ السبق الإعلامي لهذه القناة التي كان لها السبق في البث الإعلامي المرئي على صعيد الإعلام العربي وفي أذهان المشاهدين داخل وخارج الوطن لترسم للمشاهد ملامح الصورة الأكثر موثوقية في الأزمات والأحداث الجسيمة. انطلقت قناة الإخبارية السعودية عام 2004م في خضم ثورة الأحداث الساخنة في المنطقة الخليجية والعربية بعد الغزو الأمريكي للعراق لتشارك بفاعلية وسبق إعلامي متميز بقيادة إعلامية شابة جسد وجودها على الساحة الإعلامية العربية كذراع إعلامي فعال تعامل مع التحديات الداخلية والخارجية بوعي إعلامي متوهج وبمهنية إعلامية عالية. وإذا كان هذا هو النموذج الحكومي فسأنتقل إلى نموذج أخر للإعلام السعودي الخارجي وهو النموذج الفردي والقطاع الخاص في إطار سياسة إعلامية ريادية انطلقت مع بداية القنوات الفضائية عام 1990م في ذروة الأحداث الجسيمة التي مر بها العالم عامة والوطن العربي والخليجي خاصة أبان الغزو العراقي للكويت، وحرب تحرير الكويت التي ظهر فيها أهمية العناية بالأمن القومي للدول بشكل وأضح وجلي. بدأ الإعلام الفضائي مع بدايات ميلاد التجربة الإعلامية الأولى للقنوات القضائية حيث كانت ولادة رائدة الإعلام الفضائي الخاص مركز تلفزيون الشرق الأوسط «MBC» في سبتمبر من عام 1991م كأول قناة فضائية عربية خاصة مركز إستديوهاتها في لندن وفي عام 2002م انتقل بثها إلى دبي لتبدأ بحلة جديدة أشمل وأوسع انتشارًا ليس في الوطن العربي فحسب ولكن في كامل منطقة الشرق الأوسط بنحو 18 قناة ومحطتين إذاعيتين ومنصة «شاهد»، وقد تنوعت برامجها وموادها الإعلامية ومجالاتها الإنتاجية التي تلامس العالمية عبر مسيرتها التي تجاوزت 30 عامًا لتسطر صفحة جديدة بانطلاق قناة «العربية» الإخبارية أحد قنوات مجموعتها في مارس عام 2003م عند بداية الاحتلال الأمريكي للعراق بإطلالة قوية ولا زالت كذلك لتقدم مفهومًا إعلاميًا جديدًا بمنهجية متوازنة لا تهدف إلى مشاكسة أو موالاة الأنظمة للتكسّب، بل لتشييد ذراع إعلامي غير حكومي أصبح الأبرز والأهم في مسيرة الحفاظ على ورعاية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل فكريًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا بسكينة واعتدال وتوازن لتحييد إعلام أخر متطرف يهدف إلى الهدم لا البناء. وفي يناير 2012م عززت مسيرتها بإطلاق قناة العربية «الحدث» عند بداية ثورات الربيع العربي في عام 2011م استجابة لتلبية رغبة الجماهير العربية اللاهثة وراء الخبر بعد الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية المتسارعة. السباق مستمر فضمن هذه المسيرة انطلقت شبكة راديو وتلفزيون العرب «A R T» في أكتوبر من عام 1993م كأول شبكة تلفزيون مشفرة، حيث بدأت بالبث من روما ثم انتقلت إلى الوطن العربي بين القاهرة، وبيروت، وعمان، وجدة. ولهذه المجموعة السبق والريادة باعتبارها أول شبكة تلفزيونية متخصصة في العالم العربي تستهدف المتلقي في الخارج باستهدافها للمشاهد على المستوى العربي والإقليمي. لم يركد الرمي بل استمر لتُطل في عام 1994م شبكة «أوربت» الإعلامية المملوكة للشركة السعودية «موارد القابضة»، حيث تُعد تجربتها تجربة رائدة باعتبارها أول قناة رقمية بالكامل