شهد العالم أخيراً رفع العقوبات التي فرضت على إيران لسنوات على خلفية التوجس من برنامجها النووي، وتفاوتت التقديرات المتعلقة بإجمالي الأرصدة المجمّدة التي ستحصل عليها طهران والتي تراوحت بين 55 بليون دولار و150 بليوناً. سياسياً، رأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن جزءاً من هذه الأموال سيذهب لتمويل الإرهاب والمنظمات التي ترعاها إيران في المنطقة. أما في الاقتصاد، فالبلاد خرجت بعد العقوبات منهكة ببنية تحتية شبه مهترئة، وبعملة فقدت نصف قيمتها على مدى سنوات، وهي اليوم تكافح لجذب استثمارات إلى القطاعات كافة وسط تدهور في العلاقات مع جيرانها الخليجيين. فما هو الدور الذي ستلعبه دول الخليج في هذه المرحلة؟ وهل ستتأثر بالانفتاح الغربي على إيران؟ الخبير المالي في دبي، هشام كيال، أعرب في حديث إلى «الحياة»، عن اعتقاده بأن اقتصادات دول الخليج عموماً لن تتأثر لا سلباً ولا إيجاباً برفع العقوبات عن إيران وانفتاح سوقها، لأن دول الخليج أصلاً لا تعتمد تجارياً على إيران، وقال: «التأثير الأساس سيكون في موضوع النفط وتحرك أسعاره ودور إيران في السوق العالمي». وتوقع أن تلعب الإمارات الدور الأكبر في هذه المرحلة وتابع: «بقية دول الخليج وتحديداً السعودية والكويت، لا انعكاس للأمر عليها حالياً». ووفقاً لبيانات «الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء» في الإمارات، بلغ إجمالي صادرات دبي إلى إيران في 2014 نحو 11.5 بليون دولار. وأظهرت أرقام «البنك الدولي» أن حصة دول مجلس التعاون من صادرات إيران لم تتجاوز الخمسة في المئة، منها اثنان في المئة للسعودية ومثلها للإمارات وواحد في المئة لسلطنة عمان. وأشار البنك إلى أن حصة دبي من واردات إيران ارتفعت من 14 في المئة من الإجمالي عام 2000 إلى 36 في المئة عام 2014. الانفتاح مستبعد وأضاف كيال: «أستبعد أي انفتاح خليجي على إيران في المستقبل القريب لأن الثقة مفقودة في الطرف الإيراني، وعلى سبيل المثال لا الحصر العلاقات التجارية السعودية التركية لم تتحسن إلا أخيراً لأن الثقة كانت مفقودة، لكن مع تطور العلاقات السياسية في الفترة الأخيرة تطورت الروابط الاقتصادية والتجارية وشهدنا تدفقاً للاستثمارات الخليجية إلى تركيا (...) الأمر مع إيران مرتبط في مدى قدرتها على بناء ثقة جيرانها وهذا يتطلب الكثير من العمل». ورداً على سؤال عن الدور الذي قد تلعبه دبي في مرحلة ما بعد رفع العقوبات قال: «الإمارة لعبت دوراً تاريخياً في كونها محطة دخول إلى إيران ومستودعاً للتجارة معها، وستشهد تحسناً أكيداً انطلاقاً من موقعها كمعبر للشركات العالمية الراغبة في الدخول إلى إيران». وأفاد بأن شركات صناعية عالمية أنهت تحضيراتها في دبي وهي تتأهب للتوجه إلى إيران، وقال: «شركتا فيات الإيطالية ورينو الفرنسية حضرتا مصنعين جاهزين للانتقال إلى إيران فور تبلور الأمور هناك، ومصنع رينو له طاقة إنتاج 40 ألف سيارة سنوياً والشركة مستعدة لدخول السوق الإيرانية، هذا الأمر ينطبق على شركات عدة وخصوصاً في المجال الصناعي». واستبعد كيال دخول المصارف والشركات الخليجية الكبرى إلى إيران وفتح فروع لها هناك حالياً، واعتبر أن حضوراً قد يُسجّل لبعض الشركات لكن ذلك ليس نابعاً من سياسة انفتاح خليجية إنما من مبادرات خاصة. وأضاف: «المصارف جاهزة وتترقب لكن بعض العقوبات على العمل