نجح أربعة أعضاء من مجلس الشورى، والذي أطلق عليه تكتل (3+1) من تحويل مقترح تعديلات على بعض أنظمة «الأحوال المدنية» إلى واقع، إذ أعلنت وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية بدء استخراجها سجلات الأسرة للمرأة السعودية، مشيرة إلى ضرورة وجود بطاقة أحوال مدنية للمرأة الراغبة في استخراج سجل الأسرة. القرار الذي طرح في المجلس منتصف العام الماضي، وتقدم به أربعة أعضاء «الدكتورة لطيفة الشعلان، الأميرة سارة الفيصل، الدكتورة هيا المنيع، الدكتور ناصر بن داود»، لقي ردات فعل غاضبة من تيارات متشددة داخل السعودية، حتى وصل الأمر لشتم وقذف الشعلان علانية في مواقع التواصل الاجتماعي، كونها أكثر الأسماء المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي. وتراهن سيدات على الكوتة النسائية كثيرا، بيد أن عبير سالم التي انتهت قبل أشهر من مرحلة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز شددت على ضرورة استمرار ما اسمته بتكتل (3+1) الذي قدم اقتراح «منح الأم السعودية سجل الأسرة» بالاستمرارية في دعم الملفات النسائية وتعديل بعض الأنظمة التي تحول بينها وبين نيل حقوقها كما ترى. «عكاظ» تقدم بروفايل عن كل عضو من التكتل الذي نجح في تمرير القرار. الشعلان.. سيدة حديدية تقارع الظلام منذ انعقاد أول جلسة لمجلس الشورى في تشكيله التاريخي (30 سيدة للمرة الأولى يحضرن كأعضاء تحت قبة المجلس)، وتحديدا في أواخر فبراير من عام 2013، برز اسم نسائي بين أعضاء المجلس، بعد أن عمد إلى تقديم مقترحات عدة نجم عنها تمرير قرارات كبيرة لمصلحة المرأة السعودية. لطيفة الشعلان من الأسماء الأكثر تداولا منذ أول جلسة، (عقدت صبيحة يوم الـ24 من فبراير قبل عامين) بحثت الفلسفة في علم النفس طالبة دكتوراة، بعد أن نالت ماجستير العلوم في علم النفس من جامعة سري في المملكة المتحدة، وهي الدكتورة التي قضت سنوات طويلة في السلك الأكاديمي بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض متعاقبة على مناصب متعددة. السيدة الحديدية كما يسميها مثقفون، احترفت المقال الفكري، إذ انتظمت على كتابة مقال في مجلة المجلة أعواماً عدة، وعرفتها النخبة الثقافية في السعودية من خلال مقالاتها التي بدأت في عام 2000 حتى 2007، بيد أنها لم تنقطع عن الكتابة، إذ كتبت سلسلة مقالات في الزميلة الحياة تناولت في أغلبها انتقاد التشدد الديني. ويبدو أن الشعلان تفضل الخيار الثالث «العمل الدؤوب حتى لو كانت النتائج متباعدة وصغيرة»، من باقي الخيارين المطروحين في مقالها في الزميلة «الحياة» «إما جلد الذات وهجاء العالم، وإما ترك كل هذا والانصراف لشأن آخر»، إذ واجهت السيدة القوية انتقادات كبيرة من قبل تيارات متشددة في البلاد. نشاط الشعلان تحت قبة المجلس جعل متشددين ينالون منها شتما وقذفا على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات لها بمحاولة «التغريب»، بيد أن سيدة القبة، انطلقت بشكوى قضائية شجاعة أخيرا إلى أروقة المحاكم ضد مغرد أساء إليها، ولا تزال القضية محل اهتمام كثير من المتابعين. دفعت الشعلان بكثير من القرارات ومقترحات التعديل على أنظمة قائمة، ترى فيها عدم إعطاء المرأة حقها وتكبيلها أحيانا، فمدونة الأسرة، ونظام الأحوال المدنية، قانون التحرش، نظام حقوق ذوي الإعاقة في المملكة، ونظام إضافة صحة المرأة للنظام الصحي والمطالبة بتوفير العنصر النسائي ضمن كوادر هيئة الهلال الأحمر دليل على حراك لا يهدأ. كما طالبت برفقة زميلاتها في