مراكش راشد النعيمي: تواصلت أمس الثلاثاء أعمال مؤتمر حماية حقوق الأقليات في الديار الإسلامية لليوم الثاني على التوالي في مدينة مراكش المغربية، بحضور الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وممثل العاهل المغربي وزير الأوقاف أحمد توفيق، إلى جانب وزراء الأوقاف في البلدان العربية والإسلامية وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، وأمين عام الأمم المتحدة وكوكبة عريضة من ممثلي الأديان في العالم، وسط تفاعل رسمي وشعبي على مستوى واسع عربياً وعالمياً. ويصدر اليوم عن المؤتمر إعلان مراكش الذي يسعى لتطوير إطار شرعي للمواطنة التعاقدية وحماية الأقليات، واستنهاض فعاليات المجتمعات المسلمة وحثّها نحو خلق تيار واسع لحماية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية وابتكار الصيغ والمبادرات الإيجابية التي توطد أواصر التفاهم بين الطوائف الدينية المختلفة في العالم الإسلامي. وسيتم في نهاية أعمال المؤتمر إصدار وثيقة لدعم إعلان مراكش ومناهضة الإسلاموفوبيا والتي تصدرها منظمة أديان من أجل السلام ويوقع عليها جميع الحضور. وتناول المشاركون في المؤتمر أمس جهود محاربة كل أنواع التشدد والعمل على نشر قيم التسامح والحوار بين الأديان واحترام حقوق الأقليات، إضافة إلى التصدي لكافة الأعمال والتجاوزات المتطرفة التي تعكس أحيانا ضعفا في سلطة الدولة، والسلطات الدينية وحالات محلية لإفلاس سياسي. وهي ترسم مشاهد حزينة تعطي الانطباع بلامبالاة بالإنسان، دون اعتبار للمواثيق والاتفاقيات التي تلزم الإنسانية جمعاء باحترام الحقوق الأساسية. وشهد المؤتمر تشكيل مجموعات من القيادات الدينية غير المسلمة تبحث ضمانات المواطنة لدى الأديان إضافة إلى مناقشات في أسس وأهمية الوئام والمحبة بين المواطنين والتضامن بين الأديان ومناقشة الإسلاموفوبيا وغيرها من أنماط الكراهية وآفاق العمل المشترك، إضافة إلى استعراض تجارب الدول المشاركة في مجال حماية الأقليات إلى جانب التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية. وتركزت النقاشات في ضوء الكلمة التأطيرية التي ألقاها الشيخ ابن بيه على البعد الإنساني في الموروث الفقهي بخصوص مسألة حماية التنوع والتعدد الديني في التاريخ الإسلامي، بهدي وإرشاد صحيفة المدينة، وتحدث رجب شانتو أستاذ الدراسات المللية في جامعة أنقرة، فلاحظ أن فقهاء المسلمين تواصلوا مع الموروث الإسلامي، وبخاصة السنّة النبوية الشريفة وأهم علاماتها الخالدة، أو ذروتها الإنسانية الرائدة، المتمثلة بصحيفة المدينة، إلا أن العلماء في تلك المرحلة استنبطوا بدلالات أصولية لا تحتمل اللبس ما عرف باسم النظام المللي، الذي يقوم على قاعدة فقهية، مفادها: الآدمي مكرم شرعاً، بصرف النظر عن جنسه أو دينه، مضيفاً أن تعبير الآدمي آنذاك هو مرادف لمفهوم حقوق الإنسان بلغة اليوم المعاصرة. إلى ذلك تحدث وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في فلسطين يوسف دعيس، فتحدث عن تجربة التعايش بين الأديان الضاربة بعمق التاريخ في هذه المنطقة، بداية من مرحلة الفتح الإسلامي، أو ما عرف باسم العهدة العمرية، وهي تجربة فريدة في الرعاية الإسلامية للتعدد والتنوع الديني في تلك البلاد. من ناحيته تحدث مطران القدس منيب يونان فقال ك أنا مسيحي عربي أولاً وفلسطيني ثانياً ولاجئ ثالثاً. ما يؤكد الظلم والحيف الذي يقع على الفلسطينيين