جميعنا نعرف أن مفهوم البنية التحتية لا ينحصر فقط في بناء الشوارع والمباني، وإنما عندما نتحدث عن البنية التحتية، فإننا نريد ما هو أبعد من ذلك بمراحل، فإننا نقصد الهياكل التنظيمية اللازمة لتشغيلالمجتمع والمدن والبلاد كلها، وهذه تشمل المشروع والخدمات والمرافق اللازمة من أجل استدامة المواطن والاقتصاد وما يتعلق بالأمن الداخلي والاستقرار الخارجي، فببساطة شديدة، من دون بنى تحتية سليمة مستدامة لن يكون لدينا مجتمع سليم مستدام. وعندما نتحدث اليوم عن البنية التحتية، فإننا نتحدث عن الهياكل الفنية التي تدعم المجتمع، مثلالطرقوالجسوروموارد المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات عن بعد وما إلى ذلك، ويمكن أن يتم تعريف البنية التحية بأنها «المكونات المادية للأنظمة المترابطة التي توفر السلع والخدمات الضرورية اللازمة لتمكين أو استدامة أو تحسين ظروف الحياة المجتمعية». وعند دراسة أهداف التنمية المستدامة، فإننا نجد أن الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة ينص على (الصناعة والابتكار والبنى التحتية)، بمعنى إقامة بنى تحتية جيدة النوعية وموثوقة ومستدامة وقادرة على الصمود، لدعم التنمية الاقتصادية ورفاه الإنسان، مع التركيز على تيسير سُبُل وصول الجميع إليها بكلفة ميسورة وعلى قدم المساواة. وحتى لا نُفهم بصورة خاطئة، فنحن عندما نتحدث عن البنية التحتية المستدامة فلا نتحدث عن إقامة شارع هنا، وجسر هناك، ومركز صحي في ذلك المكان، وما إلى ذلك من مشاريع فردية مجزأة وإنما الذي نتحدث عنه ونقصده بناء متكامل البنيان، فإقامة سوق مركزي لبيع المواد الغذائية كالخضراوات واللحوم والأسماك، أو إقامة مستشفى أو مركز صحي في منطقة ما – مثلاً – لا يمكن أن يؤدي دوره بكفاءة من دون أن تكون لدينا شبكة متينة للتخلص من النفايات الصلبة والخطرة، كما لا يمكن لشبكة للنفايات، أن تعمل بدورها من دون المعارف المكتسبة والمطبقة والمؤسسات والموارد اللازمة لإدارتها، وهذا يعني أن جزءا من إقامة مشروع سوق مركزي أو مستشفى يجب أن يتضمن بناء شبكة واسعة من الطرق والشوارع والجسور المؤدية إلى تلك المنشأة، من غير أن تتسبب في الاختناقات المرورية، وهكذا، فليست القضية بناء مركز صحي أو إقامة سوق، ونعتقد بعد ذلك أنه تم الانتهاء أو إقامة بنية تحتية، فإدارة البنية التحتية قضية وأمر يختلف تمامًا عن إقامة المشاريع المجزأة هنا وهناك، لذلك فإنه عندما نتحدث عن البنى التحتية، فإننا نتحدث عن هذا الفهم الذي يتجاوز ما هو مألوف ومباشر، الذي مازال يُغفل عنه في الأغلب، إلا أننا – فعلاً – بحاجة إلى تحول إلى هذه النوعية من التفكير. ولكن السير في هذا التفكير يجب ألا يُفهم أنه عملية سهلة ويمكن إنجازها بطريقة سهلة وفي بضع سنوات، وإنما تقتضي بناء هذه البنى وبهذه الأسلوب تخطيطًا منسقًا على المدى الطويل يمتد عبر الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية، تشترك فيه كل المنظومة الحكومية