في عام 2022، مالت كفة الاهتمامات الاستراتيجية والأمنية والدفاعية للمملكة المتحدة والدول الأوروبية، نحو أوروبا الشرقية، مع اندلاع الحرب الأوكرانية. وفي ضوء ذلك، توقف التحول نحو الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان هناك تقييم للتطورات الإقليمية، حيث استحوذت قضايا، مثل الاحتجاجات الإيرانية، وطموحات طهران النووية، وتدهور حالة القضية الفلسطينية، وحالات الطوارئ المناخية، وانعدام الأمن الغذائي، والركود الاقتصادي، بجانب احتياجات أمن الطاقة، على اهتمام كبير من الدبلوماسيين الأوروبيين، وصناع السياسة الخارجية. وفي تحليل لكيفية التفاعل البريطاني والأوروبي مع العديد من القضايا الرئيسية خلال عام 2023، بالشرق الأوسط؛ أوضح «توبياس بورك»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن العام الحالي، سيجلب «تحديات كبيرة، ويحث الدول الغربية على الاستعداد لمواجهتها بالشكل المطلوب». في الوقت الذي وصف فيه الاهتمام الأوروبي بالمنطقة عام 2022، بأنه «هادئ نسبيًا»، حيث تراجعت على «قائمة أولوياتهم في خضم أحداث دولية أخرى». وفي المقام الأول، أرجع هذا إلى «التركيز المتزايد على أوكرانيا»، مشيرا إلى أن «الاتجاه العام لخفض التصعيد والتقارب بين القوى الإقليمية»، قد أتاح حاجة أقل إلحاحًا، للتركيز على شؤون الشرق الأوسط، في إشارة إلى كيف أن دول الخليج، «ركزت على المسائل الاقتصادية، بدلاً من الخلافات السياسية»، وكذلك كيف تبنت تركيا، «أجواء تصالحية» مع السعودية، ومصر، وإسرائيل، والإمارات. وفيما يخص المصالح الأساسية للسياسة الخارجية البريطانية والأوروبية، بالشرق الأوسط عام 2023؛ حدد «بورك» قضايا؛ مثل «أمن الطاقة، وإيران، والقضية الفلسطينية، وتركيا، والصراعات الإقليمية التي لم تحل»؛ كمجالات تحظى باهتمام خاص، في حين أضاف أن الطبيعة غير المتوقعة للأحداث الجيوسياسية؛ تقتضي على صناع القرار والمحللين، أن يكونوا مستعدين لمواجهة الأحداث غير المتوقعة. ومن وجهة نظره، كان «السبب الرئيسي» لبقاء الشرق الأوسط، «على جدول أولويات أوروبا في عام 2022»؛ هو «أمن الطاقة». ومع مقاطعة الدول الغربية للنفط والغاز الروسي في أعقاب حربها بأوكرانيا، اضطرت الدول الأوروبية للبحث عن بدائل سريعة من خلال إبرام العديد من الصفقات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى وجه الخصوص، وقعت ألمانيا اتفاقيات خاصة بالطاقة مع الإمارات وقطر، بينما أعربت عن رغبتها في توثيق العلاقات مع السعودية. فيما توصلت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إلى اتفاقيات لزيادة صادرات الطاقة من المنطقة إلى أوروبا. ومن جانبها، تبنت شركة الطاقة الإيطالية (إيني)، فكرة «المحور الجنوبي الشمالي»، ليحل محل الصادرات الروسية مع مبيعات إفريقية على المدى الطويل، بما في ذلك دول شمال إفريقيا التي تزود جيرانها بالفعل بالنفط والغاز الطبيعي. وبالنسبة إلى «بورك»، فإن الاتجاه المتمثل في «تنشيط» العلاقات الثنائية بين أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط على أساس «أمن الطاقة»، «من المقرر أن يستمر في عام 2023»، حيث تمثل صادرات المنطقة، «أفضل أمل لأوروبا في التغلب على أزمة الطاقة المستمرة». ومع ذلك، وإدراكًا لضرورة تجنب الاعتماد على مصدر واحد للنفط والغاز -في ضوء الحالة الروسية- فقد أصر على أن علاقات الطاقة المستقبلية في القارة «لا يمكن اختزالها إلى مجرد معاملات تجارية»، وبدلاً من ذلك، «يجب أن تُفهم على أنها تعهدات إستراتيجية لا يمكن فصلها عن الاعتبارات السياسية والأمنية.» وبشكل كبير، يعتمد هذا أيضًا على توقع أن تظل آسيا السوق الرئيسي للنفط والغاز في الشرق الأوسط. ووفقًا لمركز «بيت آسيا»، فإن تجارة «السعودية» مع «الصين»، بلغ إجماليها أكثر من 81 مليار دولار في عام 2021 -مع تركز جزء كبير من هذا الرقم في مبيعات الطاقة- بما يعني تجاوزها إجمالي التجارة مع كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومنطقة اليورو. ومع توقع نمو قيمة التجارة السنوية بين الصين ودول الخليج من 262 مليار دولار في عام 2020، إلى ما يقرب من 580 مليار دولار بحلول عام 2030؛ فليس من المستغرب أن نرى لماذا لا يعد الاعتماد على صادرات الطاقة في الشرق الأوسط، ضمانًا للاقتصادات الأوروبية. وعليه، خلص «بورك»، إلى أن التعاون المستقبلي في مجال «أمن الطاقة»، بين بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، ودول الشرق الأوسط، «يجب أن يكون مدعومًا، بمقاربات استراتيجية للمنطقة، تدمج الأنشطة التجارية مع الدبلوماسية»، مع التركيز على «الدفاع الفعال والمشاركة الأمنية». علاوة على ذلك، يبقى «السلوك العدواني لإيران، تجاه المعارضة الداخلية والمنافسين الإقليميين والدوليين»، فضلاً عن سعيها المستمر لامتلاك أسلحة نووية، وتزويدها لروسيا بطائرات مُسيرة مسلحة لاستخدامها خلال حربها في أوكرانيا؛ مسألة أخرى مثيرة للقلق، بالنسبة للمملكة المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى أوروبا التي تؤكد أهمية حماية قضايا حقوق الإنسان، فإن ردود الفعل قد انقسمت حيال حملة القمع التي تشنها السلطات الإيرانية ضد ما وصفه «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، بأنه «سيل سياسي من الاحتجاجات، بشأن حماية حقوق المرأة على مستوى البلاد برمتها». ومع إطلاق الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، مجموعة من العقوبات الجديدة ضد أفراد ومنظمات إيرانية، مرتبطة بقوات الأمن في طهران، كانت هناك دعوات قوية للحكومات الغربية لقطع العلاقات الدبلوماسية، كمسألة مبدأ في المقام الأول. وعند النظر في هذا النهج، أشارت «إيلي جيرانمايه»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى أنه بينما يتعين على الدول الغربية «الاستمرار في فضح ومحاسبة إيران علنًا»، جراء الانتهاكات الحقوقية ضد مواطنيها؛ يجب عليهم أيضًا السعي إلى «تطوير الطرق الدبلوماسية»؛ لمحاولة احتواء طموحاتها النووية، ومحاولاتها تقويض الأمن الإقليمي». وفيما يتعلق بالقضية النووية، فإنه مع تعليق المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، «روبرت مالي» في نوفمبر 2022، بأن «المفاوضات قد انهارت بسبب موقف طهران والأحداث الداخلية بالبلاد»؛ فقد أشار «بورك»، إلى الاعتراف المتزايد بأن المفاوضات النووية المتوقفة في فيينا، «قد لاقت حتفها على الأرجح». ومع ذلك، حذرت «جيرانمايه»، من أن أسباب انتهاء هذه المحادثات لا تغير «الحقيقة المتمثلة في أن إيران الآن على بعد أيام قليلة من امتلاك مواد كافية لصنع أسلحة نووية». وعند الاستمرار بالقول إن «المسار الدبلوماسي المعدل، لا يزال يمثل المسار الأكثر فاعلية نحو المضي قدمًا» لمنعها من حيازة مثل هذا النوع من السلاح؛ رأت أنه من «الضروري» على الدول الغربية، «المخاطرة بكل خياراتها على أمل أن يوضع البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة المحلية والآمنة في أي وقت قريب»، مما يعني أن كلاً من «الولايات المتحدة»، وحلفائها الأوروبيين»، بحاجة إلى إيجاد طرق دبلوماسية للخروج من الأزمة النووية». واعترافًا بتعقيدات هذا الأمر، نظرًا لتاريخ إيران في «المماطلة»، بشأن الاقتراحات السابقة لاستعادة «الاتفاق النووي» لعام 2015؛ أوصت «جيرانمايه»، الدبلوماسيين الغربيين بحتمية «وضع تدابير يتم تنفيذها خطوة بخطوة»، ومنها أولاً «العمل على منع المزيد من التصعيد من خلال التفتيش على منشآت النووية، بعد ذلك من المحتمل تقديم «الإغاثة الاقتصادية الإنسانية لإيران، وتخفيف آليات فرض العقوبات ضد أية أطراف أخرى ترتبط تجاريًا معها». وانطلاقًا من عدم اقتناعه بهذا النهج «التسلسلي القديم، وعدم فاعليته»، أكد «بورك»، بأن الوسائل القديمة، يجب أن «تتلاشى لصالح نهج جديد، يركز على قدر أكبر من الردع والمساءلة للعدائية الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، تظل الأوضاع الأمنية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية، «خطرا أمنيا» آخر، يراه «بورك»، لا سيما أن عودة «نتنياهو»، إلى السلطة ووجود سياسيين «متشددين دينيًا سيئ السمعة»، مثل «إيتمار بن غفير» في مناصب قيادية حكومية؛ يثبت صحة الاحتمالات القوية لتصعيد حدة العنف. وبالتالي، فإن السؤال هنا، هو إلى أي مدى ستقوم المملكة المتحدة، والدول الأوروبية الأخرى، بالمساعدة في تخفيف هذه التوترات، كذلك من المنتظر رؤية نفوذها إزاء الدفع بمساءلة إسرائيل جراء انتهاكاتها المستمرة في الأراضي المحتلة. وفي يناير 2023، ترأس اللورد «طارق أحمد»، وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وفدًا لزيارة إسرائيل والأراضي المحتلة، واجتمع مع «نتنياهو»، وقيادة السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن زيارته هدفت في المقام الأول إلى الدخول إلى الحرم القدسي، والمسجد الأقصى والصلاة به، فقد تم إرجاؤها بعض الوقت من قبل الشرطة الإسرائيلية لأسباب أمنية مشكوك فيها. وكانت السمعة الدبلوماسية للمملكة المتحدة قد تضررت؛ بسبب قرار حكومتها السابقة، بقيادة «ليز تراس»، النظر في نقل سفارة البلاد من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي أثار معارضة على نطاق واسع. ومع أن رئيس الوزراء الجديد «ريشي سوناك»، قد تخلى عن هذا الاقتراح، فقد أوضح «كريس دويل»، مدير «مجلس التفاهم العربي البريطاني»، أن حقيقة تفكير المملكة المتحدة حتى «في نقل السفارة البريطانية»، مثلت عملية سياسية «متهورة وطائشة»، تهدد بإبعادها عن الجهود الدبلوماسية لتعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى الاعتبارات الاستراتيجية -المذكورة أعلاه- بالنسبة للمملكة المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط في عام 2022؛ أشار «بورك»، إلى أن الانتخابات العامة التركية 2023، تمثل «التحدي السياسي الأكثر خطورة»، لحزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه «أردوغان» على مدى عقدين. وبناء عليه، قد يستلزم الأمر ضرورة أن تكون أوروبا «مستعدة لاحتمال أن يتحول أردوغان إلى روح المغامرة والتحدي في التعاطي مع المواقف السياسية الخارجية، إذا رأى فرصًا لتعزيز مكانته داخليًا»، لاسيما حينما يتعلق الأمر بمناطق شرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا وليبيا؛ لكونها مناطق تبسط أنقرة سيطرتها عليها، ما قد يسبب قلقا لواضعي السياسات في كل من لندن وأوروبا بأثرها». علاوة على ذلك، أوضح أن صانعي السياسة الخارجية الأوروبيين، «لا يمكنهم تجاهل خطورة» الصراعات الإقليمية الجارية في كل من «سوريا، وليبيا، واليمن»، حيث إنهم «لا يرغبون» البقاء في وضعهم الحالي من الجمود النسبي خلال الفترة القادمة. وعلى وجه الخصوص، استشهد بحالة الأمن المزرية عبر إعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عما يصل إلى 750 هجومًا في كل من سوريا والعراق خلال عام 2022، مصرًا أن تلك الجماعة الإرهابية، «لا تزال تشكل تهديدًا» للمصالح الغربية في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن عمليات مكافحة الإرهاب لا يمكن توقفها. على العموم، خلص «بورك»، إلى أنه مع بقاء منطقة الشرق الأوسط، منطقة محفوفة بالمخاطر التي تهدد المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لا توجد «بدائل سوى المشاركة الحقيقية»، عبر السبل الدبلوماسية، والتعاون الاقتصادي والأمني، مع مختلف الشركاء على المدى الطويل، مشددا على حاجة صانعي السياسة لمواجهة التحديات «بطريقة استباقية»، وهو أمر يؤكد أنه «سيسهل أيضًا التعامل مع الأحداث غير المتوقعة في المنطقة خلال الفترة القادمة». فضلا عن ذلك، دعا الدول الأوروبية إلى أن تبدأ على وجه السرعة الاستعدادات لأية تحولات إقليمية «حال اندلاع أزمة كبرى في مرحلة ما خلال عام 2023»، مشيرًا إلى احتمالية حدوث «زيادة كبير لوتيرة العنف» في أية منطقة نزاع قائمة، أو منطقة توتر، وهو من شأنه أن يؤدي إلى «كارثة إنسانية ستزلزل أركان القارة العجوز».
مشاركة :