الوثاق – الأستاذ: عبدالرحمن بن محمد الحمد من المؤسف أنه في الوقت الذي تمضي فيه بعض الأصوات (العقلانية) قدماً نحو الاعتدال الداعي إلى تعزيز ثقافة الوئام والتسامح الديني على أساس تقبل الآخر دون الالتفات لعقيدته أو السخرية من معتقداته، تُقدِّم بعض المؤسسات الحزبية في أروقة الحكومات إلى تمرير تشريعات من شأنها تمكين المتطرفين من السخرية بمعتقدات تطال شرائح وأطياف مجتمعاتها، والمنضوية تحت ستار: حرية الرأي والتعبير في تركيبتها الفضفاضة التي تُمَكِّن صغار العقول من ازدراء الأديان وتحقير مقدساتها؛ وهو لأمر خطير جداً يعزز الكراهية ويمرر الأفكار السلبية حيالها، كما أنه يتقاطع حتما مع الأعراف الدولية وقوانينها الرامية إلى حماية الأفراد: فالعقيدة تعد جزءاً لا يتجزأ من ذات الفرد وتكوينه، وبالتالي فإن حماية الفرد مرتبطة بحماية معتقداته أيضاً، وهو ما تحاول بعض الدول عبثاً فصلها عن ذات الفرد؛ بغية عدم إعطاء هذه المعتقدات صبغة قانونية بذريعة تعارضها مع حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي من شأنه أن يخلق جدلية مستمرة تفضي إلى التجديف بما يعتقده الآخر، ومن هنا تنشأ الصراعات التي تتداعى معها ثقافة التسامح والتعايش وتغليب لغة العقل والحوار المقررة في نصوص القوانين الدولية، ومن جهة أخرى، تتولد منها مشاعر الكراهية والعداوة والبغضاء المحظورة في سطور التشريعات الدولية. ومن غير المرجح أن تلك المؤسسات الحزبية داخل بعض الأوسط الحكومية تدرك خطورة الآثار المترتبة على إقرار تلك التشريعات من تصاعد حدة الخطاب التمييزي، والسماح بالأعمال الاستفزازية والأفعال التحريضية تجاه عقائد الآخرين ؛ وإلا لسنت قوانين وسياسات يمكن من خلالها مواجهة التساهل في ازدراء الأديان والتحقير من مقدساتها بدواعي لطالما تفاخرت بها بعض الدول الأوروبية والاسكندنافية؛ وهي كما تدعي حفظها للحقوق الديمقراطية للأفراد، وذلك على حساب التجريح بالآخرين وبشعائرهم الدينية، متناسين المقولة الشهيرة التي تعبر عن نظرة الرأي العام في تلك الدول حيال الموضوعات كافة؛ واستقرائهم لواقعها واستشرافهم لمستقبلها (Dime de qué presumes, y te diré de qué careces) بمعنى: قل لي بماذا تفتخر، أقول لك ما ينقصك. وما فتئت الدول الأوروبية تعزيز علاقاتها بالدول الشرق أوسطية، وخاصة الإسلامية، والدفع بها قدماً نحو فضاءات أرحب من التعاون بمختلف المجالات، إلا ويظهر أحد الحمقى ليكرس الدعوات نحو الكراهية أو التمييز أو العنصرية أو التحريض او الإساءة للمقدسات الدينية؛ عبر جملة من الأعمال الاستفزازية، والتي جاء آخرها إقرار السلطات السويدية عبر سماحها لأحد المنتمين لحزب اليمين المتطرف، والذي أَنأى بنفسي عالياً عن ذكر اسمه، بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم، في يوم السبت ٢١ يناير الجاري، وهو ما أثار موجة استنكار واسعة وإدانات بأشد العبارات من الدول الإسلامية؛ وعلى رأسها المملكة حيال هذه الممارسات المهينة لمشاعر المسلمين كافة. إن الجدلية المستمرة التي ينفرد بها اليمين السياسي المتطرف في نظرته للحقوق الديمقراطية، ومن جهة أخرى للقيم المقدسة؛ يعد بلا شك أمراً مستهجناً ومستنكراً وغير مقبولاً على كافة المستويات، فالواجب عدم استخدام الاستهجان كوسيلة لتغليب لغة العاطفة المؤدية للعنف؛ على تحكيم صوت العقل ورباطة الجأش، بل نستمد هذا القول الذي أختم به بقوله تعالى: (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره). أخبار ذات صلة
مشاركة :