عقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الدورة الأولى من الولاية الثانية، يومي الاثنين 09 والثلاثاء 10 يناير 2023، وألقيت عروض حول مشاريع إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وشملت على النحو التالي: – عرض حول “خارطة الطريق 2022-2026، من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع″، لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. – عرض حول “المخطط الوطني لتسريــع تـحــــول منظومة التعليم العـالـي والبحث العلمي والابتكار”، لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. – عرض حول “خارطة الطريق لتنمية التكوين المهني”، لوزير الإدماج الاقتصادي، والمقاولة الصغرى ،والتشغيل والكفاءات. وكما هو معلوم، فالمجلس له مهام استشارية في أفق من التفكير الاستراتيجي، ويقوم بمهام اقتراحية في كل ما يهم المنظومة التربوية، وله مهام تقييمية لرصد تطور المنظومة . وقد قدمت العروض معطيات تشخيصية وتحديات ومسارات للإصلاح إلى حدود 2026، وقد تخلل عرض التعليم المدرسي مؤشرات مقلقة، من قبيل 70% من التلاميذ لا يتحكمون في المقرر الدراسي ، 25 % فقط من التلاميذ يشاركون في الأنشطة الموازية و 300 ألف ينقطعون عن الدراسة سنويا. وقدمت خارطة طريق تتكون من 3 أهداف استراتيجية، وهي تحقيق إلزامية التعليم وضمان جودة التعلمات وتعزيز التفتح والمواطنة، و 12 التزاما، ووُضعت شروط للنجاح وهي الحكامة ، والتزام الفاعلين والتمويل. وإجمالا يمكن القول أن خارطة الطريق 2022-2026 ارتكزت على ثلاثة مقومات وهي تأمين إلزامية التعليم والجودة والأثر . ونحن في السنة الثامنة من مسار إصلاح منظومة التربية والتكوين، كان الأجدر في تقديري، أن ينظم المجلس الأعلى لقاء داخليا لمناقشة ما تم تفعيله وإعماله لتنزيل القانون الإطار 51.17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي يترجم الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ، قبل الشروع في الاستماع ومناقشة العروض القطاعية . عند قراءة وتفحص منهجية ومضامين العرض الخاص بالتعليم المدرسي، الذي قدمه وزير التربية الوطنية، تطرح ثلاثة أسئلة: 1- السؤال الأول، ويهم التراكم والترصيد في سياسة الإصلاح، وهذا يحيلنا على سؤال كلفة زمن الإصلاح، ذلك أن زمن الرؤية الاستراتيجية حدد في 15 سنة، ومن سنة 2015 إلى سنة 2022 ، توالى على القطاع أربعة وزراء، وفي سنة 2020 ، تم وضع حقيبة مشاريع تنزيل القانون الإطار 51.17 وإرساء آلية للتتبع بنص تنظيمي، ومخطط لإعداد وإصدار حقيبة من النصوص التشريعية والتنظيمية للقانون الإطار 51.17 ؛ وفي سنة 2022 ، يتم إعداد وتقديم خارطة جديدة للطريق 2026، وهي الخارطة التي أخذت زمنا تشاوريا تجاوز السنة . هل كان من الجدوى القيام بوضع خارطة طريق وتنظيم مشاورات جديدة للأولويات؟ أم كان يمكن الترصيد والاستمرارية مع إعادة ترتيب الأولويات وضبط الإيقاع الإصلاحي؟ إن الغاية من تحويل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 إلى القانون الإطار 51.17 هو تأمين النفس الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين، لأن توالي الإصلاحات بدون تراكم وترصيد ، يفقد الثقة لدى الفاعلين المعنيين ، وينهك ويضعف إيقاع التدبير. وما يؤكد هذا المنظور التجزيئي لمسار الإصلاح، هو التصريح أثناء تقديم العرض الوزاري، أن التقييمات الدولية المقبلة لسنتي 2023 و 2024 ، لن تقيس أثر إصلاح خارطة الإصلاح ، بل يجب أن ننتظر تقييم الأثر في التقييمات الدولية لسنة 2026 ، ولكن السؤال ، هو أن سبع سنوات 2015-2022 تشكل مسارا إصلاحيا من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ، وهو مسار معني بقياس الأثر، لأن الأطفال الذين سجلوا في المستوى الأول ابتدائي سنة 2015 ، غالبيتهم هذه السنة يدرسون بسلك الثانوي الإعدادي. 