عموماً. مذكراً أن المسيحيين في هذه البلاد هم مسيحيون عرب أصيلون، انطلقوا من القدس برسالة المسيح إلى العالم. ولم يغير واقعهم وأحوالهم في الانتماء والولاء الحكم الإسلامي على مدى قرون. لذلك لا يشعر المسيحيون بأنهم أقلية، ربما هم قلة في العدد، إلا أننا شركاء كاملون بأتراح وأفراح الأمة العربية. وقال حمدان مسلم المزروعي رئيس مجلس إدارة هيئة الهلال الأحمر إن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت نموذجاً إنسانياً وإسلامياً وعربياً مميزاً في الانفتاح على الآخرين والتعامل مع البشر من دون تمييز، تنفيذاً لتعليمات ديننا الحنيف الذي يحث على التعامل الإيجابي مع الديانات الأخرى وهو منهج أرساه المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وسار عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حتى باتت الإمارات تنعم بتعايش مع مختلف الجنسيات التي تحتضنها وانفتاح على دول العالم. وأشار إلى أن المجتمع في الإمارات الذي يتسم بتنوع الأديان والثقافات يوفر حرية التعايش وممارسة الشعائر الدينية، كما يجرم التمييز والكراهية من خلال قانون خاص أصدرته الدولة حماية لهذه الميزة من أية مهددات، كما باتت التجربة الإماراتية في تنظيم الشؤون الإسلامية مدرسة تتطلع إليها وتستفيد منها دول العالم من مختلف الثقافات والأديان، خاصة أن العالم اليوم يبحث عن أنموذج ناجح في هذا التطور ليستفيد من تجربته. وحذر المزروعي من أن الخطاب الديني المتشدد سبب رئيسي للتطرف حيث يتلقى الشباب بعضا من الفتاوى المتطرفة ويطبقونها على الواقع دون دراية أو تمحيص، لذلك كان لزاماً على علماء المسلمين وضع الخطاب الديني في مساره الصحيح. وأكد علي راشد النعيمي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين أن حماية الأقليات يخدم المسلمين قبل غيرهم حيث إن إيضاح الحقوق وإبراز سماحة الإسلام وحقيقته يجعلنا نخلص الإسلام من الاختطاف الذي حدث، نتيجة قيام بعض المتشددين الذين أخذوا روايات معينة من اجتهادات الأئمة وفرضها على الأمة، رغم أنك تجد عدة روايات مختلفة لكن هناك من يلزم الأمة برواية محددة جاءت في وقت وظرف معين أمر لا يتناسب لا مع سماحة الإسلام ولا الشريعة ولا الاجتهاد ولا طبيعة هذا العصر. وأشار إلى أن إعلان مراكش سيبنى في أساسه على وثيقة المدينة ومن المؤمل أن يتحول إلى ممارسة وتطبيق تشريعي في العالم الإسلامي من خلال تحمل الجهات ذات العلاقة مسؤولياتها عبر صناع القرار الذين يحضرون المؤتمر، مما يفتح أفقاً جديداً بين المسلمين وغير المسلمين في العالم الإسلامي ويسهم في إيجاد اللحمة الاجتماعية والسلم الاجتماعي وتأكيد حق المواطنة للجميع وتوجيه كل الموارد لتحقيق الصالح العام والتنمية الشاملة. وأضاف أن كثيرا من الأحكام التي تتعلق بدار الحرب ودار الإسلام والعهد بحاجة إلى رؤية جديدة يقوم بها علماء المسلمين يجتهدون لاستنباط الأحكام من النصوص الشرعية، بما يتوافق مع مقاصد الشريعة وسماحة الإسلام وإنسانية هذا الدين، ولذلك برزت أهمية استعراض موضوع الأقليات في المجتمعات التي قد تهضم حقوقها سواء أكانت أقليات غير مسلمة في العالم الإسلامي أم الأقليات المسلمة وغيرها في العالم والبلدان الأخرى وبالذات في الغرب. وقال النعيمي إننا ارتأينا في البداية إرسال رسالة إلى العالم بأننا نحترم وجود الآخرين معنا في العالم الإسلامي ونعتبر وجودهم حقاً طبيعياً.
مشاركة :