1 - يرى البعض أنه لا يوجد فكر عربي جماعي أو مدرسة فكرية عربية، ولكن يوجد مفكرون فرادى لا يأتون بالجديد الحديث بل يسخّرون جهدهم لنقض ونقد كل جديد حديث.. فلا أحد يعمل وفق مشروع فكري بجهد جماعي منظم مخطط ذي منهج محدد، بل وفق أهواء وشذرات متفرقة ذات اتجاهات مختلفة غايتها الحقيقية شخصية لا فكرية. 2- وحينما ينفون وجود فكر عربي وإن لم ينفوا وجود مفكرين عرب، ينطلقون من أنه لا وجود لمنظومة فكرية عربية خالصة، فهناك فكر إسلامي وهناك فكر غربي.. وما المفكرون العرب إلا بين هذين الفكرين.. فالمفكرون العرب الذين يتبعون المدرسة الإسلامية هم في حالة حرب ومناكفة مع المفكرين العرب الذين يتبعون مدرسة الفكر الغربي.. وكلهم لا يأتون بجديد بل هم في حالة اجترار لما قاله مَنْ قبلهم من المفكرين المسلمين أو الأوروبيين. 3- كما يزيدون أن الفكر الإسلامي ليس عربياً، لأن غالبية مفكريه ليسوا من العرب وحتى لو كتبوا فكرهم باللغة العربية، فما اللغة سوى وعاء لا أكثر.. وأن مناهج الفكر الإسلامي مثل علم أصول الفقه التي يقوم عليها منهج استنباط الأحكام من النصوص، أو علم الحديث، أو علم الجُرْح والتعديل، أو علم الرجال، أو علم الكلام، كلها مناهج تبنتها مدارس فكرية أسماها المسلمون «مذهبية».. وهي مدارس تقوم على جدلية العقل والنقل، مثل مذاهب السلفية والمعتزلة والأشاعرة والمتشيعة والإباضية والصوفية.. وهذه لم تُعْتَبر مدارس فكرية بل عُدَّت مذاهب دينية يُكَفِّر بعضها البعض. 4- نحن الآن أمام قضيتين، الأولى إقصاء الفكر الإسلامي عن أن يكون عربياً.. بمعنى أننا أمام جدلية شبيهة إلى حد بعيد بجدلية الحضارة الأموية والعباسية، وهل هي عربية أم إسلامية؟ والقضية الأخرى هي اعتبار أن المدارس الفكرية الإسلامية ما هي إلا نتيجة صراع سياسي وليست حصيلة فكر منهجي خرج باستنباطاته الخاصة، والدليل أنها سُمِّيت «مذاهب». 5- الأكيد أن الحراك الفكري المعاصر لم يعد حراكاً ذا جنسية محددة بل هو حراك إنساني عام.. فالقومية والديموقراطية والشيوعية والاشتراكية واللبرالية والعلمانية فكر إنساني عام.. الذي ابتدعه أولاً هم الأوروبيون ولذلك أسبابه.. ففي عصر الحضارة العربية الإسلامية كان الأوروبيون يعيشون عصورهم الوسطى أو المظلمة.. ثم في عصر النهضة الأوروبية كان بقية العالم يعيشون عصورهم المظلمة.. فالشيوعية مثلاً فكر أوروبي لكن لم يتم تطبيقه إلا في الشرق الآسيوي، وذات الحال في بقية الأفكار التي تم تطبيقها في غير مواطنها الأصلية. 6- أيضاً القول بأنه لا وجود لفكر عربي، وما المفكرون العرب سوى وكلاء للأفكار الغربية، قول فيه تجاوز.. ثم ألا ترون أن نفي العربية عن مناهج الفكر الإسلامي بداعي أن مبتدعيها غير عرب يجعل من الحضارة الأمريكية اليوم حضارة أخرى؟ فلا وجود للأمريكيين الحقيقيين من قبائل تلك القارة، وكل المبدعين في أمريكا هم من المهاجرين الذين أتوا إليها من خارج القارة، فلماذا نقول عنها إذاً الحضارة الأمريكية وليست حضارة المهاجرين؟ 7- لا شك أن دين الإسلام هو الذي شكل الفكر والثقافة العربية، لكن العرب هم الذين وضعوا مناهج ذلك الفكر ونظموا مدارسه حتى ولو كان العاملون عليها من غير العرب.. ولأن الدين هو الوسيلة التي أسست لقيام الحضارة العربية فقد استغرق المسلمون من غير العرب على التأصيل للدين كدين شمولي لكل مناحي الحياة. 8- نفي العربية عن الحضارة الإسلامية، ونفي العربية عن الفكر الإسلامي فيه توجيه شُعُوبي.. هل توافقونني على ذلك؟
مشاركة :