كتب للأحساء اليوم – عبدالله بن علي الرويمي عندما تقرأ كتاب “جوهر الإنسان” لعالم النفس الاجتماعي “أريك فروم” تجد عمق تحليله للنفس البشرية ودوافعها المختلفة في ارتكاب العنف، ومن أحد هذه المفاهيم المثيرة للانتباه ما يسميه بـ”تحطم الإيمان”، والذي يشير إلى التجارب المحبطة التي يمر بها الإنسان منذ طفولته ومدى اختلاف ردود الأفعال بين الناس في استقبالهم لهذه الإحباطات، والتي قد يستقبلها البعض بأن يكون أكثر تماسكًا وإصرارًا وقوة، وقد يكون البعض خائبًا وشكاكًا، وقد يستقبلها آخر بأن يكون مدمرًا ووحشيًا، ومن ثم تسعى هذه المقالة إلى استعراض مفهوم تحطم الإيمان وفقًا “لإريك فروم” وما الذي يعنيه منه؟ وهل الناس لديه متساوون في الاستجابة عندما يتحطم إيمانهم؟ ولماذا يربط هذا المفهوم بالعنف التدميري أو الانتقامي؟ يرى “أريك فروم” أن أي طفل يبدأ حياته بالإيمان بالخير والحب والعدل، ولكن هذا الايمان قد يتحطم عند البعض في وقت مبكر من العمر؛ قد يكون في الرابعة أو الخامسة أو السادسة، وهذه الفترة العمرية غالبًا يكون الطفل داخل محيط أسرته وقد يكون هذا الإيمان إيمانًا بالأب، بالأم، بالجد، او بأي شخص قريب منه، فمثلًا يبدأ إيمانه بأمه وباستعدادها لتغطيته عندما يحس بالبرد، والاهتمام به عندما يكون مريضًا او إطعامه عندما يحس بالجوع ولكن يرى أمه تخونه لصالح راحتها، أو حينما يسمع الطفل أباه يكذب في مسألة ما مهمة، ولا يلبي له احتياجاته، أو قد يكون خائفًا أو غير سعيد، ويخبر والديه بذلك ولا أحد منهم يعيره انتباهًا أو اهتمامًا، وهنا يمر الطفل بعدد من التجارب التي يتحطم فيها الإيمان الأصلي بحب وصدق وعدل الوالدين، وقد تنتقل تلك التجربة التي عاشها في كنف أسرته إلى التشكيك بإيمانه وينتقل حتى إلى اختبار إيمانه بالله، فمثلًا يختبر الطفل إيمانه في موت عصفور صغير يحبه، أو صديق، أو أخت أو أخ، وفجأة يتحطم إيمانه بالله؛ لأخذه منه ما يحب، إلا أن ما يتحطم حقًا هو: إيمانه بالحياة، وبإمكانية الثقة بها، ومن الصحيح طبعًا أن كل طفل يمر بعدد من الصدمات، إلا أن ما يهم هو حدة وشدة الخيبة، وهي فترة من الحياة لا يذكر منها إلا القليل، ولكن ينتقل الإنسان في عمر أكبر إلى ما يسميه إريك فروم بالتحطم النهائي للإيمان، وشدته تكون أقوى من مرحلة الطفولة ولكن هي تجربة مرتبطة بها، ويتم عندما يتم خيانته من قبل صديق أو حبيبة أو معلم أو قائد ديني أو سياسي يثق به، ونادرًا ما يكون هنالك حادثة واحدة مفردة، إذ غالبًا ما يكون هناك عدد من الخبرات الصغيرة التي بتراكمها يصل الإنسان إلى تحطم الإيمان النهائي. ومن ثم يرى “إريك فروم” أن هناك اختلافًا للناس في ردود أفعالهم على هذه التجارب والمحطات التي يمرون بها، إذ قد يتفاعل البعض بتركهم الاعتماد على من يخيب آمالهم، والتحول إلى أكثر استقلالية وقدرة وقوة على إيجاد أصدقاء ومعلمين أو أحبة جدد يثقون ويؤمنون بهم، وهذا هو رد الفعل الطبيعي المرغوب عند مواجهة الخيبات المبكرة، في حين يبقى البعض شكاكًا، حالمًا بالمعجزات التي تعيد له إيمانه، يختبر الناس، وعندما يخيبونه يختبر غيرهم، وهكذا يجري باحثًا لاستعادة إيمانه، وعندما ييأس يفقد إيمانه بالحياة ويسعى خلف أهداف دنيوية: المال، السلطة، المظهر الاجتماعي أو قلق السعي لإيجاد مكانة اجتماعية مصطنعة. وهنالك من الناس من يكون رد فعله قائمًا على العنف إذا ثبت له بالتجربة أن الذين يثق بهم هم أشرار وغير أكفاء، ويصبح الإيمان بالخير والعدل وهمًا، حينها يكونون عاجزين عن تحمل ألم الخيبة وسيرغبون في إثبات أن الحياة شريرة، وأن الإنسان شرير. وهذا ما يقصده “إريك فروم” بالعنف التدميري، الذي يكون نتيجة لتحطم الإيمان بالخير، والذي يحمله الإنسان منذ بداية طفولته ولكن تحطمه التجارب وتحوله من مؤمن محب الحياة إلى وحشي ومدمر يريد فيها التعجيل بفناء نفسه أو فناء الآخرين. بعد عرض مفهوم تحطم الإيمان عند “إريك فروم” دعونا نطرح بعض الأسئلة: هل الوحشية التدميرية هي نتاج تحطم إيمان الفرد كما يفترضه إريك فروم؟ أم أحيانا تأتي من عمق تشدد الإيمان بفكرة معينة، والتي قد تكون دينية أو ليبرالية أو ماركسية أو غيرها؟ وهل هذا الوحش والمدمر والذي يكون في وجهة نظرنا هل يكون في وجهة نظر نفسه أو وجهة نظر من حوله كذلك؟ فقد اطلعنا الماضي والحاضر على كثيرين كانوا مدمرين وكانوا يوصفون بالشهداء أو المناضلين أو المحررين!، وهل المختص في علم الاجتماع أو التخصصات الإنسانية المختلفة عليه أن يسلم بنظرية واحدة في فهم وتفسير السلوك الإنساني؟
مشاركة :