آثار الصدمات الاقتصادية في ميزانيات الحكومات والشركات والأسر حيث كان للأوضاع الاقتصادية المتقلبة أثر ملموس أيضا في ديناميكية الدين من خلال الميزانيات العامة. فقد شهد 2020 ارتفاعا كبيرا في كل من الدين والعجز بسبب الركود الاقتصادي والدعم الكبير الذي قدم للأفراد ومؤسسات الأعمال. وفي 2021، تراجع عجز المالية العامة لكنه ظل أعلى من مستوياته السابقة على الجائحة. وهناك بضعة أمثلة على مستوى الدول توضح هذه الآثار. ففي البرازيل وكندا والهند والولايات المتحدة، أدى الانتعاش الاقتصادي وارتفاع التضخم إلى هبوط مستوى الدين بأكثر من عشر نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي، لكن الدين الفعلي انخفض بأقل من تلك النسبة نظرا إلى احتياجات التمويل لدى الحكومة والقطاع الخاص. وفي حالات أخرى ـ مثل الصين وألمانيا ـ ارتفع الدين العام لأن العجز الكبير تجاوز الارتفاع في إجمالي الناتج المحلي الاسمي. وبشكل أعم، ساعد الانتعاش على خفض نسب الدين العام بما يراوح بين 2 و3،5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي "مع وقوع الأثر الأكبر على الاقتصادات المتقدمة"، بينما أدى التضخم إلى خفضه بما يراوح بين 1،5 وثلاث نقاط مئوية "وكان الأثر أكثر بروزا في الأسواق الصاعدة". وعلى العكس من ذلك، أدى عجز المالية العامة إلى زيادة الدين العام بنحو 4،5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي مع اختلاف الدول إلى حد كبير في هذا الخصوص. والسؤال المطروح كيف ينبغي للحكومات أن تستجيب مع تزايد صعوبة التعامل مع مستويات الدين المرتفعة إذا استمر تدهور آفاق الاقتصاد وزاد ارتفاع تكاليف الاقتراض؟. ولا تزال مستويات التضخم المرتفعة تساعد على تخفيض نسب الدين في 2022، خاصة في الدول التي بدأت عجوزاتها تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة. غير أن تخفيف وطأة ديناميكية الدين بسبب "مفاجآت التضخم" ـ أي مستويات الأسعار التي خالفت التوقعات ـ وانتعاش النمو المؤقت لا يمكن أن يستمرا بصورة دائمة وإذا ظل التضخم متشبثا بالارتفاع، فسيزداد الإنفاق "على الأجور مثلا" وسيطالب المستثمرون بعلاوة أكبر على التضخم مقابل إقراض الحكومات والقطاع الخاص. ويدعو تراجع آفاق النمو وتشديد السياسة النقدية إلى توخي الحرص في التعامل مع الدين وإدارة سياسة المالية العامة. وتوضح التطورات الأخيرة في أسواق السندات زيادة حساسية المستثمرين لتدهور أساسيات الاقتصاد الكلي ومحدودية هوامش الأمان على مستوى المالية العامة. وينبغي للحكومات أن تعتمد استراتيجيات مالية تساعد على خفض الضغوط التضخمية الآن والحد من مواطن الضعف المتعلقة بالديون على المدى المتوسط، بما في ذلك عن طريق احتواء نمو النفقات ـ مع حماية المجالات ذات الأولوية التي تتضمن دعم الفئات الأشد تضررا من أزمة تكلفة المعيشة. ومن شأن ذلك أيضا أن يسهل عمل البنوك المركزية ويسمح بزيادات أقل في أسعار الفائدة مقارنة بما يمكن أن يكون عليه الحال دون هذه الاستراتيجيات. ففي فترات الاضطراب والهزات، تصبح الثقة بالاستقرار طويل المدى ثروة ثمينة.
مشاركة :