خلال زيارتها الأولى لمنطقة الخليج العربي والتي شملت كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أدلت كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية بحديث مطول لصحيفة الشرق الأوسط في الثاني من فبراير 2023 تضمن تحديد أبرز ملامح الرؤية الفرنسية تجاه تهديدات أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي، وكان لافتاً في ذلك الحديث ثلاثة أمور أولها: إيران تعتمد نهجا تصعيديا يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة وأن التهديدات الإيرانية لا يمكن حصرها في المسألة النووية وإنما في دعم وسطاء دون الدول لتحقيق مصالحها، بالإضافة إلى ترسانة الصواريخ والطائرات من دون طيار «الدرونز»، وثانيها: أن فرنسا عازمة على مواجهة تلك التهديدات من خلال استمرار الالتزام تجاه أمن شركائها من دول الخليج العربي وثالثها: أن تعزيز العلاقات بين فرنسا والسعودية والإمارات يمكن أن يعد وسيلة للرد على تلك التهديدات. وواقع الأمر أنه بالرغم من أن الدور الفرنسي تجاه أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي ليس بالأمر الجديد ففرنسا كانت مشاركاً مهماً في مواجهة كل التهديدات الأمنية التي شهدتها منطقة الخليج العربي ومن بينها حرب تحرير دولة الكويت عام 1991، فضلاً عما تشير إليه التقارير من أن فرنسا توفر حوالي 24% من الأصول البحرية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى وجود عدة مؤشرات تعكس تنامي الدور الفرنسي تجاه أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي عموماً ومنها إعلان فرنسا تأسيس البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز عام 2020 بقيادة فرنسا ودعم ثماني دول أوروبية والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وكذلك انتقلت قيادة المجموعة البحرية التابعة للتحالف الدولي لمحاربة داعش إلى فرنسا عام 2021. ومع أهمية تلك المؤشرات التي تعكس وبلا شك تنامي الدور الفرنسي تجاه أمن الخليج العربي فإنه مما يعزز من أهمية ذلك الدور في تقديري أولاً أنه لا يقتصر على أمن الدول الخليجية الست فحسب بل ضمن الإطار الإقليمي الأوسع ومن ذلك مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمري بغداد الأول أغسطس 2021 والثاني ديسمبر 2022 وخلال المؤتمر الأخير كان لافتاً مطالبة الرئيس الفرنسي «السماح للعراق باختيار طريق لا تمليه عليه القوى الأجنبية»، ولاشك أن تلك الرؤية تتسق مع رؤية شركاء فرنسا من دول الخليج العربي ليس فقط بالنسبة إلى العراق وإنما لمنظومة الأمن الإقليمي التي تلقي بظلالها على أمن منطقة الخليج العربي، وثانياً: أن تلك الرؤية الفرنسية تعزز من التوجه الأوروبي العام الجديد تجاه تهديدات الأمن الإقليمي، والتي بدت مؤشراته بوضوح خلال تصريح أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية التي قالت وللمرة الأولى إن «دول الخليج حذرتنا من الخطر الإيراني ولكننا استغرقنا وقتاً طويلاً لفهم الحقيقة»، وثالثاً: أن التصريحات الفرنسية تجاه مواجهة تهديدات أمن الخليج العربي قد جاءت بعد خطوة عملية بالفعل من جانب فرنسا من خلال إعلان القوات البحرية الفرنسية استيلاء قواتها البحرية الخاصة على زورق محمل بالأسلحة والذخائر كان في طريقه من إيران للحوثيين في الخامس عشر من يناير 2023 ووفقاً للمصادر فقد تم العثور على أكثر من 3 آلاف بندقية هجومية ونصف مليون طلقة و20 صاروخاً