والقطاع الخاص والأهالي، وهي عملية متعبة ومزعجة إلا أن المواطن في النهاية سيجني ثمارها، ليس من أجل هذا الجيل فحسب، وإنما يمكنها أن تمتد لأجيال آتية، ولذلك فإنها مستدامة. وفي البحرين فنحن نعلم إننا نعيش في العديد من المناطق القديمة، التي ربما يتجاوز عمرها نصف قرن، ونحن نعلم أيضًا أن بعض شوارعنا الداخلية قديمة وجزء منها بال، ونحن نعلم أيضًا أن الأمطار التي تهطل علينا ضئيلة جدًا ومعدودة لبضعة أيام من السنة، ونعلم الكثير من مشاكل البنية التحتية، وهذه المشاكل كلنا يعرفنا، وهي ليست بالغريبة وليست بالحديثة، وإنما معظم مشاكلنا في البنية التحتية متوارثة منذ عشرات السنوات. حسنٌ، هذه مشاكلنا، ولكن كيف ندير كل هذه المشاكل بطريقة مستدامة؟ لسنا نحن من يضع برنامجا لذلك، إلا أننا نجد أن إعادة هيكلة وإدارة البنية التحتية يجب أن تكون متضمنة في خطط مؤسسات الدولة، ولكن بعد أن يتم الاتفاق عليها من قبل فريق عمل حكومي وأهلي وبمشاركة القطاع الخاص، وهذا يعني أنه ينبغي أن: 1- تتشكل لجنة وطنية مكونة من عدة أطراف، مثل: الحكومة، القطاع الخاص، أعضاء من مجلس النواب وأعضاء من مجلس الشورى والأهالي، وظيفتها أن تضع الخطوط العريضة الأولية لفكرة إعادة هيكلة وإدارة البنى التحتية للبلاد، بمعنى أن تقوم بعمل عصف ذهني وتمارس الكثير من وسائل التفكير الإبداعي لتضع التصور الأولى لذلك. 2- تتحول كل نتائج اللجنة الاستشارية الوطنية الأولى إلى لجنة متخصصة مكونة من مستشارين وبيئيين ومهندسين واقتصاديين لدراسة كل ما تمخضت عنه نتائج اللجنة الوطنية. 3- يتم وضع خطة متكاملة لبناء وإعادة بناء وإدارة البنية التحتية للبلاد لخمسين سنة قادمة، تشمل: بناء مدن جديدة بجميع مرافقها وخدماتها، هندسة الشوارع الرئيسية الدائرية، التفكير في بناء المدارس الجديدة، والمستشفيات والمراكز الصحية، بناء المساجد ودور العبادة، كل ذلك والعديد من الأمور الأخرى مثل الاستفادة من السواحل والمنشآت وما إلى ذلك. 4- توضع الميزانيات اللازمة لبناء هذا المخطط، ككل. 5- يتم تقسيم المخطط على سنوات، بحسب الأولويات، فهل المستشفى في هذا المكان ذو أولية أكثر من المدرسة أو بالعكس، ولا يمكن أن ننسى في هذه المرحلة ترابط المنشآت والبنية التحتية بعضها ببعض، كما قلنا سابقًا، فلا يمكن بناء مركز صحي أو مجمع تجاري من غير توفير المرافق والخدمات اللازمة مثل الشوارع، ومواقف السيارات، والتخلص من المخلفات وما إلى ذلك. 6- بعد ذلك يتم توزيع الميزانية بحسب أولويات البناء والتشييد والهيكل التنظيمي للبنية التحتية. 7- وقبل أن ننتقل إلى مرحلة التنفيذ يجب على اللجان العاملة أن تفكر في ثلاثة عوامل مهمة؛ وهي: أولاً: القضايا المناخية مثل تغير المناخ والمشاكل الناجمة من هذا المتغير الذي يسبب اليوم الكثير من الأضرار للبنية التحتية أيًا ما كانت، وهنا يأتي العامل الثاني: وهي الصيانة، فلا بد من وجود صيانة دورية للمنشآت التي يتم بناؤها، فلا ننتظر حتى تتهدم وتنكسر وتتحطم المرافق حتى يتم الاتفاق على صيانة الشوارع والطرقات والمباني وترميمها بعد سنوات من تحطمها. وثالثًا: الزيادة السكانية المطردة التي تحدث بصورة سنوية، فكم سيكون عدد السكان بعد 10 سنوات مثلاً، ومثل هذه الأمور يجب أن توضع في الحسبان أثناء كتابة المخططات الأولى ويستمر التفكير فيها حتى النهاية أثناء التنفيذ. 