تجسد اهتمام دولة الإمارات باستدامة البيئة البحرية والساحلية في إطلاق برامج عدة مثل إعادة تأهيل الموائل الساحلية، وإنشاء برامج الرصد والمراقبة المتطورة والمعتمدة على الذكاء الاصطناعي، واستزراع الشعاب المرجانية، وتنمية بيئة أشجار القرم، والكهوف الأسمنتية واستزراع وتربية الأحياء المائية وغيرها الكثير. تتمتع دولة الإمارات بمساحة بحرية إقليمية تقدر بـ 27.624 كم2، وساحل طبيعي يمتد لنحو 1.318 كيلومتراً يشمل سواحل الخليج العربي وبحر عمان، كما تعتبر بيئتها البحرية والساحلية، بما تحويه من موائل وبيئات وأحياء مائية متنوعة، من أهم المصادر الطبيعية المتجددة التي تتمتع بها الدولة، وتتراوح بين الشواطئ بأنواعها المختلفة، الرملية والطينية والصخرية، والسبخات الساحلية، وغابات أشجار القرم، ومناطق الأعشاب البحرية، والشعاب المرجانية. ترتبط بيئة دولة الإمارات البحرية بتاريخ طويل وتراث عريق، حيث أدت التجارة البحرية باستخدام قوارب الداو «القوارب الخشبية» إلى قيام وتشكيل المجتمعات الساحلية على طول الخليج العربي وبحر عمان، كما لعب صيد الأسماك دوراً محورياً في تأمين الاحتياجات الغذائية لسكّان المنطقة، وتشير سجلات الدولة كذلك إلى أن صيد اللؤلؤ كان من أهم الأنشطة الاقتصادية الرئيسة التي تميزت بها دول المنطقة عبر التاريخ، وها هي اليوم غدت الدولة قطباً اقتصادياً متطوراً ومقصداً سياحياً مهماً لا تزال البيئة البحرية والمناطق الساحلية تلعب دوراً محورياً في تشكيل معالمه، وتعد المياه البحرية أحد المصادر الأساسية للماء والغذاء والطاقة، يجب صونها للأجيال القادمة. عوامل محركة رغم ما تمثله العوامل المحركة للتغيرات في البيئة البحرية والساحلية كالنمو السكاني المطرد وما يرافقه من زيادة في الطلب على الموارد، وتطوير للبنى التحتية والمرافق الحيوية واللوجيستية، إلى جانب التغيرات المناخية وآثارها القريبة والبعيدة المدى على النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية، وتغير استخدامات الأراضي والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية الساحلية والبحرية، والحركة الكثيفة للسفن والناقلات، إلا أن حالة البيئة البحرية والساحلية في دولة الإمارات متوازنة، حيث حافظت على تنوعها البيولوجي وخدمات نظمها الإيكولوجية وجودة مياهها البحرية، كما ساعدت الإجراءات المتخذة على وقف تدهور مخزون ثروتها السمكية وتسجيل تحسن ملحوظ في الكتلة الحيوية للأسماك. مراكز عالمية لقد مكّن نجاح الدولة في المحافظة على قطاع البيئة البحرية والساحلية وضمان استدامته، اعتلاء المركز الأول عالمياً وفقاً لـ «مؤشر الأداء البيئي 2022» الصادر عن جامعة ييل، في ثلاثة مؤشرات خاصة بهذا القطاع وهي «المحميات البحرية، خدمات النظام البيئي، وقلة انحسار الأراضي الرطبة»، والمركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً في «مؤشر حيوية النظام البيئي»، والمركز الأول إقليمياً في «مؤشر التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية»، كان نتيجة السياسات التي انتهجتها الدولة وانبثقت عنها برامج عدة لضمان استدامة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية. بيئة جاذبة حافظت بيئة دولة الإمارات البحرية والساحلية بشكل عام على خصائصها ومواردها الطبيعية الحية وجاذبية شواطئها المطلة على الخليج العربي وبحر عمان، حيث احتفظت مياه البحر بجودتها في المناطق البحرية المفتوحة ومختلف الشواطئ ومحيط كل المحميات البحرية والموائل الساحلية ذات الحساسية العالية، على الرغم من تسجيل تجاوز محدود لتراكيز بعض المغذيات في المناطق البحرية المغلقة والضحلة كالأخوار والممرات المائية التي تتميز ببطء تجدد المياه فيها. الكهوف الاصطناعية تعد الكهوف الاصطناعية واحدة من بين البرامج الهادفة إلى تعزيز مخزون الثروة السمكية وبناء حاضنات لصغار الأسماك في البيئة البحرية الساحلية، وهو برنامج أطلقته وزارة التغير المناخي والبيئة في عام 2016، وتم إنجاز المشروع على مرحلتين، الأولى منها في مايو 2017 والمرحلة الثانية في نوفمبر 2018 بمجموع 500 كهف موزعة بعدة مواقع على امتداد الساحل من جزيرة البدية بالفجيرة إلى مدينة خورفكان في إمارة الشارقة. ويشمل برنامج «الكهوف الاصطناعية» إنشاء محمية بحرية اصطناعية بمنطقة رأس ضدنا بها 500 كهف إسمنتي و5 مواقع للصيد من كهوف إسمنتية اصطناعية بالمنطقة الممتدة من جزيرة الطيور بدبا الفجيرة إلى رأس ضدنا و5 مواقع للصيد من كهوف إسمنتية اصطناعية بإنزال 300 كهف إسمنتي بإمارة أم القيوين، إلى جانب إنزال 300 كهف إسمنتي بإمارة عجمان في موقع مساحته من 300 متر مربع و100 كهف في منطقة الحمرية بالشارقة و100 كهف في إمارة دبي، إضافة إلى 400 كهف في إمارة رأس الخيمة، علاوة على عدد من الكهوف موزعة على مناطق مختلفة بمياه الصيد في أبوظبي والعمل جار على استكمال البرنامج حسب ما هو مخطط له في عام 2019. أخبار ذات صلة الإمارات.. نموذج للتسامح والتعايش بين البشر قرقاش: «مجزرة بيشاور» مؤشر لتحدي مواجهة الإرهاب استزراع الشعاب المرجانية يمثل التغير المناخي تهديداً جدياً للشعاب المرجانية. وعلى الرغم من تأكيد العديد من الدراسات على أن الشعاب المرجانية في أنحاء مختلفة من العالم لا يمكنها الصمود أمام هذه الظروف المناخية القاسية، إلاّ أن الدراسات السابقة التي أجرتها وزارة التغير المناخي والبيئة وغيرها من الجهات أثبتت أن الشعاب المرجانية في مياه الخليج العربي أكثر قدرة على المقاومة والصمود أمام تلك الظروف. وقامت وزارة التغير المناخي والبيئة، في إطار برنامج استزراع الشعاب المرجانية 2017-2021، بدراسة الأنواع المرجانية المقاومة للتغيرات المناخية وتطوير سلالات مرجان ذات قدرة على التحمل والتكيف واستزراعها وتثبيتها لإعادة تأهيل الشعاب المرجانية المتضررة، حيث تمت زراعة نحو ألف قطعة من المرجان خلال الفترة 2017-2019، وتكمن أهمية هذا البرنامج باعتباره إحدى الأدوات التنموية الزرقاء المستخدمة في تنمية البيئة البحرية وثرواتها المائية الحية، ومساهمته بتعدد التنوع الفطري في البيئة البحرية والازدهار الزمني والمكاني للسلسة الغذائية البحرية. ويوضح الجدول التالي معدلات نمو أنواع المرجان المقاوم للتغيرات المناخية. مراقبة البحر تتركز برامج دولة الإمارات في هذا الإطار على الحد من تداعيات التغير المناخي والمظاهر المناخية المصاحبة له على البيئتين البحرية والساحلية، وعلى حمايتهما من التلوث بالمواد الضارة الأخرى، وعلى حماية مواردهما واستدامتهما، ومن البرامج النظام الذي طورته الدولة لمراقبة جودة المياه البحرية في المناطق الساحلية ورصد التغيرات التي قد تحدث فيها من خلال توظيف أحدث التقنيات، بما فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم توفير بيانات يومية تشمل درجة حرارة المياه ومستويات الكلوروفيل - أ عن طريق الأقمار الصناعية التابعة لوكالتي ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية للخروج بتقييم يومي لظروف جودة المياه في سواحل الإمارات. كما يعمل النظام على توسيع القدرة على التنبؤ بحركة التيارات ودرجة الحرارة والملوحة وكمية المغذيات في عمود الماء وذلك ليومين متتاليين ومراقبة ظاهرة المد الأحمر، ما يتيح الفرصة لاتخاذ الاحتياطات اللازمة وتحذير محطات تحلية المياه ومزارع الأحياء المائية عند الحاجة، وغيرها من المنشآت الحيوية. استزراع الأسماك لتضييق الفجوة الغذائية في مجال الأسماك وتخفيف الضغط على المصايد السمكية الطبيعية، تبنت دولة الإمارات خيار الاستزراع السمكي من خلال تشجيع المواطنين والقطاع الخاص على الانخراط في هذه الصناعة، وتسهيل تمويل إقامة المزارع السمكية والوصول إلى قنوات التسويق، وإعداد أدلة توجيهية لمبادئ استزراع وتربية الأحياء المائية، وحتى نهاية عام 2020 بلغ عدد المزارع السمكية المرخصة في الدولة 14 مزرعة وتنتج نحو 3.043.979 طناً من الأسماك المستزرعة. وتتنوع مواقع هذه المنشآت والأنظمة المستخدمة في الاستزراع لتتراوح بين الأقفاص البحرية البسيطة وتقنيات أنظمة إعادة تدوير المياه، وتصدرت إمارة أبوظبي المرتبة الأولى بواقع 5 مزارع، تلتها إمارة الفجيرة بالمرتبة الثانية بواقع 4 مزارع، ثمّ إمارة رأس الخيمة بالمرتبة الثالثة بواقع 3 مزارع، وجاءت إمارتا دبي والشارقة بالمرتبة الرابعة بواقع مزرعة واحدة في كل منهما. جودة المياه تتفاوت جودة المياه البحرية في دولة الإمارات من منطقة إلى أخرى، حيث تحافظ على مستويات جيدة في الشواطئ المفتوحة، بينما تسجل تراجعاً بسيطاً في بعض المناطق شبه المغلقة كالأخوار والممرات البحرية التي تتميز بضعف جريان المياه نتيجة للأنشطة البشرية، مسجلة زيادة في تراكيز المغذيات (النيترات والفوسفات)، وتظهر نتائج برامج الرصد والمراقبة احتواء مياه الدولة على معدلات شبه طبيعية من المغذيات وشبه متساوية ما بين مياه الخليج العربي والساحل الشرقي، وتعتبر مستويات الميكروبات منخفضة للغاي ة، ما يدل على أن مياه الشواطئ، التي تخضع إلى عمليات رصد ومراقبة دورية، سليمة من أي أنواع من التلوث الميكروبي وآمنة للأنشطة الترفيهية. تنمية القرم تلعب نباتات القرم دوراً مهماً في تخزين الانبعاثات الكربونية (الكربون الأزرق) وتشكيل ملاذات آمنة للأسماك والأحياء البحرية، إلى جانب دورها في حماية المناطق الساحلية من عمليات التعرية الناجمة عن الأمواج والتيارات البحرية وبعض الأنشطة البشرية، لذا حظيت هذه النباتات بالكثير من الاهتمام في دولة الإمارات وأطلقت برنامجاً خاصاً بها، فزادت المساحة الكلية لغابات القرم في الدولة من نحو 136 كيلومتراً مربعاً في عام 2013 إلى أكثر من 183 كيلومتراً مربعاً يتمتع أغلبها بصحة كثافة جيدة، وتستحوذ إمارة أبوظبي على نحو 80% من المساحة الكلية للقرم في الدولة. من جانب وزارة التغير المناخي المكلفة بتنفيذ توجهات الدولة بشأن استدامة البيئة البحرية والساحلية، قامت بإطلاق برنامج إنتاج بذور شتلات القرم ورعايتها وتجهيزها وزراعتها، وتم من خلاله زراعة نحو 34 ألف شتلة و100 ألف بذرة من القرم في عام 2019 بمساحة إجمالية تصل 1.217.447 متراً مربعاً، كما قامت بالتعاون مع بلدية دبا الفجيرة بزراعة أنواع جديدة من أشجار القرم بغرض دراسة مدى تأقلمها مع البيئة الساحلية، حيث تمت زراعة أكثر من ثلاثة آلاف شتلة جديدة بمنطقة البدية في الساحل الشرقي.
مشاركة :