«إعلان مراكش» يرفض توظيف الدين لهضم حقوق الأقليات

  • 1/28/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مراكش راشد النعيمي، ووام: حذر إعلان مراكش الذي صدر أمس الأربعاء في ختام مؤتمر حماية الأقليات في الديار الإسلامية، الذي نظمه منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة دولة الإمارات العربية المتحدة، بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وبمشاركة 300 شخصية من علماء المسلمين ومفكريهم ووزرائهم ومفتيهم على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم من أكثر من 120 بلداً من توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية، ودعا علماء ومفكري المسلمين إلى النظر لتأصيل مبدأ المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتماءات بالفهم الصحيح والتقويم السليم للموروث الفقهي والممارسات التاريخية وباستيعاب المتغيرات التي حدثت في العالم. وقال الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في ختام أعمال المؤتمر إن السلم مبدأ أساسي في الإسلام وكافة الأديان. مضيفاً أن مقولة: الدين سبب الحروب، التي راجت في القرنين الثامن والتاسع عشر، ثبت بطلانها، وهذا ما يحفزنا للعمل والاجتهاد لجعل السلام بساطاً للعدل، والعدل أساس المواطنة والأمان للجميع من دون تمييز عرقي أو تفريق ديني، لأننا نريد أن يحيا الإنسان مكرماً في كل مكان أو زمان. موضحاً أن إعلان مراكش يؤصل شرعياً مفهوم المواطنة التعاقدية، كما وردت في صحيفة المدينة، التي تعتبر أن البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم، باعتبارهم أخوة في الإنسانية. وهو تكريم يقتضي منحهم حرية الاختيار على أساس العدل، كونه معيار التعامل بين البشر جميعاً منعاً للكراهية والحقد، لأن السلم عنوان دين الإسلام، وأعلى مقصد من مقاصد الشريعة في الاجتماع البشري. موضحاً أن صحيفة المدينة التي كتبها سيدنا محمد ،صلى الله عليه وسلم ، لتكون دستوراً لمجتمع متعدد الأعراق والديانات كانت تجسيداً للكليات القرآنية والقيم الإسلامية الكبرى. وهي ثابتة عند أئمة الأمة الأعلام، ومتفردة عما قبلها وما بعدها في التاريخ الإنساني، بسبب نظرتها الكونية للإنسان باعتباره كائناً مكرماً، فهي لا تتحدث عن أقلية وأكثرية بل تشير إلى مكونات مختلفة لأمة واحدة أي عن مواطنين. ودعا ابن بيه علماء ومفكري المسلمين إلى تأصيل مبدأ المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتماءات. كما دعا الإعلان المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية إلى القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لإخلال الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية وتغذي الحروب والفتن وتمزق وحدة المجتمعات، كما دعا المثقفين والمبدعين وهيئات المجتمع المدني إلى تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة ونشر الوعي بحقوقها وتهيئة التربية الثقافية والفكرية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار. من جانبه نقل علي راشد النعيمي أمين عام مجلس حكماء المسلمين، في كلمته بختام أعمال اليوم الثاني، مباركة صاحب السمو الشيخ محمد زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة جهود المؤتمرين خدمة للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء. وطالب النعيمي بضرورة تشريع هذه الوثيقة قانونياً وحقوقياً وتربوياً وثقافياً، في جميع البلدان العربية والإسلامية، لأن إنصاف الآخر هو إنصاف لله، حسب تعبيره. مؤكداً استعداد دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر آخر يركز على حماية حقوق الأقليات الإسلامية في مختلف بلدان العالم، وذلك بالتشاور مع الشيخ ابن بيه، هادينا بأفكاره النيرة، ومبادراته الخيرة، جزاه الله كل خير. وطالب الإعلان مختلف الطوائف الدينية التي يجمعها نسيج وطني واحد إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية متبادلة ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة والى إعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك ومد جسور الثقة بعيداً عن الجور والإقصاء والعنف إضافة إلى دعوتهم للتصدي لكل أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية. وقال نص الإعلان الذي تلاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، أحمد التوفيق، إن الله رغب في الإحسان إلى الإنسانية جمعاء وإلى البر بالآخرين، وأن الشريعة الإسلامية حريصة على الوفاء لكل المواثيق الدولية التي تدعم السلم بين بني البشر، وذلك في اختتام المؤتمر. واستند إعلان مراكش الى مبادئ صحيفة المدينة التي أصدرت في عهد رسول الإسلام ،صلى الله عليه وسلم، بما أن هذه الوثيقة ثابتة في الزمن، وتتفرد عما قبلها وما بعدها، وتنبع من نظرة إنسانية، ولا تخالف نصاً شرعياً. وأن كل بند منها يحث على الرحمة والعدل والحكمة والمصلحة العامة، كما أنها أساس مواطنة تعاقدية لمجتمع تعددي فضلاً عن أن مقاصدها تنسجم مع إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. واعتبر الإعلان أن هناك سياقات خاصة بأحكام شرعية جزئية، وهو ما يفترض تكييف الأحكام ووضع كل مفهوم في مكانه، والوعي بأن المحرّمات في الشريعة قصدها درء المفاسد، وأن بعض التعاملات كانت في سياق تاريخي مختلف عن السياق الراهن، خاتماً بخلاصة أنه لا يجوز توظيف الدين في تبرير النيل من الأقليات في المجتمعات الإسلامية. وتعود أسباب إصدار هذا الإعلان إلى استقواء مجموعات إجرامية ليست لها أي ّشرعية، أعطت لنفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وقامت بممارسات اكتوت بها كل المجتمعات، وعرّضت المسلمين إلى الكراهية والافتراء. وإلى تعرض الأقليات الدينية إلى الترويع والقتل في المنطقة، وكذا إلى ضرورة تحرّك العلماء للحفاظ على الأعراض وتحقيق السلم واسترجاع صورة الإسلام والحفاظ على وحدة الأمة. وأكد المشاركون في المؤتمر أن إعلان مراكش كان بمثابة نقطة الانطلاق التي تحمل كل من شارك في المؤتمر مسؤولية تاريخية لتعريف العالم بهذا الإعلان الذي يعد إحياءً للوثيقة النبوية التي كانت سباقة في وضع أسس التعايش بمجتمع المدينة، كما حرص المتحدثون خلال الجلسات على ضرورة ترجمة بنود إعلان مراكش إلى تشريع حقيقي وتضمينها في قوانين مختلف الدول المشاركة، مع الدعوة لإنشاء لجان لدمج البنود داخل المناهج التربوية باعتبارها أحد المداخل للفكر المتطرف المناقض لما جاءت به روح الشريعة الإسلامية. وإعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، باعتباره وثيقة عالمية، تحتضن القيم الدينية والأخلاقية بكل مفاهيمها المعاصرة، وتختزل الشرائع والأعراف القانونية والحقوقية الدولية، كخلاصة علمية ومعرفية ناظمة للناموس الإنساني ما يستدعي العمل الفوري الحثيث، من قبل العلماء ورؤساء المنظمات الأهلية والمؤسسات الدينية، بغرض تأصيل المواطنة شرعياً، وتصحيح المناهج الدراسية، والعمل مع الحكومات لترجمتها تشريعياً وتنزيلها واقعاً قانونياً في الدستور الوطني لبلدانهم، أسوة بدولة الإمارات،حينما جرمت التكفير وازدراء الديان. وألقى الكاردينال تيودور إدغار الأسقف السابق بواشنطن كلمة ممثلي الأقليات غير المسلمة، معتبراً أن الاختلاف مشيئة ربانية لا تقتضي بالضرورة التصادم، مقابل دعوته فتح الباب أمام الحوار والمحبة لتجاوز نقاط الاختلاف، كما دعا إلى خلق مناخ من التعايش، داعياً إلى أهمية مضاعفة الجهود من أجل تحقيق السلام بين المسلمين وغيرهم وتقاسم قيم إعلان مراكش بين الجميع والمراهنة على الحب للتصدي للعنف. وعبر بيان الأقليات غير المسلمة، عن تعهد عدد من القادة غير المسلمين في الوقوف إلى جانب إخوانهم المسلمين لتحسين صورة الإسلام في العالم، مع الدفاع عن الأقليات المسلمة ببعض الدول، كما أشار الكاردينال إلى أن المؤتمر كشف علو كعب العلماء المسلمين في إدارة النقاش، وقدرتهم على التأصيل لبناء مستقبل إسلامي زاهر، مشيراً إلى أن وثيقة المدينة النبوية قابلة للتحيين، لكونها سباقة لوضع الإطار العام الضامن لحقوق الأقليات.

مشاركة :