أكثر من مناسبة باستحداث وظائف نسائية في قطاعات حكومية متعددة، بمشاركة زميلاتها في الشورى وخصوصا رفيقة دربها هيا المنيع. وترى الشعلان في أن «التغيير في مجتمعاتنا ليس سهلا، ولا يحدث بين عشية وضحاها، بل هو عملية تراكمية طويلة يقوم بها أناس ويتابعها آخرون»، وتحاول من خلال صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي، نشر مزيد من نفحات التسامح والانفتاح. وتبقى مستمرة في طريقها الرامي إلى إيجاد فرص أكثر للنساء في العمل ونيل الحقوق، على الرغم من كل التراشق حولها، وكل التهم والشتائم الموجهة إليها من «معرفات» تعودت على الظلم والعيش في جنح الظلام، إلا أنها متماسكة أكثر من قبل، كما يقول صحافي عمد إلى تغطية الجلسات المفتوحة تحت قبة المجلس، بل تخرج في كل مرة أكثر قوة. المنيع.. واثقة متماسكة من الصحافة إلى الشورى بين بداية دخولها بلاط صاحبة الجلالة، إلى تعيينها عضوة تحت قبة مجلس الشورى أعواماً عديدة من الركض الصحافي المنتج الذي كان معقداً بالنسبة لمرأة تعمل صحافية وتبحث عن الحقيقة وتشارك في إظهار قضايا بنات جلدتها، لم يكن الطريق أمام هيا المنيع معبداً بالورود، إذ شكلت تحدياً كبيراً لرافضي حضور المرأة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي برفقة زميلاتها في العمل كصحافية في الزميلة «الرياض». المنيع اسم ارتبط بالقضايا الحقوقية المثيرة للجدل حول المرأة، ولم يكن يغير قرار في مجلس الشورى من منهجها الذي اختارته منذ أن وطأة قدمها بلاط صاحبة الجلالة، إذ طالبت في وقت مبكر بمجلس الشورى بالسماح للسيدات في المملكة بقيادة السيارة مع زميلتها لطيفة الشعلان، وصحبت توصيتها صخبا وجدلا كبيرين. الأكاديمية هيا المنيع أحد أبرز الوجوه النسائية التي ظهرت كناشطات في الحقوق النسوية في البلاد، وعملت في السلك الأكاديمي، كما ترأست لجان نسائية في معارض دولية مهمة، وعمدت على كتابة في زاوية شبه يومية في جريدة الرياض باسم “أشعة الشمس”، كما تناولت قضايا جريئة حول المرأة وحقوقها. الكتابة لعقدين من الزمن في الهم العام يصنع رؤية ناضجة في كثير من التجارب، والمنيع التي انتقلت من الرياض الصحيفة إلى مقر “مجلس الشورى في ذات المدينة، عرفت ككاتبة بارزة في الشأن الثقافي والاجتماعي، وكانت من أرباب التنوير، ومن أوائل السيدات السعوديات اللواتي تبوئنا مناصب قيادية في الصحافة السعودية. وتنظر تيارات متشددة في البلاد بريبة إلى أراء الدكتورة هيا المنيع وعدد من زميلاتها تحت قبة المجلس، ويتعرضن للشتم أحياناً والإساءة من حسابات “غير واضحة المعالم”، بيد أنها تحمل توجه متشدد، كما يرصد مراقبون لمواقع التواصل الاجتماعي. وتقول المنيع في مقال نشر في الـ23 من يناير الجاري في الزميلة «الرياض»، إنه نه حين تحضر المرأة يرتبك القرار، مؤكدة وجود اشكالية لدى بعض المسؤولين مع حضور المرأة، “لن يحلها الا النظام والقانون والتشريعات التي لابد من تعاملها مع المرأة كمواطن كامل الاهلية”. الفيصل.. ابنة الملك المنافحة عن بنات جلدتها من بيت الفيصل الملك، برز اسم الأميرة سارة، التي نالت في أبريل 2013 وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديرا لجهودها في دعم قضايا المرأة، الأميرة التي لا تحب الظهور الإعلامي كثيرا، برزت كناشطة في حقوق المرأة، حتى إنها برفقة شقيقتها الأميرة لولوة وسيدتين أخريين أسسن جمعية نسائية معنية بنهضة المرأة في ستينات القرن الماضي. ابنة الفيصل الملتزمة بالتعاليم الملكية الصارمة، لا تظهر