الحرب الأهلية السورية وصلت إلى نقطة مفصلية

  • 1/29/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تنطلق محادثات السلام في جنيف بين الحكومة والمعارضة السورية في أجواء أقرب إلى السوداوية حيال احتمالات النجاح. فالطرفان المتحاوران لا يطيق أحدهما الآخر، وقد أمضيا خمس سنوات من الاقتتال، بما لا يرجح كثيراً إمكانية التوافق على مشاركة السلطة ضمن أي صيغة سوى الجغرافية منها، حيث يحتفظ كل منهما بالمناطق التي يسيطر عليها حالياً ويدافع عنها بجيشه المسلح. ويصعب عدم الشعور بالتشاؤم، سيما أن معظم المجموعات القوية، كـداعش والنصرة، المتورطة في أعمال القتال لن تكون حاضرةً في جنيف، بما لا يعني أنها ستحضر فيما لو دعيت. كما أن هناك عدداً من الخلافات حول هوية الإرهابي الحقيقي، حيث يدافع بعضهم عن جيش الإسلام الذي يسيطر على الجهة الشرقية من دمشق، وتصر تركيا على استثناء الأكراد السوريين الذين يشكلون حليف أميركا الأبرز ضد التنظيم. تتجسد مشكلة إنهاء الصراع في سوريا والعراق بوجود كمٍّ من اللاعبين أقوى من التعرض للهزيمة، وأضعف من حسم الحرب والفوز بها. وتعتبر بعض الجهات الإقليمية أنها تحارب دفاعاً عن كيانها في حرب لا يسعها أن تنهزم فيها، في الوقت الذي استثمرت قوى أخرى مصداقيتها في الصراع بما يمنعها من الاعتراف بعجزها عن تحقيق هدفها المنشود بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. معالم الفوز والهزيمة بدأت معالم الأطراف المنهزمة والفائزة تلوح في أفق سوريا، على الرغم من عدم ملاحظة جميع المتورطين لذلك. فتنظيم داعش يبدو أكثر تمزقاً جراء ضربات التحالف المدعوم من أميركا أو سلاح الجو الروسي، علماً أنه لا يعتبر قريباً من الهزيمة. ولا تزال أميركا تتباهى بإنجازها في الرمادي، علماً أن القوات الخاصة العراقية التي سيطرت على المدينة المدمرة لم يتجاوز عددها الـ500 جندي. أما قوات البيشمركة الكردية العراقية التي استعادت سنجار، فلم يقبض عناصرها أجورهم منذ خمسة أشهر بسبب إفلاس حكومة كردستان العراقية الإقليمية. ويفتقر الجيش السوري للجنود، ومع أن معنوياته مرتفعة بفضل الروس، فإنه منهك من القتال على امتداد خمس سنوات. ويحقق الأكراد السوريون النجاحات، لكنهم يعارضون استغلال أميركا لهم، ويشعرون بالتوتر من التدخل التركي. من الخطورة بمكان وصف أي من مراحل الحرب الأهلية الدائرة بالحاسمة، لكن الأشهر القليلة المقبلة قد تكون كذلك. فأميركا وحلفاؤها الذين يمثلون 25 ألف مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردي وبعض الحلفاء السنة، يسعون لقطع داعش عن آخر صلاته مع العالم الخارجي عبر تركيا. أما الوحدات العربية لـقوات سورية الديمقراطية، وهي المنظمة المظلة الخاضعة لوحدات حماية الشعب، فقد حققت بعض الإنجازات ضد داعش. داعش قلب الخبر لم يكن متوقعاً إطلاقاً أن يشعل خبر تهديد مجموعة لم يسمع بها كثيرون بلدة ما في سوريا، العالم بأسره. إلا أنه أصبح خبراً بارزاً اليوم لأسباب ثلاثة، الأول هو أن داعش بات محصوراً الآن في حدود دولته المزعومة، وثانياً أن الأكراد، استغلوا واجهة قوات سورية الديمقراطية واجتازوا غرب الفرات على الرغم من تهديدات تركيا بالحيلولة دون تمرير الواقعة دون ردٍ عسكري، وثالثاً والأهم، أن هجوم قوات سورية الديمقراطية حظي بدعم الضربات الجوية الأميركية والروسية، ولو في أوقات متفاوتة، بما يشير إلى أن روسيا وأميركا يتصرفان في هذا الجزء من سوريا وكأنهما حليفان عسكريان بحكم الأمر الواقع. ويبدو أن الخاسر الأكبر في المعادلة هو تركيا، التي بدت في موقف قوي جداً يمكنها من بسط نفوذها على كامل منطقة الشرق الأوسط عام 2011، وذلك قبل أن تتعاطف أو تساعد تنظيم داعش، والنصرة وبعض المجموعات المتشددة الأخرى. الحرب في سوريا والعراق لن تنتهي قريباً، لكن مع ظهور خاسرين ورابحين، فإن فرص فرض وقف النار داخلياً، وبالتالي إحلال نوع من السلام، سيكون خياراً أكثر عملانيةً. قد لا تتمكن حكومة الأسد والمعارضة من الاتفاق في جنيف، إلا أن القوى الخارجية التي تدعمهما باتت أكثر حماسة لوضع حد للقتال. إنهاك أحياناً ما تنتهي الحروب بالإرهاق لا بالاتفاق، وهذا أفضل ما يمكن توقعه في سوريا. وفي حين أننا لا نرى الكثير من الإيجابيات المنبثقة عن محادثات جنيف المزمعة، فإن المشهد السياسي في المنطقة لم يستجد فيه ما يبعث على الأمل بتحقيق السلام، حيث إن التدخل الروسي العسكري قبل أربعة أشهر يشكل مرادفاً لعدم هزيمة الأسد، علماً أن فوزه كذلك ليس بالأمر المحسوم، وإن بقاءه في السلطة ليس إلا وليد دعم روسيا وإيران وبعض المجموعات المسلحة في لبنان. وعلى الرغم من الدعم الذي يحظى به الأسد، لم يتمكن جيشه من إعادة الاستيلاء على مدن خرجت عن سيطرته مثل تدمر وإدلب.

مشاركة :