يوسف أبولوز .. سأل أيجيد ثانية.. ومن أين جاءت هذه المفخرة التي تدعى الشعر؟.. فأجابه بداغي بدأت نشأته حين كان الآلهة يتحاربون مع قوم اسمهم الفانير، فاتفقوا على عقد هدنة بينهم على هذا النحو: وهو أن يبصقوا جميعاً في وعاء فخاري. ولما افترقوا، أخذ الآلهة رمز الهدنة معهم، ومن حرصهم على ألا يضيعوه، خلقوا منه رجلاً وأسموه كْفاسير. وكان هذا حكيماً لا يعجزه سؤال سائل. كان يسافر في الدنيا طولاً وعرضاً ليعلم الناس الحكمة، وذات يوم حل ضيفاً على قزمين، هما فيالار وغالار. انتحى به هذا للتشاور في أمر ما، فقتلاه، وفصدا عروقه، وملآ من دمه وعاءين ومغلاة، ثم أطلقا على المغلاة اسم أودرورير، وعلى الوعاءين اسمي صُن وبودن، ثم مزجا دمه بالعسل، ومن هذا المزيج صنعا السقيا التي لا يشرب منها أحد إلا وأصبح شاعراً أو علّامة... من الرسالات النبيلة لمشروع كلمة للترجمة في أبوظبي أنه فتح لنا بوابات واسعة على ثقافات وحضارات الشعوب، ومن بين أساسات الحضارات تأتي الأساطير التي تنسب أحياناً إلى أفراد، وأحياناً إلى مجهولين، وأحياناً يشترك في صناعة هذه الأساطير مجموعة من الكتبة أو المؤلفين، وهم أيضاً، في الغالب مجهولون. هذا الكتاب، سنورا إدّا، هو ملحمة آيسلندية، مجموعة من الحكايات الأسطورية والأشعار المطعمة بقصص وحكم ومعارف أيضاً، غير أن الشعر عصب هذه الملحمة. قدم لهذه الملحمة فشتاين اولاسن مدير معهد آرني ماغنسن في جامعة آيسلندا، ونفهم منه أن مؤلف الملحمة سنوري شتورلسن يعود إلى القرون الوسطى.. وتعد الأعمال التي تنسب إليه نسبة قاطعة، مثل قصص ملوك النرويج وسنو إدّا مصادر لا تقدر بثمن للتراث الثقافي القديم للأمم النوردية... نحن أمام ملحمة شعرية أسطورية تقوم شعر البلالي لملوك النرويج، والملحمة تتصل، أصلاً بهاجس كاتبها. إنه عمله البحثي أو التوثيقي لهذا الشعر والنسيج الأسطوري فيه ولذلك نفهم من المقدمة أن سنوا إدّا تعني كشاف سنوري أي كشاف المؤلف، والتعريف به يشير إلى أن سنوري حاول في شبابه أن يمتهن شعر البلاط، فأرسل مدائح إلى الزعماء النرويجيين، لكنه سرعان ما أدرك أن كتابة السير التاريخية النثرية أصبحت الآن أنجع بكثير لتدوين سير الملوك. إنه يتحدث عن الملك غلفي الذي كان يحكم بلاداً تسمى اليوم السويد، وبين الشعر والنثر تولد الأساطير كأن تنبت من الذراع اليسرى لرجل.. رجل وامرأة، أو تنبت طفلة من ساق، أو صورة إيميد الذي ما إن يذوب الصقيع حتى يصبح بقرة، وغير ذلك من متواليات سردية شعرية أسطورية نجد تماثلات أو متشابهات لها في أساطير الشرق وحوض البحر الأبيض المتوسط. نقرأ، إذا، مادة حكايات أو أساطير مبنية على الشعر وتنهل من روح اسكندنافية، وكالعادة، في الأساطير هناك الشجاعة، والتضحية، والمغامرات، ويبدو الباب الأول من هذه الملحمة حوارية حكمية بين الملك غلفي (ملك الملوك، وبين غانغليري الذي يشرح له مثلاً ما هو أصل الريح، والشمس، والقمر، والأشجار، غير أن أصل الشعر في الثقافة الاسكندنافية أو الآيسلندية هو في حد ذاته أسطورة. في حوارية أخرى نعرف أن نوعاً من الشراب يتألف من الدم والعسل إذا شربه إنسان فإنه يتحول إلى شاعر أو علّامة، وفي الثقافة العربية فالشعر موجود في وادي عبقر، وفي ثقافات أخرى للشعر علاقة بالإلهام ودورة القمر والنجوم، وملحمة هوميروس الإلياذة مبنية على روح شعرية، كما الروح الشعرية الأسطورية في ملحمة جلجامش، وبحث انكيدو المضني عن عشبة الخلود. سنورا إدّا، أخيراً، تقرأ على أكثر من مستوى.. المستوى الحكائي السردي، والمستوى الغنائي وذلك لعذوبة الأشعار القصصية الواردة فيها، كما تقرأ هذه الملحمة الآيسلندية على مستوى تاريخي، ونحن أحياناً نعثر على التاريخ في الشعر والأسطورة، بين صفحات هذا الكتاب شيء من تاريخ ملوك وشعراء البلدان الاسكندنافية. الكتاب: سنورا إدّا المؤلف: سنوري شتورلسن الناشر: مشروع كلمة في أبوظبي
مشاركة :