القاهرة - سامية سيد - يأخذنا الواجب الصحفي بنقل الخبر في كثير من الأحيان بعيدا عن التعاطي مع الخبر الصحفي ذاته، خاصة إذا كان الخبر له علاقة بالفقد.." الموت" مثله مثل ضحايا الحروب والمجاعات والتي يتعامل معها الإعلام وتنقلها نشرات الأخبار على أنها ربما أرقاما مجردة..فهناك لاقى عشرات الأشخاص مصرهم في الحادث الفلاني، وهنا راح ضحية الاعصار الفلاني مئات الأشخاص، أرقاما وأرقاما، رغم أن الرقم الواحد منهم قد يساوى حياة كاملة لدى ذويهم. لا يدوم ذلك الأمر كثيرا فبعدما تأخذ دورة نقل الأخبار مجراها، يتخذ الحس الصحفي خطوة للوراء ويبدأ الوعي والحس الإنساني في الإدراك بأن الفقيد ليس رقما مجردا في خبر بل بكل تأكيد حياة كاملة لدى ذويه ومحبيه، ربما ينتصر الحس الصحفي على صدمة الخبر فتجدونا ننقل المعلومة ثم نبكى وكأننا أشخاصا أخرى غير التي كانت تتفحص وتتقصي الحقائق وتتبع المعلومات للوصول لخبر صحيح أو ربما نبكي ونحن نعمل إيمانا بالمسئولية واليقين بعدم وجود رفاهية الانهيار إلا بعد اتمام المهمة كاملة. اتذكر حديث الزعيم عادل إمام مع منى الشرقاوي عندما تحدث عن وفاة والدته، وأنه اتم مراسم الدفن بالكامل وودعها إلى أن جاء وقت رفاهية الانهيار وهو يقود سيارته بعدها ربما بشهر كامل، ليقوم بركن السيارة ويبكي بكاءً رغم كثرته إلا أنه لا يشفي أبدا وجع الفقد في صدره مكتشفا أنه لن يجد من يحبه مثلما أحبته أمه. نفس الشيء بطريقة أو بأخرى مر علي، ذلك المساء الذي ودعت فيه أبى وتلك اللحظة التي تخيلتها كثيرا وحاولت الاستعداد لها وكلي يقين أنني غير مستعد، جاءت ولا أعرف من أين جاء لي هذا الإحساس بالمسئولية وأنه لا مجال للانهيار فما هو قادم مهمة صعبة تضاهي صدمة الرحيل وهي مهمة إخبار أمي بوفاة أبي والتي تهرب منها الجميع وحملتها أنا، لأرسم علي وجهي ابتسامة وأطمئن أمي على حالة أبي حتى أضمن اطعماها وتناولها الأدوية التي تحميها من جلطة جديدة قد تصيبها لمجرد علمها بصعود الروح ووفاة رفيق الدرب، لا اعرف كيف أكلت يومها معها ولا كيف اعطيتها أدويتها فقط كنت مثل الرجل الألى أتحرك في خطوات ثابتة حتى أتممت المهمة وأخبرتها. الحياة بعد وفاة الأب لا تشبه أبدا الحياة قبله، والروح أيضا تبقى مثقله ومنهكة، لا استطيع أن أنسى أنني كنت ولا زلت أخشي مرور ابني بما مررت به بعد وفاة والدي، أشفق عليه كثيرا عندما اتخيل لحظة رحيلي وكيف سيكون وجعه من بعدي خاصة وأنه تربطني به علاقة أشعر أنها مختلفة عن علاقة أي أب بابنه لذا أطلب منه السماح من الآن وألا يلومني على ما ليس لي به علم أو تدخل. ربما لم اتعامل أبدا مع وديع نجل جورج وسوف من قبل ولكن كل ما سبق، جعلني أشعر بالنار التي تنهش في قلب جورج وسوف أبو وديع، والذي كان يصف ولده بدمعة عينه. في مشاهد من العزاء كانت القنوات تنقل كلمات المعزين وترددت كثيرا جملة أن كأس أبو وديع مر، الجملة ربما جديدة علي مسامعنا كمصريين لكنها أشعرتني بمرارة ما يمر به جورج وسوف، ذلك المطرب والإنسان الذي يحمل بين ضلوعه قلب طفل وروح ملاك تلك الروح التي يلمسها المقربين من جورج والمتعاملين معه بشكل يومي، اتذكر لقائي به في طابا بمصر وكيف كان رقيق وراقي في مشاعره وكأنك تجلس أمام طفل وديع تتراقص طموحاته وأماله أمامه فتلمع عينيه شغفا باقتناصها، وبالرغم حالته الصحية إلا أنه دائما يشعرك بأن قدميه ليست على الأرض وأنه دوما محلق فى السماء لا تعيقه أزمات صحية، يغني ويدندن ويأخذه الشجن والحنين لأغاني بداياته دون أن يخطر على باله ولو للحظة أن هناك وقت، سيتزامن فيه سماع كلمات أغنية يوم الوداع مع تراقص نعش نجله بين المشيعين..رحم الله أبي وأعان الله ابني على مهمته المقبلة، ومن قلبي سلام لروح وديع ووالده أبو وديع داعيا الله أن يلهمه الصبر وأن يرحم وديع ويتقبله في جناته.
مشاركة :