كثيرا في الإعلام، بيد أنها كانت استثنائية حينما أسست برفقة شقيقتها الأميرة لولوة وسيدتين أخريين أول جمعية خيرية نسائية، في الوقت الذي كانت النظرة الذكورية تجاه المرأة متوغلة في مناح عديدة في البلاد. ومنذ انطلاق جمعية النهضة النسائية الخيرية (تشير مصادر تاريخية إلى أنها أول جمعية خيرية في البلاد)، برز اسم الأميرة سارة، بتلك الخطوة في المجتمع السعودي، بيد أن الأميرة ظلت تلتزم الصمت، وسط يقين منها -على ما يبدو- أن العمل وحده كفيل بالإنجاز. دور الأميرة سارة الفعال في مجلس الشورى كان نتاجا لتجليات تاريخية حتمية كما يرى صحافي عمد إلى تغطية جلسات «الشورى»، إذ كانت الأميرة سارة فاعلة في الحراك النسوي السعودي، وتولت رئاسة ملتقى نساء الأسرة الحاكمة، ورئاسة مجلس أمناء جامعة عفت الأهلية، ولم يكن مفاجئا أن وقع عليها الاختيار الملكي لعضوية مجلس الشورى للمرة الأولى في تاريخ المرأة السعودية. تقول الأميرة في حوار صحافي نادر، إن توظيف مساهمة المرأة في المجتمع بشكل صحيح كفيل بجعل مساهمتها نقلة مجتمعية واقتصادية شريطة أن يتناسب التوظيف مع إمكاناتها ومسؤولياتها. ووضعت الأميرة سارة ورفيقاتها في الجمعية الأقدم هاجس القضاء على الأمية في الأوساط النسوية هدفا من أهداف الجمعية، إذ كانت الأمية منتشرة بين النساء في ستينات القرن الماضي، كما حاولت تنظيم دروس في اللغة العربية واللغة الإنجليزية والفرنسية والآلة الكاتبة. ونجحت الجمعية في تأسيس أول مكتبة نسائية في الرياض في أواخر سبعينات القرن الماضي، إذ كان حراك الأميرة الشابة لا يهدأ وكان دعم والدها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز في مجال تطوير المرأة السعودية لا محدودا، كما تصفه في إحدى مقابلاتها الصحفية. دفعت الأميرة برفقة زميلاتها تحت قبة الشورى بقرارات تصب تجاه المرأة، ويبدو أن نجاعة مطالبهن بدأت تترجم فعليا في بعض الاقتراحات، حتى بات المزاج العام لمراقبي المجلس معتادا على العمل المتواصل والدفع في اتجاه تعديل قوانين تمس المرأة كـ «مدونة الأسرة، قانون التحرش، نظام الأحوال المدنية، نظام حقوق ذوي الإعاقة في المملكة، ونظام إضافة صحة المرأة للنظام الصحي». ابن داود.. قاض مستقل انتصر للمرأة في سبتمبر من العام الماضي، كان لافتا أن يكون اسم قاض سابق موجودا في توصية لتعديل بعض أنظمة الأحوال المدنية من ضمن ثلاث عضوات، تمنح السيدة السعودية حق استخراج سجلات عائلتها باسمها، بيد أن المراقب لآراء عضو مجلس الشورى الدكتور ناصر بن داود يرى أن القاضي السابق من أكثر الشخوص معرفة بمعاناة المرأة في كثير من الأنظمة. الدكتور ناصر بن داود المولود عام 1958، عمل في السلك القضائي بعد أن حاز على درجة الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء في العاصمة الرياض قبل 15 عاما. ولعل الاستبيان الأخير الذي طرحه في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» كان مثار جدل، وخرج بأن ضعف المؤسسة الدينية في النظر للأحداث ساهم في إضعاف تأثيرها على المجتمع، ويرى تعليقا على ذلك أنه كلما ازداد اقتراب عالم الدين من مجتمعه وتقبله منهم كلما كان مدركا لما يشغلهم، محيطا بما يهمهم، مستوعبا لظروفهم وقضاياهم. ويمارس ابن داود نقدا داخليا للقضايا المتعلقة بالفتاوى والتيارات الإسلامية، ويطالب علانية «بضرورة تطوير مهارات علماء الدين في إدراك حاجات الناس ومستجدات الحياة أولا فأول؛ ضمانا لسلامة النظر وصحة التعليل وصواب الرأي المستهدف».
مشاركة :