يمثل التعليم -بجميع مراحله بشكل عام والتعليم العالي على وجه الخصوص- قضية أمن قومي تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات سائر المجتمعات التي تصبو إلى أن يكون لها موقع استراتيجي على خريطة العولمة، التي لا ولن تتسع إلا لمجتمعات المبدعين والمبتكرين. ويشكل التعليم بؤرة الاهتمام لدى كثير من البلدان حول العالم، وذلك للدور الذي يلعبه في إعداد الكوادر البشرية الوطنية اللازمة لمشروعات التنمية ودعم المواطنة وبناء الإنسان، لتحقيق تطلعات المجتمع وآماله وإحراز الرفاهية والتقدم وتحقيق أهداف التنمية الشاملة المستدامة. وسعيا إلى تحقيق هذه الأهداف يجب على مؤسسات التعليم العالي أن تقوم بتجهيز مجموعة من المرشحين المستقبليين ذوي الإمكانات العالية، على جميع مستوياتها، لتلبية أي احتياجات في المستقبل، لتحقيق الاستدامة. إن التحدي الرئيس الذي يواجه الكثير من مؤسسات التعليم العالي خلال العقدين الماضيين هو القدرة على الحفاظ على رأس مالها القيادي، وتوفير قادة مؤهلين والمحافظة عليهم لتحقيق خططها الإستراتيجية، لذلك على مؤسسات التعليم العالي أن تسعى إلى تطبيق آلية التعاقب القيادي، التي يمكن وصفها بأنها عملية منظمة تهدف إلى استمرارية الوظائف القيادية الأكاديمية الرئيسة في مؤسسات التعليم العالي، يتم من خلالها تحديد الوظائف المستقبلية للقيادات الجامعية والبحث عن المواهب من القادة المحتملين لشغلها والعمل على تأهيلهم وتطويرهم من خلال إكسابهم المهارات والخبرات القيادية اللازمة، واختيار المتميز منهم والاحتفاظ به ليصبح خط إمداد وصفا ثانيا من القادة المعدين لتولي المناصب القيادية الأكاديمية، وذلك لدعمها في أداء اختصاصاتها وأدوارها الأساسية بفاعلية ونجاح. إن مؤسسات التعليم العالي لا تحتاج إلى بِلَّوْرَة سِحْرِيَّةٌ لاستشراف المستقبل، إنما تحتاج إلى أن تجلب المستقبل إلى أعضاء هيئة تدريسها، وترعى المتميزين منهم، لتهيئة الصف الثاني، فالقائد ذو النظرة الثاقبة لا يفرح بالجلوس على الكرسي، إنما يفكر وهو على رأس العمل في الْخَلفِ الْكُفُؤ الذي سيأتي من بعده. إن آلية التعاقب القيادي سوف تساعد، بما لا يدع مجالا للشك، في عملية الاستكشاف والبحث عن المواهب القيادية واستقطابها وتقييمها، وتأهيل وإعداد صف ثانِ من القيادات وتطويرهم بشكل مثالي، لتولي الوظائف المحورية والقيادية المحتمل شغورها مستقبلا. وبتوفير البدلاء الأكفاء الذين يتمتعون بالذكاء والفطنة الأكاديمية والقيادية والقدرة على الاستجابة لمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية للتعليم العالي، تحقق آلية التعاقب القيادي ضمان استمرارية القيادة دون توقف، وبخاصة في عمادة الكليات ورؤساء الأقسام العلمية. ولذلك، ومن خلال هذ المنبر الإعلامي الوطني، أدعو جميع مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين إلى وضع خطة رسمية واضحة طويلة المدى لتخطيط التعاقب للقيادات الأكاديمية - تنبثق من خطتها الاستراتيجية - وتطوير آلية متكاملة لهذا الغرض، وذلك من خلال إنشاء وحدة متخصصة ضمن بنيتها الهيكلية مزودة بقادة أكاديميين يتمتعون بقدر كافٍ من المعرفة الإدارية والتجريبية في مجال التخطيط والقيادة وإدارة الموارد البشرية، لتأسيس نظام ناجح لتخطيط التعاقب في نظامها الإداري، وعلى مؤسسات التعليم العالي أيضا أن توفر التمويل الكافي لأنشطة تطوير القيادات الأكاديمية بها، وربط هذه الأنشطة بمسارهم الوظيفي، وعليها أيضا الكشف عن الكفاءات القيادية الواعدة لإنشاء مخزون قيادي احتياطي، وبناء صف ثانِ من القيادات الأكاديمية لتفادي وقوعها في فراغ قيادي في المستقبل ولمواجهة الأحداث المفاجئة التي قد تتمثل في الاستقالة، أو النقل، أو الترقية، أو التقاعد، أو الوفاة. وكذلك أدعو إلى إنشاء سجل للنمو المهني في كل مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، لرصد مستوى التقدم لدى أعضاء هيئة التدريس المحتملين لتقلد المناصب القيادية في المستقبل، واستنبات برنامج مستمر لتنمية المهارات القيادية داخل كل مؤسسة لكي تتمكن من تلبية احتياجات التخطيط للتعاقب القيادي، الذى يجب أن يخضع لتقييم مستمر لتطويره وتحسينه، بالإضافة إلى ضرورة إصدار تقرير سنوي عن تخطيط التعاقب للقيادات الأكاديمية في كل مؤسسة، يتضمن إحصائيات تتعلق، على سبيل المثال لا الحصر، بعدد أعضاء هيئة التدريس المحتملين الذين تولوا بالفعل المناصب القيادية التي تم استهدافهم من أجلها، وعدد المناصب القيادية التي تم شغلها من مجموعة من المرشحين، أو عدد المرشحين الذين أكملوا أهداف المؤسسة، أو الوقت اللازم لملئ المناصب القيادية الشاغرة. { زميل أكاديمية التعليم العالي البريطانية عضو جمعية البحرين للإنماء والتطوير
مشاركة :