ومتعددة القنوات وعملت بنجاح كامل حتى اندمجت مع شبكة «شوتايم» في 2009م تحت مسمى «شبكة أوربت شوتايم» وهي ضمن منظومة الإعلام الخارجي المؤثر. إضافة مجموعة «روتانا» للإعلام التي بدأت نشاطها منذ عام 1987م كإحدى أكثر الشركات الإعلامية قوة في المنطقة بمكانتها الراسخة خارج وداخل الوطن العربي. تنوعت التجربة السعودية وتحركت على عدد من المحاور المؤثرة، والتي لعبت فيها الصحافة دورًا فاعلًا وبارزًا ومؤثرًا بشقيها الورقي والالكتروني، ومن الصحف الورقية صحيفة الشرق الأوسط الشهيرة التابعة للمجموعة العربية للأبحاث والتسويق، وقد صدر العدد الأول منها في يوليو عام 1978م، والتي لها دور فعال في خدمة المنطقة الشرق أوسطية بما فيها العالم العربي والإسلامي، وصحيفة الحياة، والمسلمون. ومن أبرز الصحف الالكترونية سبق، وعاجل، والوئام والكثير جدًا غيرها. يُشكل الإعلام الرقمي الفصل الأهم في معطيات الإعلام باعتباره شكل من أشكال وسائل الإعلام المبهرة التي استثمرت الثورة التقنية للانتقال والتداول، ونقل البيانات عبر الأجهزة الإلكترونيّة على شكل إشارات ثنائيّة مثل الكيبلات الرقميّة، والأقمار الصناعيّة، وأجهزة الكمبيوتر، والأجهزة المحمولة. وأيضًا يُستخدام الإعلام الرقمي في البرامج، والوسائط المتعدّدة كالصوت والصورة، ومواقع الويب، ومقاطع الفيديو، وإعلانات الإنترنت. ومن أكبر شركات الإعلام الرقمي قوقل، ونتفلكس، وآبل، وتويتر، وأمازون. إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل فيسبوك، وتويتر، وانستقرام، ولينكدإن، وفيسبوك ماسنجر، وتيك توك، تليغرام باينتريست، ووي تشات، وسينا ويبو. ومن المؤكد أن الإعلام الرقمي يتنامى بشكل مذهل مكنه من اكتساح الإعلام التقليدي وجعله يتلاشى تدرجيًا وذلك بالاستحواذ على شرائح واسعة من الجمهور خاصة فئة الشباب ليتجاوز نقل الأحداث إلى صناعاتها، وتشكيل سرديات متنافسة تعكس تصورات وسيناريوهات الأحداث برؤية لها بعدها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري والنفسي والفكري بتحول جذري في المشهد الإعلامي يُعزِّز قدرة الناس على الاستخدام الفعال للإعلام الرقمي. لتتكامل الأدوار بين النظام الأمني والنظام الدفاعي والنظام الإعلامي من أجل العناية بالأمن القومي، وإيجاد أوضاع جديدة ومتطورة لتوزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص، وبين المؤسسات العامة والمؤسسات الأهلية، ومؤسسات المجتمع المدني وبروز العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية كمتغير لاحق وفاعل في تلك الأزمات والأحداث التي صاحبتها التغطيات والتحليلات الإعلامية الموسعة في نطاق المشاركة الإعلامية الفضائية الفاعلة وتمكين الإعلام من القيام بدورًا محوريًا في بث الوعي، وفي عمليات الرقابة والتوجيه والتقييم والتقويم في ظل هيمنة وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية على الفضاء الإعلامي في تلك الحقبة الزمنية المليئة بالأزمات المتسارعة والمفاجآت المُحيرة التي كانت سوق حرة لتسابق القنوات الفضائية ظهورًا وممارسة إخبارية بتقديم الأخبار والتحليلات الإخبارية بطرق ووسائل أكثر إثارة وجذبًا للمتلقي والجمهور الذي أصبح