التنافس الصيني الأميركي يعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأهم جيوسياسيا في لعبة القطبية والتنافس الاستراتيجي، أميركا حركت فكرة الانسحاب من المنطقة ثم تراجعت بسرعة وعاد الرئيس بادين مسرعا إلى المنطقة ليطمئن حلفاءه بأن أميركا لن تنسحب، وهذه الفكرة مهمة للصين التي تفكر جدياً في كيفية الاستجابة التي تعدها رداً على واشنطن التي تحمل تصوراتها الخاصة حول كيفية الحد من النفوذ الصيني، ويبدو أن على أميركا أن تكون مستعدة لتغيير فلسفتها نحو المنطقة مما يعني ضرورة تقديم السياسة الأميركية لنفسها بصورة مختلفة وأكثر إقناعاً لمنطقة الشرق الأوسط. ليس من المتوقع أن تطور أميركا ولا الصين ملف شراكة استراتيجية فيما يخص المنطقة فهذا الأمر مستبعد حاليا لأنه من الصعب على البلدين تغيير جوهر السلوك السياسي لكل منهما في المنطقة، وخاصة أن هناك الكثير من المتضادات الاستراتيجية التي تعكس استحالة هذا التوجه، وهذا ما نجده في العلاقة الإيرانية مع كل من بكين وواشنطن والعلاقة الخليجية أيضا، ولكن تبقى الفرضيات التاريخية لكل منهما، فأميركا سوف تستمر في التركيز على الأمن والتعاون العسكري وسوف تلوح دائما بورقتها الإضافية المتمثلة بتحالفاتها الاستراتيجية مع المنطقة في إشارة مباشرة إلى العمر السياسي الذي قضته أميركا في المنطقة، على الجانب الآخر ستلتزم الصين بأجندتها التي تركز على التجارة والاستثمار. ليس هناك في الأفق أي بدائل استراتيجية قادرة على حسم الأمر لصالح أي طرف سواء على المستوى القريب أو البعيد، كلاهما يفكر بأن حجم المكتسبات التي لديه في المنطقة لن يدفعه إلى المغامرة بتحركات أكثر، حاليا كلا الدولتين في وضع مناسب استراتيجيا، لن تغامر أميركا في فتح أي ملفات أو حتى مناقشات، أميركا لن ترغب في مناقشة قضية النظام العالمي مع أي طرف في العالم ولن تلجأ إلى هذه الخطوة قبل اتضاح الرؤية في الحرب الأوكرانية الروسية. أميركا لن تتوقف عن ممارسة ضغوطاتها على المنطقة من أجل مواجهة الصين، والصين تحقق مكاسب اقتصادية، وبذلك هي توسع المسافة بين استجابة دول المنطقة للضغط الأميركي والوجود الاقتصادي الصيني، فالصين لا تقدم العروض والتحالفات العسكرية فهي تدرك بعمق أنها لا تستطيع أن تكون حليفا أمنيا للمنطقة، لأن هذا المسار عالي التكاليف، كما أن الأيديولوجية الصينية لا تتجاوز حاليا أن تكون مشروعا تنمويا أمامه طريق طويل حتى يتحول إلى مشروع إمبراطورية عالمية. نظريا أميركا تواجه تحديات كبيرة فيما يخص تنامي معرفة دول المنطقة للميزات السياسية للصين التي اختارت فكرة وحيدة ومهمة لدول المنطقة، وهذه الفكرة تتمثل بتأكيدات بكين أنها بعيدة كل البعد عن التدخلات في الشؤون الداخلية للدول وهذا في الواقع محور مهم وعامل أساسي للرد الدائم على النظرية الأميركية المبتور منها الحالة الخاصة لكل مجتمع ولكل دولة. أميركا لديها مشكلة كبرى في قضية نشر الديمقراطية وهي ترتكب الأخطاء في المنطقة إذا ما اعتقدت أن استبدال السياسة أو أدواتها لتحقيق نفس الهدف قضية يمكن أن تكون ذات فائدة بينما الحقيقة أن السياسة الأميركية في المنطقة عليها أن تتنافس والصينية وفق مفهوم جديد يقدم أميركا للمنطقة بتعريفات تأخذ بالحسبان تطور دول المنطقة وتحول مكانتها الدولية إلى مراكز متقدمة اقتصاديا وسياسيا وتنمويا. الحقيقة السياسية الأكبر أن أميركا لا تمتلك وفقا لنظامها الديمقراطي المرونة التي يمكن أن تمارسها الصين في تعاملاتها، النظام الأميركي شديد التعقيد فيما يخص السياسات الخارجية، حيث يتطلب ذلك مسارات قانونية معقدة بينما تمتلك الصين مهارة ولياقة سياسية سريعة التحرك وهذه ميزة تسجلها الصين لصالحها وخاصة أمام دول المنطقة التي تصل فيها المرونة السياسية والاقتصادية إلى درجة السيلان كونها دول باحثة عن الفرص التنموية وجربت الوقوف في الصفوف الخلفية لسنوات طويلة وهي اليوم تتطلع إلى الفرص الدولية بغض النظر عن اتجاهها غربا أو شرقا، وهذا ما يؤهلها لمحاكاة أي نظام عالمي يتميز بالسرعة والمرونة. ليست أميركا وحدها ولا الصين التي عليها الإيمان بأن دول المنطقة بشتى مكوناتها السياسية والاقتصادية لن تقبل التقليل من استقلاليتها عبر إصدار الأحكام وفقا للتحالفات التاريخية أو الفرص الاقتصادية المتاحة، من المهم أن يؤمن العالم أن دول المنطقة تشعر بدورها العالمي بشكل متصاعد مع دخول القرن الحادي والعشرين وهذه هي المعادلة التي تسعى دول الشرق الأوسط إلى تسويقها للعالم، ومع ذلك فإن منطقة الشرق الأوسط قد تعملت من التاريخ أنه لا يوجد ضمانات دون ثمن والمنطقة تدرك حجم التوترات التي يولدها التنافس الأميركي الصيني وانعكاس ذلك بشكل مباشر على صورة الشرق الأوسط.
مشاركة :