يواجه عشرات الآلاف من مربي الماشية معضلة كبيرة في القرن الأفريقي بسبب سنوات من الجفاف أدت إلى انعدام المراعي والمحاصيل الزراعية. ففي كينيا وإثيوبيا والصومال المجاورة، بات الجوع يتهدد البدو الذين يعتمدون على الماشية في حياتهم. فهم يرعون قطعانهم، منذ أجيال، في هذه المنطقة، التي تشهد سنوياً موسمين من الأمطار، بحثا عن مراع ومياه لماشيتهم. وتؤمن لهم رؤوس الماشية هذه من الأبقار والجمال والماعز الحليب واللحوم والنقود عند بيعها. لكن منذ 2016، السنة التي شهدت آخر فصل من الجفاف، لم تتساقط أمطار بمعدلات طبيعية سوى موسمين في 2017 و2018. وقد تحولت المراعي إلى غبار وجفت الآبار واضطر عدد متزايد من البدو إلى التخلي عن حياة التنقل والاكتفاء الذاتي من أجل وجود ثابت يعتمد على المساعدات الإنسانية في المدن أو في مخيمات النازحين. عائلة تعاني من الجوع في الصومال عائلة تعاني من الجوع في مخيم للنازحين - مخيمات النزوح تتذكر ألاسو عبدي الماضي، وتقول «كنت سعيدة جدا في حياتي من قبل وكان لديّ أولادي، وحيوانات تعطي الحليب واللحوم. كنا نتنقل بحرية من مكان إلى آخر». وصلت هذه المرأة السبعينية، قبل أربع سنوات، إلى مخيم النازحين بعد أن خسرت عشرة جمال و500 رأس ماعز. وقالت «قررت البقاء لأنني لا أستطيع أن أفعل أي شيء وليس لدي مكان أذهب إليه». وأوضح عبد الرزاق أحمد مسؤول منظمة إنقاذ الطفولة غير الحكومية في شرق إثيوبيا «لدينا حالياً مليون نازح 80 بالمئة منهم نتيجة الجفاف، وهذا العدد يرتفع يوما بعد يوم». وأضاف أن «هؤلاء هم الذين يأتون إلى مواقع قريبة من المدن ويمكن إحصاؤهم لكن هناك أشخاص لا يذهبون إلى هناك (...) يعانون في الأحراج ولا يعرفون أين يجدون مساعدة». - الانتقال إلى المدن أما محمد حسن غوري، فقد حزم أمره هو الآخر: سيبيع آخر رؤوس الماعز التي يملكها ويغادر قريته. فعلى غرار كثيرين من رعاة الماشية في شرق إثيوبيا، عليه أن يتخلى عن حياة البدو بعدما رأى الجفاف يهلك قطيعه. لم يعد هذا الراعي، البالغ من العمر 32 عاماً، قادراً على تحمل رؤية حيواناته النافقة. ولم يبق سوى 35 من أصل 250 ماعزًا كان يملكها. وفي قريته التي تقع على الحدود بين إثيوبيا والصومال، «نفق ثلثا الماشية» كما قال وهو يتنهد. أطفال يتفرجون على حيوانات نافقة في الصومال أطفال يتفرجون على حيوانات نافقة على غراره، ينتظر مربو الماشية الرحل في القرن الأفريقي منذ أكثر من عامين أمطاراً لا تأتي. وكانت المواسم الخمسة الأخيرة للأمطار منذ نهاية 2020 أقل من العادة وهو أمر غير مسبوق منذ أربعين عامًا على الأقل. ويبدو أن تساقطات الموسم التالي من مارس إلى مايو لن تكون كافية أيضاً. ودفع هذا الجفاف التاريخي، حسب الأمم المتحدة، 12 مليون شخص إلى حالة «نقص حاد في الأمن الغذائي». ومنذ نهاية 2021، نفق أكثر من أربعة ملايين رأس ماشية بينما يهدد الموت 30 مليوناً أخرى «ضعيفة وهزيلة». أطباء من منظمة غير حكومية يعالجون أطفالا في مخيم للنازحين أطباء من منظمة غير حكومية يعالجون أطفالا في مخيم للنازحين انتظر محمد حسن غوري، لكنه اضطر لقبول الواقع. فقد رأى أنه «ليس هناك أي مؤشر إلى تحسن والجفاف سيستمر ويتفاقم». لذلك، سيبيع الماعز قبل فوات الأوان. بهذا المبلغ الصغير، سيغادر القرية «في الأسابيع المقبلة» إلى بلدة كيلافو المجاورة على أمل أن يتمكن من تأمين احتياجات زوجته وأطفاله الأربعة ووالده الكفيف وأمه التي بترت ساقها. - أزمة إنسانية ووجودية لكن مشروعه ما زال غامضاً. فهو يتحدث عن «أعمال تجارية صغيرة» مثل كثيرين يحاولون البقاء عبر بيع أشياء بسيطة، وعن «تطوير (مهاراته) للعثور على فرص عمل». وقال إنه «قرار صعب جداً.. الانتقال من حياة الراعي إلى أسلوب حياة جديد لا أعرفه (...)، لكن ليس لدي خيار آخر». أما صديقه بيليه كالبي نور (29 عاما)، فهو ليس مستعدا بعد لاتخاذ الخطوة. رغم أنه خسر تسعين بالمئة من قطيعه، يحرص على الاهتمام بعشرات الماعز التي بقيت. وقال، بعد عودته من ساعات من المشي «لا أتقن أي عمل آخر سوى عمل الراعي المتنقل، فأنا لست متعلماً ولا أعرف كيف أزرع».
مشاركة :