مضاداً للدبابات، ليضاف ذلك الجهد إلى جهود البحرية الأمريكية والبريطانية لمنع وصول الأسلحة للحوثيين في اليمن تطبيقاً للقرارات الأممية في هذا الشأن. وقد تختلف رؤى الباحثين سواء حول طبيعة الدور الفرنسي وعما إذا كان جزء منه يعد تنافسا مع الدول الأوروبية الأخرى أو توقيت ذلك الدور وتلك الإجراءات وعما إذا كانت يجب أن تكون في وقت مبكر بالنظر إلى تهديدات أمن الخليج والأمن الإقليمي إلا أن ذلك يجد تبريره في كون فرنسا في الوقت ذاته هي أحد أعضاء مجموعة دول 5+1 التي تضطلع بملف المفاوضات النووية الإيرانية منذ عام 2006 وحتى الآن ومن ثم لا ترغب في العودة إلى المربع صفر في تلك المفاوضات إلا أنها في الوقت ذاته تدرك مخاطر التهديدات الإيرانية لشركائها من دول الخليج العربي والتي ترى المسؤولة الفرنسية أن تلك التهديدات تجاوزت النطاق الإقليمي لتطال الأراضي الأوكرانية من خلال طائرات الدرونز الإيرانية التي تم العثور على آثارها في أوكرانيا. ومع التأكيد الفرنسي غير ذي مرة أن فرنسا ليست في مسار التنافس مع الدور الأمريكي تجاه أمن الخليج العربي حتى وإن أعلنت تأسيس بعثة أوروبية لمراقبة أمن الملاحة في مضيق هرمز فإن جهود الجانبين تظل تكاملا لا تنافسا. وفي تقديري أن المستجدات العملية للدور الفرنسي تجاه تهديدات أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي تظل مهمة بالنظر إلى الاستجابة الفرنسية العملية لمواجهة تلك التهديدات التي تتطلب تحقيق مفهوم الردع ، بالإضافة إلى أهمية ذلك الدور في تعزيز الدور الأوروبي تجاه أمن الخليج العربي الذي تبلور بوضوح من خلال وثيقة الشراكة الاستراتيجية الأوروبية تجاه دول الخليج العربي والتي تم إطلاقها في يونيو 2022 وتضمن جوانب مهمة بشأن رؤية الاتحاد لطبيعة التهديدات الأمنية وآليات مواجهتها. وعود على ذي بدء فإن تأكيد وزيرة الخارجية الفرنسية أن فرنسا سوف تسعى إلى التعاون مع شركائها من دول الخليج العربي لإيجاد حلول للأزمات الإقليمية، بالإضافة إلى اعتزامها لقاء الأمين العام الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربي يعني إمكانية بلورة خطوط عامة مشتركة بشأن طبيعة ومسار التهديدات الأمنية الإقليمية وكيفية إيجاد حلول لها في وقت يتشابك فيه الأمن الإقليمي مع نظيره العالمي بشكل غير مسبوق ليس أقلها قضايا الطاقة وتهديدات الأمن البحري والتهديدات السيبرانية. وبغض النظر عن تفاوت مستوى العلاقات الفرنسية مع دول الخليج العربي فإن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن فرنسا كانت وستظل أحد الشركاء الأمنيين المهمين لدول الخليج العربي، بل إن الخبرات التاريخية تؤكد أن تطوير العلاقات الثنائية بين الدول المحورية داخل تنظيمات الأمن الإقليمي أمر ينعكس بالإيجاب على الحوار الاستراتيجي بين تلك المنظمات وهو ما يمكن أن يجد صداه بين مجلس التعاون ومنظومة الاتحاد الأوروبي ككل في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية التي من بينها تعثر المفاوضات النووية الإيرانية من ناحية واحتدام التنافس الدولي تجاه منطقة الخليج العربي من ناحية ثانية. إن تفعيل أدوار بعض القوى الكبرى تجاه مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي الخليجي لا يحقق مفهوم الردع فحسب وإنما يسهم كذلك في تحقيق توازن القوى الذي كان ولا يزال أساسا للأمن الإقليمي. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
مشاركة :