8- وبعد ذلك يبدأ التنفيذ، ولكن بمراقبة دقيقة من قبل جهات محايدة، وخاصة أننا نتحدث عن أمرين، أولهما: كل تلك الميزانيات التي وضعت من أجل هذه المشاريع، وثانيًا: الفترات الزمنية الطويلة التي قد تؤدي إلى الاسترخاء والإرهاق، كل هذه الأمور قد تسهم في الاختلال الإداري والمالي، لذلك من المهم المراقبة وكتابة التقارير الإدارية والمالية الدقيقة. فالقضية التي نتحدث عنها هنا ليست مجرد بعض الصهاريج التي تستخدمها الجهات التنفيذي لإزالة بقايا المطر أو مجرد شبكة مجاري لإزالة بقايا الأمطار، أو مشكلة السوق المركزي مثلا، فالموضوع تكاملية البنية التحتية، بل واستدامتها، فليس من المعقول أن نضع الحلول لمنطقة معينة وننسى مناطق أخرى لم يتحدث عنها حتى العضو البلدي، ولا نريد أن نعيد ونكرر كل هذه الموضوعات، فنحن نعتقد أن الموضوع شُبع حديثًا، وإنما نحن اليوم نريد حلولا مستدامة وأفكارا إبداعية وإدارة متكاملة، فمن غير هذه المنهجية سنجد أنفسنا بعد بضع سنين نعيد طرح نفس كل هذه الموضوعات مرة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك فنحن نحتاج – أيها السادة – إلى ما يعرف بالبنية التحتية الخضراء المستدامة، التي تعرف أنها شبكة مخططة استراتيجيًا، من المناطق الطبيعية وشبه الطبيعية مع ميزات بيئية أخرى، يجري تصميمها وإدارتها لتقديم مجموعة واسعة من خدمات النظام البيئي مثل تنقية المياه، وتحسين جودة الهواء، وتوفير مساحة للترفيه، وتخفيف حدة تغير المناخ والتكيف معه، واستغلال الطاقة الشمسية. ويمكن لهذه الشبكة من المساحات الخضراء (الأرضية) والزرقاء (المائية) تحسين الظروف البيئية، وتعزيز صحة المواطنين ونوعية حياتهم، كما تدعم الاقتصاد الأخضر، وتخلق فرص عمل، وتحافظ على التنوع البيولوجي. وكذلك من المهم ونحن نتحدث عن البنية التحتية الخضراء المستدامة الاهتمام بالازدحام المروري وموضوع مواقف السيارات وخاصة في الأحياء التي تبنى أو حتى القديمة، ويجب ألا ننسى موضوع المدن أو بالأحرى المناطق العشوائية التي تختلط فيها ورش صيانة السيارات والورش بصورة عامة بالمنازل والمطاعم كما هو حادث اليوم في عراد وسلماباد، وربما الكثير من الأمور التي يصعب هنا طرحها، وإنما على اللجان الوطنية دراستها والاهتمام بها. إن كنا فعلاً نريد أن نحل بعض الأمور والمشاكل، فإن الحلول لا تأتي بثمارها إن كانت الحلول مبتورة، أو حلول بندولية، وإنما علينا أن نفكر بالأساليب المنهجية في إدارة المشكلات، لأن حينئذ يمكن أن نقدم الحلول التي ترضي الجميع. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :