مثلما هو متداول ومعروف أن (الحرب خدعة)، ومع الأسف أن الرئيس عبد الناصر - رحمه الله - لم يستوعب أو يفطن لذلك، وبرر سبب هزيمة (67) الشنيعة من إسرائيل قائلاً بما معناه: انتظرناهم من الشرق فجاءونا من الغرب. وكان ذلك التبرير الساذج هو بمثابة (عذر أقبح من فعل)، وكأنما في الحروب مجرد أطفال نلعب لعبة (الاستغماية). ولكن إليكم بعض القادة التاريخيين بماذا يفكرون، وإذا فكروا ماذا يفعلون: كشف (هنيبال)، القائد القرطاجني المشهور، حين انسدل ستار الظلام، أن عدوّه معسكر في واد عميق ونيرانه موقدة، فعلم أن هذا العدو لا يخشى هجومًا عليه في الليل، ومن شجاعته يعلن قصدًا عن مكانه الخفي في الليل. فأمر هنيبال رجاله بأن يجمعوا مائتي ثور على قمة الأكمة، وأن يربطوا بقرونها مشاعل من الخشب السريع الالتهاب، وحين أعطى إشارة متفقًا عليها، أوقد الرجال النار في الخشب، ودفعوا الثيران إلى الوادي وخزًا وركلاً، فانطلقت وقد جن جنونها بأربعمائة من المشاعل الملتهبة، وشقت طريقها على غير هدى خلال المعسكر تبث الذعر وتنشر الخراب وتشعل المنطقة كلها، ثم هجم هنيبال، وهزم عدوًا دب في صفوفه دبيب الفوضى - انتهى. ويبدو لي أن الزعيم القذافي كان معجبًا بـ(هنيبال)، لهذا أطلق على أحد أبنائه هذا الاسم، ويا ليته بدلاً من ذلك أخذ فكره وترك اسمه. القيادة لا تأتي إلا عن موهبة وثقافة لا تمت للأزياء العسكرية بصلة، ولو أنها كانت كذلك لأصبح كل رؤساء الانتدابات التعيسة في عالمنا العربي عباقرة، أين منهم (روميل) الألماني، و(جوكوف) الروسي، (ومونتغمري) البريطاني، و(ديان) الإسرائيلي، و(هوشيمنا) الفيتنامي - وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى المطرب (شعبان عبد الرحيم). ولكي أبعدكم قليلاً عن هذا الكلام الذي يغم، إليكم هجومًا (عسكريًا) كاسحًا من نوع آخر، فقد حصل لـ(ترلةٍ) - أي شاحنة كبيرة محملة بأقفاص الدجاج في طريقها من جدة إلى الرياض - وقدر عليها أن تنقلب في ليل أظلم، وإذا بعشرات الآلاف من الدجاجات تنطلق في صحراء الله الواسعة، وشاهدت على بعد ثلاثة كيلومترات أنوارًا، وأخذت تزحف تلقائيًا نحوها. وكانت تلك الأنوار هي بيت شعر لرجال من البادية، وصادف أنهم كانوا مكبرين وقتها لأداء صلاة العشاء، وما إن بدأ الإمام يقرأ في ركعته الثانية، حتى سمعوا همهمة ومكاكأة الدجاجات خلفهم، واعتقدوا أن (عفاريت) قد داهموهم، وكان أول من قطع الصلاة وهرب هو الإمام وتبعه بقية المصلين يرتعون حفايا في كل الاتجاهات. ولأول مرة في التاريخ تهزم الدجاجات رجال القبائل. فهل يحق لي أن أقول الآن: يا ليتنا كنا على الأقل دجاجات؟
مشاركة :