«زبالة بلا حدود» حملة دائمة لتنظيف الشاطئ اللبناني

  • 1/25/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

استفاق الشاب ميهير خاتشريان بعد انقضاء العاصفة التي ضربت لبنان مطلع العام على مشهد مريع سيطر على الشاطئ قرب مكان إقامته، فالبحر لفظ كمية هائلة من النفايات ناشراً إياها على الرمال. يبلغ خاتشريان من العمر 33 عاماً، وهو يقيم في كسروان قرب مصب نهر الكلب مع صديق له، وقد اعتادا ممارسة رياضة الجري على الشاطئ صباحاً. راع المنظر الشابين الصديقين وبادرا إلى الاتصال بعدد من الجمعيات التي قد تهتم لهذا الأمر، لكن في ظل أزمة النفايات المتفاقمة التي يشهدها لبنان منذ أشهر تبين أن هذه الجمعيات لا تملك وقتاً إضافياً للاهتمام بما شهده خاتشريان وصديقه. قرر الصديقان عندئذ المبادرة لفعل شيء ما، على رغم معرفتهما المسبقة بأن كم النفايات الكبير في حاجة إلى عدد أكبر بكثير من المتطوعين لإحداث فرق ملحوظ. لكن على رغم ذلك نزلا إلى الشاطئ مستعينين بأكياس النايلون والكفوف المخصصة للجلي لتنظيف ما يمكن تنظيفه طوال أربع ساعات انطلاقاً من مبدأ أن المقيمين في المنطقة هم أول المعنيين بتنظيف شاطئهم، في ظل تقصير أجهزة الدولة ومؤسساتها. وكان كل من الشابين عاد لتوه من الغربة، واحد من كندا والآخر من فرنسا، ليستقرا في لبنان. وبعد أن قاما بمبادرتهما الصغيرة الأولى، قررا توسيع الاتصالات لتركيز الجهود وتنظيف المكان، واستطاعا التواصل مع زياد الذي يعمل في تدوير النفايات وقام بدوره بإعلام المهتمين ممن يعرفهم بحال الشاطئ. ومن زياد إلى جوسلين كعدة الشابة اللبنانية التي تؤسس منصة افتراضية تسمى RecycleLebanon بهدف مساعدة كل من يعمل في الشأن البيئي والربط بين الأشخاص المهتمين، توسعت دائرة المعنيين بتنظيف الشاطئ. بدأ العمل بعدد من الشباب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقاموا سوية بجمع النفايات وفرزها إلى ثلاث فئات: البلاستيك والمعادن والدواليب، واضعين كل فئة على حدة، حيث يتسلم زياد البلاستيك والمعادن معبأة في أكياس كبيرة لنقلها إلى معمل مختص في تدويرها وإعادة الاستفادة منها، بينما تبقى الدواليب من دون حل بيئي عملي حتى اللحظة. انضم متطوعون من Women Uprising إلى الحملة العفوية، واستغربوا حجم النفايات فكثفوا اتصالاتهم لتأمين عدد أكبر من المتطوعين ليبلغ عدد الشباب المشاركين 15 شاباً. وتبين بمراجعة سكان المنطقة القدامى أن البحر يلفظ كل عام كمية من النفايات على الشاطئ خلال العواصف، لكن كمية النفايات هذه السنة هائلة، وقد تعود الأسباب برأي المختصين إلى أزمة النفايات التي تشهدها البلاد منذ أشهر، والتي راكمت النفايات في الطرقات وبعض المناطق بما فيها مجرى ووادي نهر الكلب. وبعد أن حملت الأمطار والمياه النفايات إلى البحر عاد هذا إلى نشرها على الشاطئ، «فصحيح أن الناس لم يلقوا النفايات على الشاطئ مباشرة، إلا أن المسؤولية بالمحصلة تقع عليهم وحدهم ولا يمكن توجيه اللوم إلى أمواج البحر... فالنفايات لم تأت من قبرص مثلاً» على ما يقول أحد المشاركين في الحملة. بعد 4 أيام من العمل على تنظيف الشاطئ تم جمع 250 كيساً سعة 60 ليتراً من البلاستيك و15 كيساً من المعادن و105 إطارات مطاطية، بالإضافة إلى أنواع أخرى لا حلول بيئية للتعامل معها حتى الآن، منها على سبيل المثال أكثر من 100 فردة حذاء أثارت استغراب المتطوعين الذين يتحدثون عن أن النفايات المنتشرة على الشاطئ تضم كل أنواع النفايات تقريباً! والمدهش هو كمها الهائل لا نوعها وكما يقول خاتشريان «الحكي مش متل الشوفة». وخطط خاتشريان ورفاقه لإطلاق حملة تنظيف جديدة بمشاركة عدد أكبر من المتطوعين يوم السبت 23 كانون الثاني (يناير) تحت اسم «زبالة بلا حدود»، وقد تواصل مع وسائل الإعلام لدعم الحملة والمشاركة فيها كما تم الاتصال بالكشافة والجمعيات المهتمة، وهو يؤكد أن العمل مجاني وغير ربحي ويهدف فقط إلى تنظيف الأماكن الملوثة بالنفايات. أما تمويل شراء الأدوات البسيطة المستخدمة في الحملة كالأكياس والكفوف فيأتي من قبل الأشخاص المشاركين أنفسهم، بالإضافة إلى أكياس صناعية قادرة على استيعاب طن واحد من النفايات قدمتها شركة تدوير النفايات لنقل الأكياس التي جمعها المتطوعون. ويعتقد خاتشريان أن شطآناً أخرى تعاني من المشكلة عينها بخاصة بعد العواصف الأخيرة، وبعد البحث تبين أن شاطئ منطقة نهر إبراهيم وشاطئ منطقة شكا ومناطق أخرى تعاني من المشكلة عينها. ويعول خاتشريان على نجاح الحملة في شاطئ نهر الكلب لتعميمها وتوسيعها لتطال أماكن أخرى شبيهة، ويقول أن هناك الكثير من الجمعيات الناشطة في لبنان على الصعيد البيئي، وهي بذلت جهوداً كبيرة خلال الفترة الماضية. فمنها من يهتم بالتوعية وضرورة فرز النفايات، ومنها من يدرس حلولاً عملية وبيئية للنفايات، وأخرى تشكل مجموعات ضغط على الوزارات المعنية، وهناك معامل تقوم بالتدوير، لكن ليس هناك دوماً من يهتم بالجزء الأول من العمل وهو تنظيف الأماكن العامة وجمع النفايات، إلا من خلال حملات موسمية. وبالإضافة إلى حملات التنظيف يشدد خاتشريان على أهمية التوعية ليقوم المواطنون بفرز النفايات من المصدر، ويقترح أن تقوم المدارس بتنظيم زيارات للتلامذة إلى مناطق مشابهة، وهم وإن لم يشاركوا في جمع النفايات عملياً، لكنهم سيتأثرون من المنظر المريع والمخجل للشاطئ مما سيحملهم على التصرف الصحيح مستقبلاً، وذلك بعد أن يتأكدوا أن النفايات لا تختفي، وكل ما نرميه في الطبيعة، تعيده الطبيعة إلينا.

مشاركة :