2- السؤال الثاني، يتعلق بشروط النجاح، والتي حددتها خارطة الطريق في ثلاثة؛ وهي الحكامة ، والتزام الفاعلين والتمويل. والسؤال هل نحن إزاء مخاطر محتملة risques potentiels أم مستلزمات للنجاح préalables requis، ذلك أن التزام الفاعلين وتأمين الالتقائية convergeance، ولا سيما على المستوى الترابي يشكل أحد الأعطاب التي وقف عليها تقرير النموذج التنموي، وإذا كانت الالتقائية بين الفاعلين العموميين خيار إصلاحي ملزم اليوم، فإن التحدي هو في كيفية تعبئة وضمان التزام باقي الفاعلين ، ولاسيما القطاع الخاص والمجتمع المدني . إن إصلاح منظومة التربية والتكوين أولوية وطنية، وله كلفة، والاستمرار في رهنه بشروط للنجاح، هو كما الإعلان عن إمكانية فشله. 3- السؤال الثالث، ويهم مشاريع الإصلاح المهيكلة لمنظومة التعليم المدرسي، والتي ستشكل لا محالة أهم التحديات المقلقة للارتقاء بالمدرسة المغربية وجعلها ذات جودة ومنصفة وعادلة . ولتحقيق الجودة والإنصاف، والتي هي غايات الرؤية الاستراتيجية، لابد من الرجوع إلى مجموعة من الوثائق المرجعية، ولا سيما الرؤية الاستراتيجية 2018-2030 والميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض المتعلق بالمناهج والتقارير التقييمية الدورية، منذ التقرير التقييمي النصف المرحلي لسنة 2008 لعشرية الإصلاح 2000-2010، مرورا بتقرير إنجاز البرنامج الاستعجالي 2009-2011، والتقويمات الوطنية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والتقييمات الدولية TIMSS/PIRLS/PISA، وليس للتشخيص والوقوف على مكامن الضعف، ولكن لفهم، كيف دبرنا مسار الإصلاح ، ولماذا نتعثر في السير، وما هي الحلول المبتكرة والجريئة للاستدراك . ولعل أهم الورش العالقة اليوم ، والتي ستشكل تحديات كبيرة وهي : – ورش التعليم الأولي Préscolaire ؛ ذلك أن تعميمه يشكل تحديا استراتيجيا، ولاسيما في المجالات الهشة والقروية ، كما أن الجودة مطروحة بحدة للنهوض بالتعليم الأولي، لقد بدأ ارساء هذا الورش بعملية تفويض الخدمة التربوية للجمعيات ، والسؤال هل التعليم الأولي مكون من مكونات المنظومة، ومسؤولية سياسية لتأمين إلزامية التعليم ، إذا كان كذلك، فالدولة ملزمة بضمان هذه الخدمة العمومية، ويمكن أن تفوض للجمعيات خدمات موازية داعمة للتعليم الأولي. – ورش الحكامة Gouvernnace ، والتي هي أساسا تعني المسؤولية والمشاركة والشفافية والنجاعة ، والحكامة اليوم تتطلب تأطيرا قانونيا وتنظيميا جديدا لبنيات التدبير بمستوياتها الأربعة مركزي وجهوي وإقليمي ومحلي، وإعادة النظر في أسلوب التخطيط وجعله مزدوجا ، تصاعدي من المؤسسة وتنازلي بتأطير استراتيجي، مع جرعة من الجرأة لتفويض الاختصاصات والاشتغال على المؤسسة التعليمية، وإرساء التعاقد وإعطاء إمكانيات للمؤسسات للقرار والصرف المالي مع تأمين المواكبة، والانتقال من التقطيع الجماعاتي إلى التقطيع التربوي، من خلال العمل بالحوض المدرسي Bassin scolaire ، وإرساء أقطاب تربوية تجمع الحوض والأحواض المدرسية، في إطار رؤية مشتركة وتعاضد للممارسات والموارد . وفي هذا الإطار ، لوحظ إغفال في العرض الوزاري لمشروع المؤسسة كآلية للتدبير والتعاقد، ومدخل للارتقاء بأداء المؤسسات، بل أن مشروع المؤسسة هو آلية للارتقاء بالحكامة التربوية. – ورش إرساء وتأمين الجودة Assurance qualité ، ويحتاج هذا الورش إلى منظومة متكاملة بمعايير ومؤشرات تسمح بقياس جودة التعلمات والتكوين وأداء المؤسسة التعليمية . مع ربط التتبع والتقويم ببنيات مهيكلة، وتفادي التدبير المزدوج للمنظومة، تدبير نظامي في إطار المنظام ، وهيكلة وظيفية موازية ، وهو ما لم يعطي النتائج المتوخاة في البرامج السابقة. – ورش المناهج Curricula ، معلوم أن المنهاج هو الوسيلة لتصريف السياسة التربوية، وهو في صلب الإصلاح ، وظل إيقاع إصلاح المناهج مترددا، بمبادرات متقطعة ، من قبيل ما حدث لبيداغوجيا الإدماج ، ولابد اليوم من تقييم دقيق وموضوعي، لتقييم ما أنجز على مستوى المناهج ، منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وأساسا منذ الكتاب الأبيض، ولماذا تعثر ورش إصلاح المناهج، وأي علاقة ترابطية بين المناهج وتدني مؤشرات التحكم في المقرر الدراسي، وهل يحتاج هذا الورش إلى حكامة بآلية تتمتع بصفة اعتبارية واستقلالية عن التدبير والإيقاع الإداري. لابد أن نقول أن المنظومة تعيش أزمة نموذج بيداغوجي حقيقي، وسؤال المناهج يحيلنا على البحث التربوي التطبيقي والتدخلي، والذي لم تنجح المنظومة في إرسائه كبنيات وممارسات، بل نفتقد لمنظومة ابتكارية، تُرصد وتثمن الممارسات الفضلى، وكان من الممكن أن يساعد البحث التربوي صناع القرار على فهم الكثير من المعضلات واتخاذ القرارات الفعالة والناجعة لكثير من المعضلات البيداغوجية الصفية . إن ورش إصلاح المناهج، لا يفترض فقط تجديد التوجهات والمحددات والمقاربات ، بل تقييم فعالية ونجاعة الزمني المدرسي غلافا وإيقاعا وتنظيما ، وكذلك مراجعة جريئة لنظام التقويم المعتمد، كما نص على ذلك القانون الإطار 51.17 ، لأنه لا يُعقل أن ترتفع مؤشرات النجاح في الامتحانات الإشهادية، ولا يرافق هذا الارتفاع مؤشرات جودة التعليمات . – ورش اللغات، سواء ما يتعلق بلغات التدريس أو تدريس اللغات، نحن إزاء معضلة لغوية حقيقية ، تتمظهر في ضعف مؤشرات التحكم اللغوي، أكدتها مختلف التقويمات، سواء البرنامج الوطني لتقويم التعلمات PNEA أو التقويمات الدولية TIMSS/PISA/PIRLS . ويتجدد طرح السؤال، هل التناوب اللغوي alternance linguistique، الذي طرحته الرؤية الاستراتيجية كأسلوب للتمكن اللغوي للغات الأجنبية، كان فعالا وناجعا، وهل النقاش حول رهان التدريس باللغة الإنجليزية، يمكن أن يطرح في أجندة الإصلاح اليوم . وإذا كان تنوع روافد الثقافة المغربية والتعدد اللغوي في بلادنا، يشكلان غنى حضاريا مجتمعيا ، فإن التلاميذ على مستوى التعليم والتعلم اللغوي، يواجهون تعددا لغويا يصل إلى تعدد في الرسم والكتابة، وهو ما يحتاج إلى ابتكار أساليب ملائمة للنهوض بتدريس اللغات. ورش الإنصاف والنوع والتنوع الوظيفي équité et diversité fonctionnelle : غاية الرؤية الاستراتيجية هو إرساء مدرسة ذات جودة ومنصفة وعادلة، وقد لوحظ أن خارطة الطريق أغفلت مكونا أساسيا يتعلق بالتربية الدامجة للتلاميذ في وضعية إعاقة، ذوي التنوع الوظيفي، ويبدو أن اختزال الرافعة الرابعة للرؤية الاستراتيجية في الالتزام الثالث لخارطة الطريق، والمتعلق بدعم التلاميذ المتعثرين وذوي الصعوبات هو غير وجيه، ذلك أن التعليم الدامج والتنوع الوظيفي مقتضى قانوني صريح في القانون الإطار 51.17 ، ولابد أن تستمر منظورية الإعاقة / التنوع الوظيفي visibilité ، وللتذكير فإن 120 ألف تلميذ وتلميذة في وضعية إعاقة المسجلين في منظومة مسار، ودون إغفال الإعاقات غير المرئية ، ولاسيما اضطرابات التعلم الخاصة LES DYS ، والتي تقارب 5% من مجموع التلميذات والتلاميذ، ويفترض أن نسبة كبيرة منهم ضمن 300 ألف تلميذ وتلميذة الذين يغادرون منظومة التربية والتكوين . ومعلوم أن الأنظمة التربوية الجيدة والمصنفة عالميا، نجحت في المزاوجة بين الجودة وحسن الأداء والإنصاف équité et performance، لأن التنوع الوظيفي ، يفترض تنويع الأساليب التربوية والبيداغوجية وملاءمتها ، وهو ما يفيد ضمنيا أغلب التلميذات والتلاميذ، وهذا يتطلب تكثيف التكوين في الممارسات البيداغوجية الملائمة وتعميم قاعات الموارد ووضع منهاج مرن يسمح بالملاءمة ، لتكييف التعلمات التكييف البيداغوجي للمراقبة المستمرة الامتحانات الإشهادية ، وتمكين المدرس/ المدرسة من الهامش الزمني للابتكار وضبط الإيقاعات التعلمية، وفي إطار الحديث عن النوع genre، وارتكازا على معطيات إحصائية منذ 2009 ، تبين بارتفاع مؤشر التميز الدراسي للتلميذات، وأن التلميذات أقل مغادرة للمدرسة وأكثر تميزا، وهو ما يسائلنا جميعا في فهم طبيعة اندحار مؤشرات التلاميذ مقابل ارتفاع المؤشرات ذات الصلة بالتلميذات
مشاركة :