أدب «السـيـرة الذاتيـة».. بيـن الفهم المغـلوط والإبداع…

  • 1/18/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السيرة الذاتية أو البيوغرافيا الذاتية هي من أنواع الكتابة الأدبية، وتعني فن سرد الشخص لسيرة حياته أو جزء منها، ويصعب تحديد تعريف معين لهذا النوع الأدبي، لكونه أكثر مرونةً من الأنواع الأخرى وأقل وضوحاً، فهي إما أن تتراوح ما بين سرد لأجزاء من حياة الشخص، أو عرض ليومياته، أو اعترافات شخصية، كأن يعترف الكاتب بالأخطاء التي ارتكبها في مرحلة ما من حياته. وتعد السيرة الذاتية فناً متميزاً ليجمع التاريخ مع الأدب ولكن السؤال هنا إلى أين تتجه كتابة السيرة الذاتية في الأدب السعودي؟ وهل السيرة الذاتية في تراجع أم اطراد؟ «الرياض» وجهت هذه التساؤلات لمجموعة من المثقفين للإجابة على تلك التساؤلات. “نهاية خدمة” في البداية يقول الأديب سعيد السريحي: أتشكك كثيراً فيما يكتب تحت مسمى السيرة الذاتية، لأن كثيراً منها يبدو وكأنما هو استعادة لأمجاد قديمة قد لا تعني القارئ بشيء، وإنما تعني لكاتبها لكي لا ينساه الناس ما الذي يعنينا أن يكون هذا الرجل قد احتل هذا المنصب أو عبر تلك التجربة، إن لم يكن فيها ما يميزه عن الآخرين. وتابع “السريحي” أن كثيراً من كتب السيرة الذاتية مدونات نهاية خدمة لدى كثير من رجال الأعمال أو المسؤولين في الوزارات المختلفة أو الأدباء، وينبغي حينما تكتب السيرة الذاتية أن تكتب باعتبارها كشفاً عن جوانب خاصة ومستترة وغامضة ودقيقة في حياة الإنسان، وأن تكون إضافة لما هو معروف عنه، وأن تكون تعبيراً عن تجربة خاصة خاضها وتكون جمعاً ما بين ما كان وما كان يريد أن يكون عن رؤيته إلى العالم من حوله وليس مجرد كشف عن أعمال قام بها، إن كانت السيرة كذلك فذلك أمر جيد وإن لم تكن فإننا نحمل المكتبة وزراً فوق أوزارها. كذلك ليست المسألة مسألة تراجع المسألة هي أننا الآن نشهد انتشاراً لفن السيرة الذاتية دون أن تحمل ما يمكن أن يجعلها مستحقة للنشر فضلاً عن القراءة. “تاريخ الذات” ويرى الناقد الأدبي الدكتور “أحمد هروبي” أن الإجابة عن هذا السؤال، تأتي بتأمل المنجز المتعلق بالسيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية، المتمثل في تنامي الإبداع المطرد، وتزايد الكتابة السيرية، بالنظر إلى البداية الأولى لأول سيرة سعودية، التي كتبت عام 1374هـ، للأديب أحمد السباعي، وهي سيرة (أبو زامل – أيامي)، وانتهاء بالمنجز في العقدين الأخيرين، وهو منجز يبرهن على تزايد الكتابة واطرادها، شجع على ذلك، ويضيف: اطلاع الكتاب على نماذج سيرية عالمية وعربية، حفزت الكاتب على اقتحام هذا الجنس، من جهة ومن جهة أخرى شكَّل نجاح الكاتب السعودي في تجاوز الفهم المغلوط، لبعض النصوص الدينية، والأنساق الثقافية المهيمنة تحولاً لافتاً للنظر، انعكس بالإيجاب على تنامي الكتابة، بعد أن كان الكثير منهم يقع تحت وطأة تلك النصوص، والأنساق. لقد غدت الكتابة بعد ذلك مسوغة، بدافع استدعاء تاريخ الذات، والكتابة عن المنصرم من أيامها، ونقل التجربة، والمعاناة، والصراع، وتتبع مراحل العمر، وتأمل الأحداث، ومحاكمة الذات، وغيرها، مع ملاحظة تغير بنية الخطاب السيري، وميله إلى الأدبية، بدلاً من السرد التاريخي، حين أحسن الكاتب السيري أدبيتها، وتفنن في أسلوبها، والتزم فيها بالصدق الفني، بعيداً عن التخييل المفرط، لتبقى سرداً لتاريخ الذات بأسلوب أدبي، ينطلق من التاريخ، ويتخلى عنه، حين ينحو منحى أدبياً شائقاً. وتابع الدكتور “هروبي” أن الأمر لا يتوقف عند كتابة السيرة الذاتية، فالاطراد حاضر في المنجز النقدي، حين واكب -وما زال- حركة الإبداع، فلم يعد حصراً على الشعر والرواية، وذلك عبر المقاربات النقدية الجادة، التي تنوعت، وتباينت، وما زالت تجعل من فضاء السيرة منطلقاً للدراسة والبحث، وفضاء تتغيا فيه العناية بأي سيرة ذاتية جديدة. وعليه، أمكن القول، بتنامي حجم هذا الجنس، وتزايد الإقبال عليه في السنوات الأخيرة، تنامت معه في المقابل حركة النقد الأدبي في مقاربة الخطاب السيرذاتي. الجدير بالذكر، أن تعاظم مستوى الوعي بمقومات الجنس السيري، لم يقف عند حدود الكم، بل النوع أيضاً، كما أن تغير طبيعة الخطاب الإبداعي، ألقى بظلاله على طبيعة الخطاب النقدي أيضاً، ليأتي متناغماً مع تطور جنس السيرة الذاتية، مغايراً في اشتغالاته النقدية. “حقائق غائبة” من جهتها، تقول الدكتورة “عائشة حكمي” أكاديمية وقاصة: كتابة السيرة الذاتية فن أدبي ذو مرجعية تبحث في أثر الحقيقة التاريخية للشخصية، تتكئ على أركان ومواثيق بين الكاتب والمتلقي، الكاتب يصرح بأن ما يكتبه هو ذاته انطلاقاً من العنوان حين يحمل كلمة سيرتي. أو رحلتي. أو حياتي وانتهاء بالمطابقة بين المؤلف والسارد والشخصية المسرودة، وكذلك لابد أن تكون الثقة متبادلة بين المتلقي والكاتب فيؤمن المتلقي ويصدق ويقتنع بأن ما قدمه المؤلف هو ذاته بقلمه فتكون المطابقة بين المؤلف والسارد والشخصية اتفاق مهم في التعاطي مع النص السير ذاتي. وأضافت حين نراجع ما قدم من أعمال سيرية بقلم المؤلف السعودي سنلاحظ إقبالاً متزايداً على خوض التجربة وفوق ذلك حرص المؤلف أن يؤكد إصداره ببثه في مختلف قنوات الإعلام والتواصل الشخصي منه للتبليغ بأنه قدم نصاً سيراً. أي لم تعد الكتابة عن الذات من الأمور غير المرغوبة، فكثير من السير الذاتية يصل القارئ عن طريقها. حرص المؤلف على التبليغ عنها وتقديمها هدية للمتلقي. ولوحظ مؤخراً عقد جلسات قرائية للباحثين. بقيادة المؤلف، كما فعلت د. أمل التميمي حينما نسقت مع باحثين احتفوا بقراءة سيرتها (في مشلح أبي وجدي) على مساحة التويتروكانت جهود مميزة منها، وكذلك فعل د. سعد الرفاعي مع سيرته (من الألف إلى الدال) نسق لقاء نقدياً لعدد من باحثي السيرة الذاتية. ومن دلائل انفتاح الأدب السعودي، أرى أن طلاب الدراسات العليا خدموا كثيراً السير الذاتية في الأدب السعودي، بمجرد تصدر سيرة ذاتية حتى يتلقفها الباحثون. نجد كثيراً من