د. محمد بن سعيد جعبوب شهدت المؤسسات التعليمية كثيرًا من التغييرات خلال الأعوام القليلة الماضية، خصوصًا خلال جائحة كورونا والتي تسببت في إغلاق المدارس والجامعات والتحول الكلي إلى التعليم عبر الإنترنت (الافتراضي). ومع التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا، تبنت المدارس والجامعات أساليب جديدة لتطوير التعليم وإدخال العديد من التغيرات في المناهج والأنظمة الدراسية بالإضافة إلى استخدام الحواسيب والهواتف والأجهزة اللوحية في العملية التعليمية. وبرغم هذه التحول واعتماد التكنولوجيا في الكثير من النواحي التعليمية، إلّا أن المستقبل يشير إلى تطورات أوسع في مجال التكنولوجيا، خصوصًا مع دخول التعليم مرحلة استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والمعزز واستخدام الروبوتات. لذلك أصبح من الضروري أن تتبنى المؤسسات التعليمية رؤى أكثر إبداعية لمواكبة كل هذه التطورات والاستفادة القصوى منها. فالسؤال الأهم هنا: هل حان الوقت للنظر في هيكلية التعليم المعتمدة منذ مدة طويلة، خصوصًا في المراحل الأساسية للتعليم الإبتدائي والثانوي؟ وقبل الإجابة عن السؤال، لابُد من الإشارة إلى النظام التعليمي في بلدنا الذي يشمل التعليم الأساسي مدة 10 سنوات، 4 منها كحلقة أولى وست أخرى كحلقة ثانية، إضافة إلى نظام التعليم ما بعد الأساسي الذي يشمل سنتين أخريين؛ حيث يُعد هيكل التعليم لهذه المراحل هو المعمول به في معظم الدول مع مراعاة بعض الاختلافات. ولكن ومع التطور المتسارع في مجال التكنولوجيا وتبني الكثير من الأدوات والوسائل الجديدة في التعليم، أليس من الأفضل إعادة النظر في الهيكل المعتمد ومحاولة تغييره كنوع من التماشي مع متطلبات العصر الجديدة؟ لقد أصبحت المعلومة متاحة للجميع وأصبح الهدف من التعليم هو مساعدة الطلاب على اكتساب المعرفة وخلق معارف وأساليب جديدة للتعلم بناءً على قدرات الطلاب أنفسهم، خصوصًا أن دور المعلم الآن ليس نقل المعرفة بل تسهيل الوصول إليها. من ناحية أخرى، فإن اعتماد المناهج المحددة في كل مرحلة يحد من قدرات بعض الطلاب، حيث إن كل طالب يمتلك قدرات تختلف عن بقية الطلاب. وبما أن التعليم أصبح أكثر تمحورًا حول الطالب نفسه وقدراته في اكتساب المعرفة، أصبح من الضروري إعادة النظر في المراحل الدراسية من جهة والمناهج من جهة أخرى. من هنا تأتي أهمية إعادة هيكلة العملية التعليمية؛ سواءً فيما يخص المراحل الدراسية أو المناهج، ومن المقترحات التي يمكن مناقشتها في هذا الجانب: تقليص المرحلة الأولى إلى ثلاث سنوات بهدف تعلم المهارات الأساسية (القراءة والكتابة والحساب) وتتم دون أي أساليب تقييم، بمعنى أن يحصل الطلاب على شهادة النجاح في هذه المراحل بدون أي درجات، مجرد التركيز على المهارات الأساسية المذكورة. أما المرحلة الثانية فتشمل السبع سنوات المتبقية، حيث يتم تقليص الساعات الدراسية اليومية إلى أربع ساعات وبقية الوقت يلتحق بها الطالب في إحدى المنتديات التعليمية. ولتوضيح فكرة المنتديات التعليمية، تتبنى المدارس إنشاء 5 منتديات أساسية وهي: المنتدى العلمي: يضم هذا النادي جميع المواد التي تدرس في المدرسة بحيث يكون لجميع الطلاب حرية المشاركة في هذا النادي وحرية اختيار المادة العلمية المراد دراستها بشكل يتناسب مع توجههم العلمي. يجب أن يعمل كل من المعلمين والمشرفين معًا، كل شخص في مجال تخصصه لتشكيل هذا النادي واختيار أعضاء هيئة تدريس متخصصين لكل مادة علمية. المنتدى الثقافي: يضم هذا النادي المواد الثقافية وكل ما يتعلق بالإبداع الفكري والثقافي مثل الفن والمسرح والموسيقى والشعر والأدب والقصة والرواية والأفلام القصيرة والتراث الشعبي والثقافي لكل مدينة ومنطقة وقرية. المنتدى الرياضي: يضم هذا النادي جميع الألعاب الرياضية والألعاب الأولمبية. تعمل على تأهيل الطلاب في جميع أنواع الرياضة على المستوى المحلي والعالمي. يشرف هذا النادي على جميع الرياضات المتاحة والممكنة لكل منطقة ويقيم مسابقات رياضيه على المستويين المحلي والدولي. المنتدى الاجتماعي: يضم الطلاب الذين ليس لديهم الموهبة أو القدرة للانضمام إلى المنتديات الثلاثة (المنتدى العلمي والثقافي والرياضي) يضطرون للانضمام إلى النادي الاجتماعي. نادي اجتماعي يضم جميع الأنشطة الاجتماعية والعمل التطوعي وتسهيل دخولهم إلى الكليات المجتمعية. منتدى الابتكار والتميز: يضم هذا النادي الطلاب الأكثر إبداعًا وتميزًا في الأندية الأخرى. هذا المنتدى هو بمثابة مكافأة لهؤلاء الطلاب الأفضل في جميع مستويات التعلم. يشجع هذا المنتدى الطلاب ويدعمهم لتحقيق أقصى استفادة من المنافسة على جميع المستويات. إضافة إلى ذلك، يمنح هذا المنتدى الطلاب المساحة التي يحتاجونها للإبداع واستكشاف قدراتهم وأحلامهم، وبناءً على إعادة الهيكلة لهذه المراحل الدراسية، يتم تعديل المناهج الدراسية لتتناسب مع وجود المنتديات التعليمية بحيث يتم التركيز على تخصص كل منتدى، ويتشارك الطلاب في الفصول العادية في بقية المواد حسب المرحلة الدراسية. إنَّنا لا نحتاج إلى تخصيص موارد إضافية أو فصول دراسية أو حتى موارد بشرية، فكل عناصر المدرسة ستبقى كما هي وإنما سيتم تحديث الهيكل التعليمي والمناهج الدراسية.
مشاركة :