الجزائر - تمكن إبراهيم غالي من الفوز مرة أخرى برئاسة جبهة البوليساريو بدعم جزائري بعدما جرى تمديد أشغال المؤتمر السادس عشر للجبهة وسط حالة من الفوضى والاحتقان داخل ما يسميه الانفصاليون بـ'مخيم الداخلة' على بعد 175 كلم من مخيم تندوف في جنوب غرب الجزائر. اعتراضا على ممارسات غالي والمحيطين به من إقصاء للناخبين المعارضين له ولتيار شبابي تمرد على الحرس القديم في الجبهة بسبب الفساد المالي والتهميش. وتخطط الجزائر لتصعيد ضد المغرب وسط توتر وقطيعة دبلوماسية منذ أغسطس/اب من العام الماضي ودفعت بقوة لإقصاء التيار المناوئ لغالي والذي يفضل تسوية للنزاع المفتعل في الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي تقترحه الرباط منذ سنوات. وانعقد المؤتمر السادس عشر للجبهة الانفصالية تحت شعار التصعيد ضد المغرب، ما يشير إلى توجه جزائري لتأجيج النزاع بينما يواصل المغرب الدفع لتسوية سياسية للنزاع المفتعل. وكان متوقعا في ظل انتشار أمني جزائري سري وسط الناخبين الصحراويين أن يتم التجديد لغالي في أجواء من الترهيب، اشتكى منه التيار المعارض داخل الجبهة، بينما اتسعت الخلافات والصراعات القبلية بين الجناح الداعم لكبير الانفصاليين (إبراهيم غالي) ومنافسه بشير مصطفى. وقالت مصادر من مخيم المؤتمر إن غالي (73 عاما) الذي يشغل منصبه منذ عام 2016 حصل على 69 بالمئة من الأصوات مقابل 31 بالمئة لمنافسه بشير مصطفى في تصويت شارك فيه 1870 مندوبا في مؤتمر افتتح في 13 يناير/كانون الثاني وانتهى مساء أمس الجمعة في مخيم للمحتجزين الصحراويين على بعد 175 كيلومترا من مدينة تندوف في جنوب غرب الجزائر. وتواجه جبهة البوليساريو الانفصالية متغيرات داخلية مع تنامي تيار من الشباب معارض لكبار الانفصاليين ولتمعشهم من النزاع المفتعل في الصحراء على حساب الصحراويين المحتجزين في تندوف، وسط قناعة بأنهم يتخذون من هذا النزاع مطية للتكسب ولمراكمة ثرواتهم في الجزائر وخارجها. وبسبب هذا الوضع لم تتوصل الأطراف المشاركة في المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو لاتفاق ينهي أزمة زعامة الجبهة التي يتنافس عليها إبراهيم غالي المنتهية ولايته والبشير مصطفى السيد، وسط خلافات وصراعات قبلية دفعت إلى تمديد المؤتمر في مناسبتين، إلا بعد تمديد أشغال المؤتمر. وكان يفترض أن تنتهي أشغال المؤتمر يوم الثلاثاء الماضي وجرى تمديده إلى الجمعة، في حين أشارت تقارير إعلامية إلى أن ذلك مرده تفاقم الخلافات الداخلية مع تنامي المعارضين لترشح غالي لولاية ثانية بدفع من الجزائر. وشهدت جلسات المؤتمر أمس الجمعة تلاسنا خاصة عند مناقشة التقرير المالي الذي طغى على كثير من بنوده الغموض وجزء منها يتعلق بالنفقات وسط اتهامات لغالي وحاشيته بالكسب والثراء على حساب معاناة سكان مخيم تندوف وتربحهم من الوضع الإنساني من خلال تحويل وجهة الأموال الدولية المخصصة للصحراويين في المخيم. وواجه غالي الملاحق في قضايا تتعلق بجرائم حرب ضد الانسانية تشمل الخطف والتعذيب والاخفاء القسري، معارضة شديدة خاصة من قبل الشباب الصحراويين المعارضين لنهجه والذين يعتقدون بقوة أن كثير من قادة الجبهة يتزاحمون على المناصب من أجل مصالحهم المالية، بينما يعيش سكان مخيم تندوف وضعا معيشيا مزريا، فيما تتزايد ثروات قيادات في كل من الجزائر وأوروبا. ونقل موقع 'هسبريس' المغربي عن مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية عبدالفتاح الفاتحي قوله "المؤتمر السادس عشر للجبهة يعيش عزلة حقيقية بسبب المعارضة الواسعة التي أبداها شباب المخيمات المحتجزين بتندوف إزاء مسألة انتخاب القيادة الجديدة". وتابع "الوعود الكاذبة لجبهة البوليساريو سقطت بصفة نهائية بعدما تبين للشباب الصحراوي المحتجز بتندوف زيف الحقائق المروجة في العقود الماضية، بفعل المعلومات والمعطيات التي يتم تداولها بمواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن الرقابة التي تفرضها الجبهة على الساكنة (السكان)". وأشار الباحث إلى تغيرات في المشهد في السنوات الأخيرة تميزت بالصدام بين قادة الجبهة الذين يحاولون التمسك بزمام السلطة رغم إخفاقاتهم، وبين جيل جديد من الشباب. وقال "مرحلة إبراهيم غالي تميزت بإخفاقات سياسية ودبلوماسية متوالية، ما أدى إلى تراجع الموقف التفاوضي للنظام العسكري الجزائري"، مضيفا "الشباب الحالي يصطدم مع الرعيل الأول للجبهة الذي يحاول الإمساك بزمام السلطة رغم الإخفاق السياسي". ولا يمكن فهم الوضع الراهن داخل الجبهة الانفصالية بمعزل عن الدور الجزائري، حيث يسعى النظام الجزائري لصناعة قيادة على مقاس أجندتها السياسية، وسط توجس من تنامي عدد الداعمين من الصحراويين في تندوف لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. ويرغب كثير من سكان مخيم تندوف في التحرر من قبضة قيادة البوليساريو وسلطة الوصاية الجزائرية والانخراط في حياة طبيعية بعيد عن النزاع المفتعل والصراعات العبثية التي يقودها إبراهيم غالي ومن معه. ويقول مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية "الجزائر تسعى دوما إلى الهيمنة على قيادة البوليساريو بما يتوافق مع نسقها السياسي وهو ما يعارضه الجيل الجديد من الشباب الذي يريد التعبير عن مواقفه السياسية بما يتماشى مع المتغيرات الدولية الحاصلة في النزاع المفتعل". وفي مقابل برامج تنموية من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وهي برامج واعدة بدأت تؤتي ثمارها لجهة التنمية والمشاريع الاقتصادية وتوفير مواطن الشغل، لم تقدم الجبهة الانفصالية للمحتجزين في تندوف شيا سوى مضاعفة معاناتهم. وتجمع كل المؤشرات على أن الصحراء المغربية في طريقها للتحول إلى قطب استثماري عالمي على ضوء البرامج والخطط الطموحة التي أرساها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
مشاركة :