السير، تدرس من عدة جوانب أي أن السير الذاتية في الأدب السعودي حظيت في مرحلة النشأة والتطور بقبول قرائي لافت لم تحظ به الفنون السردية الأخرى. وتقول: وكذلك مما لاحظت أن بعض من واتته الشجاعة على كتابة سيرته أدباء من الجيل المحافظ وغير المحافظين مثل زاهر عواض الألمعي (رحلة الثلاثين عاماً)، وآخرهم سعد الرفاعي وقبله عبدالمحسن القحطاني (بين منزلتين)، وحمد المانع (لكم وللتاريخ)، وعبدالعزيز النعيم (حكايتي بعد التسعين) وغيرها. ومن مؤشرات الاحتفاء بالسير الذاتية على المستوى العالي تخصيص مسابقة لكرسي الأدب السعودي باختيار أفضل سيرة ذاتية خلال الخمس سنوات الماضية، وقد تقدم لها أكثر من ثماني عشرة سيرة ذاتية ومن وجهة نظري، إن السير الذاتية السعودية ما زالت تفتقر إلى كثير من الانفتاح على فنيات السير الذاتية ومقاييسها العالمية، أعتقد في القادم سيظهر الجديد في هذا الاتجاه. “الأسلوب الكتابي” وتضيف الأستاذة الدكتورة “أمل التميمي” باحثة متخصصة في السيرة الذاتية بجامعة الملك سعود ونائب رئيس مجلس الإدارة جمعية «إعلاميون»، أن فن السيرة تتشابه فيه كل الثقافات في صياغة قصة الإنسان الواقعي وتختلف في أمرين، هما: أولاً: قضايا تشكيل العتبات وطريقة الأسلوب الكتابي. ثانياً: القضايا في المضامين، فإن المتشابهات في معظم الثقافات أو الجامع المشترك بين معظم كتب الأدب الذاتي متكررة لأن القضية الأساسية في كتب الأدب الذاتي التجربة الإنسانية، وما تختلف به ثقافة عن ثقافة أخرى أو ما تختص به من قضايا محددة فهذا ما يميز تجربة عن تجربة كونها تمد الإرث الإنساني بتراكم خبرات من قصص إنسانية واقعية، ولا تختلف قصص السيرة عن السير القرآنية التي ذكرها رب العالمين في القرآن الكريم (نحن نقص عليك أحسن القصص) ووصفها بأحسن القصص. فقصص السيرة هي امتداد للقصص القرآني الكريم الذي يحتفظ بالحس التاريخي والواقعية والتفضيل لها كونها تسرد في قرآن محفوظ للعبر والتعلم منها، ومجبورون على تصديق ما فيها من حكايات تاريخية حصلت واقعاً، مثل نجاة موسى عليه السلام من فرعون وانفلاق البحر، ونجاة ذا النون عليه السلام من بطن الحوت، ونجاة يوسف عليه السلام من البئر وتبرئته وعودته لأبيه.. إلى آخره. وتشير إلى أن الإشكالية التي يمكن أن تواجه السيرة في الأدب السعودي توجه الأدب النسائي فيها نحو الفن الكتابي الإبداعي. فازداد اهتمام المرأة السعودية بالأدب الذاتي فيما بعد الألفية الثالثة بل تخطت الرجل في تجريب أشكال جديدة في الأدب الذاتي. التوسع الكتابي جميل جداً، وليس هناك معايير تحكم تجربة المرأة لكيفية كتابتها، ولكن ما أريد التنبيه إليه لا يكون الشكل الفني أو الكتابي على حساب التجربة الإنسانية العميقة التي تميز تجربة إنسانية عن تجربة أخرى، فما أخشاه انشغال النقاد بالأشكال الجديدة وتسارع النمو الفني على القضايا الإنسانية التاريخية والاجتماعية وهي الأهم في كتابة السيرة من النسق اللغوي والكتابي الإبداعي.

مشاركة :