المصرفي ما زالت موجودة، سيكون هناك دور للمصارف العالمية الموجودة في دبي تحديداً من حيث توفير خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية، لكن مسألة دخول السوق وتأسيس فروع تبقى مؤجلة أيضاً». النفط أولاً واعتبرت المحللة المشاركة لشؤون التصنيفات الائتمانية في وكالة «موديز»، شيرين محمدي، في حديث إلى «الحياة» من لندن، أن الاقتصادات الخليجية ستتأثر بدرجات مختلفة من قرار رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران. وقالت: «الاقتصادات التي تمتعت بعلاقات تجارية تاريخية مع إيران مثل دبي وسلطنة عُمان ستشهد على الأرجح زيادة في حجم الأعمال والتجارة، فالتجارة غير النفطية بين دبي وإيران تراجعت بمعدل 26 في المئة بين عامي 2011 و2014 كنتيجة مباشرة للعقوبات، والآن نتوقع أن تستعيد هذه الحركة زخمها، خصوصاً أن المؤسسات المالية غير الأميركية ستتحرر من العقوبات السابقة». وتوقفت محمدي عند أثر رفع العقوبات في سوق النفط، وأشارت إلى أن الدول الخليجية ستتأثر في هذا المجال بدرجة أكبر. وقالت رداً على سؤال: «رفع العقوبات عن إيران سيؤدي حتماً إلى مزيد من التراجع في أسعار النفط وفي هذا الموضع نعم ستتأثر الدول الخليجية المصدرة للنفط،» وأضافت: «في السابق استطاعات دول الخليج تكوين احتياطات نقدية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لكن حتى هذه الدول مثل السعودية والإمارات بدأت الآن تتخذ خطوات أكثر صرامة لضبط الإنفاق». وأشارت إلى أن دول الخليج تبحث في سبل التكيّف مع أسعار النفط المنخفضة لأطول فترة ممكنة، وأوضحت أن إيران سبق لها أن واجهت هذا الأمر منذ سنوات، فعائداتها النفطية تراجعت من 12.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 و2009 إلى نحو 6.25 في المئة من الناتج عام 2014. وتابعت: «كان على إيران أن تعيد هيكلة نظام دعم أسعار المحروقات منذ سنوات، أما دول الخليج فهي تقوم بهذه الخطوات اليوم، والحقيقة أن صندوق النقد الدولي سبق أن اعتبر الإجراءات التي اتخذتها إيران بدءاً من عام 2010 مثالاً على الدول الأخرى أن تأخذه في الاعتبار». ولفتت إلى أن رفع العقوبات وتحرير الأرصدة المجمدة سيعزز الدافع الموجود لدى إيران للاستثمار في رفع طاقتها الإنتاجية من النفط، وهذا لا ينطبق على دول الخليج. واعتبرت وكالة «موديز» أن رفع العقوبات نقطة إيجابية لأن ذلك سيتيح تعزيز السيولة من خلال فك تجميد الأرصدة الخارجية كما سينعش الاقتصاد. وأفادت الوكالة في بيان، بأن الأرصدة الإيرانية المجمّدة خارجياً تقدر بنحو 150 بليون دولار، وأن تحريرها سيفسح المجال أمام شطب بعض الديون المعدومة لدى المصارف والتي ناهزت العام الماضي 12 في المئة من إجمالي الائتمان الممنوح. ولفتت «موديز» إلى أن الاحتياط النفطي الإيراني المؤكد يُقدّر بنحو 382 بليون برميل، مشيرة إلى أن المسؤولين هناك يتوقعون ارتفاع الإنتاج بنحو نصف مليون برميل بعد رفع العقوبات مباشرة وأن كمية مساوية ستضاف إلى الإنتاج بحلول نهاية العام أيضاً، مشددة على أن هذه الزيادة ستساهم في تعزيز النمو العام المقبل. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد، فإن النمو في إيران سيتراوح ما بين 4 و5.5 في المئة في 2016 و2017 مدعوماً بارتفاع إنتاج النفط وزيادة الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي.
مشاركة :