يُسابق محطات التلفزة في البحث عن ما هو جديد ومُثير. أصبحت الدول أكثر قناعة من قبل بتغير مستويات ومصادر التهديدات والمخاطر وأن رماحها وسهامها أضحت موجهة بصواريخ عابرة للقارات لا تحملها القاذفات ولا الطائرات ولكن تحملها موجات الإعلام ومشاهده في مهددات تارة اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية، وتارة أخرى ثقافية وفكرية وأخلاقية واجتماعية وحتى سلوكية، وزادت القناعات بأن التهديدات كما أنها من الداخل أيضًا هي من الخارج لكونها شُوهدت واقعيًا باختفاء دولة عضو في الأمم المتحدة وضمها لدولة أخرى باستخدام عنصر القوة وبمفهوم السيطرة والحرب. لذا زاد يقين الدول بأهمية ودور الإعلام باعتباره ركيزة أساسية ضمن مقومات الأمن القومي للدول، وأن النظام الأمني والنظام الدفاعي لا يكتمل إلا بمنظومة إعلامية فعالة بشقيها إعلام داخلي يتبنى المخاطر والتهديدات الداخلية وإعلام خارجي يتصدى للمخاطر والتهديدات الخارجية. وهذه القيمة المضافة التي تفردت بها القيادة السعودية وأدركتها بدقة لتنشئ في فبراير عام 2020م المدينة الإعلامية السعودية «شماس» في حي السفارات بالرياض، وتقدم نموذجًا إعلاميًا متميزًا تفوق بكثير على نظيره في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بقراءة واعية للمشهد الإعلامي وبلورة منظومة إعلامية شاملة ومتكاملة تتضمن إعلام داخلي وإعلام خارجي يعمل بتناغم وتفاعل على كافة الأصعدة والمستويات مما جعلها حالة لها خصائص فريدة تستحق الدراسة والتأمل ذلك لأنها وضعت الأعلام السعودي على منصة الريادة والجودة والتميز في زمن ألا مستحيل في ظل التقنية والإعلام ناهيك عن الإعلام الرقمي الجديد الذي نافس به الشباب السعودي وتحدى من خلاله صانعيه ومنتجيه بتوجه قيادة وإرادة شعب لديه مهارات عالية في التواصل والتكاتف والتعاضد والتعاون والوفاء والولاء والانتماء قد لا تحظ بها شعوب أخرى. ولكن القراءة السعودية لمفهوم الأمن القومي ليست أُحادية محلية ولكنها كما هي وستظل شمولية بالنظر لمستويات الأمن القومي العربي والإسلامي والإقليمي. وبالتالي تجدر الإشارة إلى أن الإعلام الخارجي هو الأكثر أهمية لتوفير الحماية ومواجهة المخاطر والتصدي للتهديدات الخارجية كأهم مقوم للأمن القومي في الوقت الحاضر فالتجربة السعودية في مجال الإعلام الخارجي هي الأكثر نضجًا وانتشارًا وواسع قاعدة جماهيرية بين مثيلاتها في الوطن العربي والشرق الأوسط. ولعل من الأهمية بمكان أن يشهد محيط العاصمة السعودية الرياض تطويرمدينة إعلامية ضخمة ومتكاملة ومجهزة بكامل التجهيزات والاستوديوهات والتقنيات والمرافق الإعلامية التي تستوعب كافة أطياف الإعلام بكل فنونه وأشكاله لتجعل من الإعلام صناعة واستثمارًا يُحقق هدف مزدوج يلبي احتياجات سوق الإعلام العربي والإقليمي وفي الوقت نفسه متطلبات الأمن القومي العربي. في تصور بأن تطوير مدينة سعودية للإعلام في مكان بارز في محيط العاصمة الرياض سيكون أهم وأبرز النتائج والتوصيات التي سيتمخض عنها المنتدى الدولي للإعلام الذي ستستضيفه الرياض في 20 نوفمبر القادم تحت مظلة وزارة الإعلام. ** - خبير الفكر الإستراتيجي -رئيس منتدى المعرفة العربية
مشاركة :