الكاتب أحمد يوسف ليورونيوز: كل قراءة هي مشروع كتابة

  • 1/29/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال أدبياته،ورؤاه التخييلية،التي ضمنها فضاءه الأدبي،يبدو لنا الكاتب والروائي المصري أحمد يوسف،والمقيم بباريس،من خلال تشكيله للكون الروائي الرحب الذي تمكن من التعبير عنه بسلاسة لغة موليير،وجاذبية أسلوب فكتور هيغو،بقلمه الذي يأخذ بمجامع القلوب وأسلوبه الذي تتداخل فيه متانة البنية اللغوية والحس المضموني الواسع، تجليات ذلك كله،تتجسد في تحسسه النبضات المهمة، في تاريخنا العربي بشكل عام والذي وظفه بقوة اللغة التي يتقنها من أجل إدراك كنه القيم الحضارية لثقفاتنا والحقبات الزمنية المختلفة، التي شكلت رؤانا الفنية . التعبير بلغة موليير وفولتير جسور تعبر عليها حضارات البحر المتوسط الروائي الصحفي وكاتب مقالات في أهرام أبدو كان مولعا بالأدب منذ نعومة أظافره، وسافر في بقاعه الرحبة كما سبر أغوار الصحافة و أمعن في سماء المعرفة، بروحه العربية المفعمة عبر إلى الفرنسية بسلاسة فخطا خطوات ثابتة فوصل إلى قمة العطاء الإبداعي بكل روح مثابرة، والتي لا تعرف إلى التخييل مجالا. ألف العديد من الكتب حول مصر والعالم العربي، له العديد من الطبعات التاريخية والمعاصرة دو روشيه، بما في ذلك بونابرت ومحمد، لوريان الفرنسي جاك شيراك، منارة الإسكندرية، والصراع العربي الإسرائيلي والإسكندرية. د.عيسى بوقانون من القسم العربي بيورونيوز،قابل الكاتب والأديب أحمد يوسف،بمقر إقامته بباريس فكان هذا اللقاء. الطفولة الأدبية وإرهاصات الموهبة يورونیوز ،عيسى بوقانون : حدثنا قليلاً عنك وعن بدايتك مع الكتابة والأدب؟ الكاتب أحمد یوسف: أنا من جيل عشق الكتابة لأن ثقافته قامت أساساً على المعرفة من خلال التعليم والقراءة. إن جُل ثقافتي قد نهلتها من آلاف الكتب في شتى العلوم والفنون والحضارات عبر رحلاتي بالقطار من الإسكندرية إلى القاهرة خلال ما يقرب من خمسة عشر عاماً كطالب إسكندري بكلية الألسن بجامعة عين شمس ثم معيد بها ثم أستاذ مساعد. كانت الرحلات بين المدينتين العريقتين عبر قطار قديم يعبر دلتا النيل وكأنه يريد في الرحلة من الإسكندرية إلى القاهرة أن يصل حضارات المتوسط بعاصمة الفاطميين وحاضرة محمد علي باشا. وكانت رحلة العودة في اليوم نفسه من القاهرة إلى الإسكندرية تكتسب طعماً خاصاً حيث كانت العودة إلى الإسكندرية ضرورية تماما كالأكسجين وكأن الرحيل للعلم بعيداً عن المدينة لا يكتمل ولا يعطي ثماره إلا بالعودة إلى كنفها عند شاطئ البحر حيث يكون استيعاب قراءات اليوم وحوادث السفر ونوادر المقابلات. إن جيلا قد تربى على هذه القراءات هو جيل يعشق التعبير بالكتابة. عندها تصبح الورقة والقلم أدوات ضرورية ليس فقط للإبداع وإنما للبحث عن الذات الهائمة بين الحضارات التي لا تدري على وجه اليقين إذا كانت هي نتيجة لها أم أداة في يدها أم لا شيء على الإطلاق يورونیوز ،عيسى بوقانون : أين تتجلى بدايتك مع الكتابة ؟ الكاتب أحمد یوسف: بدأت الكتابة في مرحلة التعليم الثانوي ثم الجامعي وهي كتابات تنطلق دائماً من جريدة الحائط لتستقر على أعمدة صحيفة هنا ودفتي كتاب هناك. وكانت العلاقة التي ربطتني في مرحلة التعليم الجامعي بالكاتب الكبير توفيق الحكيم مصباحاً مضيئاً لتاريخ طويل مع الأدب المقارن العربي والفرنسي. ومن رسالتي للماجستير عن الكاتب الكبير إلى عملي بالصحافة بجريدة الأهرام فيما بعد، الأمر أشبه بحلقات يمسك بعضها ببعض في سلسلة طويلة امتدت عبر حياتي وبرزت فيها بالتوازي الأنشطة البحثية تارة والصحفية تارة والفنية طورا آخر لتصنع في النهاية الكاتب أو ما يمكن أن نزعم أنه كذلك يورونيوز: ما أثر قراءاتك الأولى في إبداعاتك؟ الكاتب أحمد يوسف: نعم، أتذكر بدقة أول رواية قرأتها بالعربية وكانت عبارة عن نسخة قديمة مهترئة من حكايات ألف ليلة وليلة عثرت عليها صغيراً داخل أرفف دكان أحد أقاربي وربما كان عمري وقتها نحو عشر سنوات وبعدها بقليل اكتشفت عالم إحسان عبد القدوس من خلال الروايات التي كان ينشر أجزاءها على صفحات جريدة الأهرام أو الأخبار. أما القراءة بالفرنسية فكانت رواية جول فيرن حول العالم في ثمانين يوم هو أول ما قرأته بالفرنسية خلال مرحلة التعليم الإعدادي وكانت واحدة من أبهر الاكتشافات في حياتي والتي سيكون لها تأثير كبير فيما بعد عندما سأشرع في عمل كتابي في باريس عن الكاتب والشاعر الفرنسي الأشهر جان كوكتو . أحمد يوسف وحلم الكتابة حلم الكتابة كان يراودني منذ الطفولة كما كانت تراودني ولا شك أحلام أخرى ولكن ما ذكرته منذ قليل عن التحصيل المعرفي الهائل بالقراءة كان ولا شك في حد ذاته مراودة للكتابة وأعتقد أن كل قراءة هي مشروع كتابة في الواقع ولكن هذا موضوع آخر. يورونيوز:وماذا عن طقوسك الإبداعية؟ الكاتب أحمد يوسف:أغرب طقوسي أثناء الكتابة؟ هذا سؤال يكاد يدخل في نطاق المحرمات. ذلك أن فعل الكتابة هو استنطاق للروح واستجلاء للشعور الداخلي لكل كاتب تجاه قضية ما أو شخصية ما أو موقف ما. أنا لا أكتب إلا في الليل. وقد أصبحت الكتابة بالنسبة لي صنواً لهبوط الليل وكلما أوغل الليل أبدع القلم وكلما اقترب الفجر من البزوغ جف المداد في القلم. كمعظم الكتاب تصبح القهوة أنيس الكتابة ويصبح أريجها وسادة يتكئ عليها القلب المتعب من البحث والعقل الذي أرهقه شلال الأفكار والكلمات. الأغرب في كل ذلك أنني بعد أن أتيقن من طلوع الصباح أذهب لتناول الإفطار ثم أنام اختيار اللغة الفرنسية للتعبير الأدبي يورونيوز: لم اخترت التعبير باللغة الفرنسية؟ الكاتب أحمد يوسف : حول اختياري للتعبير باللغة الفرنسية لابد للوقوف قليلاً حيث إنها بالفعل مسألة شائكة، لقد عرفت في فرنسا كتاباً عرب (أغلبهم مغاربة) لا يكتبون إلا بالفرنسية وكان هذا بالنسبة لي اكتشافا مثيراً إذ كيف يمكن أن تعبر بلغة موليير وفولتير وفي داخلك بانتيون (مقبرة عظماء) يرقد فيه كل من صنعوا الوجدان العربي من إمرئ القيس إلى الجاحظ إلى أبي العلاء المعري والمتنبي وصولاً إلى طه حسين؟ وكنت أرى في هؤلاء الكتاب المغاربة جسوراً تعبر عليها ثقافات وآداب البحر المتوسط من الجنوب للشمال بلغة الشمال وبعقل الشمال وبمداد الشمال. نحتاج إلى جيل عربي يكتب بالفرنسية ولغات أوروبية نحن في زمن لم تعد تكفي فيه الترجمة للتواصل بين الحضارات وإنما لابد أن يكون هناك جيل من الكتاب العرب الذين يعبرون في إبداعهم باللغة الفرنسية وبلغات أوربية أخرى. ولابد أن نتذكر أنه كان لدينا في العالم العربي في الثلاثينيات والأربعينيات كتاب عرب في مصر ولبنان وبالطبع في المغرب العربي يكتبون بالفرنسية فكان هناك شعراء في مصريبدعون باللغة الفرنسية. عن دار نشر لوروشيه وأخيراً ترجمتي لمراسلات نابليون بونابرت في مصر وفلسطين ولبنان إلى اللغة العربية (في جزأين عن إصدارات المجمع العلمي المصري بالقاهرة) يمكن النظر إليها على أنها عودة إلى الإبداع باللغة العربية يورونيوز: وهل تراودك فكرة الكتابة بالعربية؟ لولا كتاباتي في جريدة الأهرام وصحف أخرى لكنت اليوم نسياً منسياً* الكاتب أحمد يوسف : كان استخدامي للفرنسية خياراً صعباً له محاذيره ومخاطرة – فمثلاً- جمهوري من القراء في العالم الفرانكفوني هو أكبر بكثير ولا شك من جمهور القراء بالعربية وأعترف أنه لولا كتاباتي في جريدة الأهرام وصحف أخرى لكنت اليوم نسياً منسياً في مصر والعالم العربي. يورونيوز:لا تروادك فكرة الكتابة بلغتك الأم؟ الكاتب أحمد يوسف : الواقع أن هناك شيئا من الصدفة أيضاً قد لعبته الأقدار: فنجاح كتابي الأوليين بالفرنسية (الولع بمصر في فرنسا من الحلم إلى المشروع في دار نشر لارماتان و كوكتو المصري في دار لوروشه ) قد دفع بالناشرين إلى السعي وراء قلمي و إلى الإغراء بالمقابل المادي ( لابد من الاعتراف به ) و كنت أقول لنفسي: لابد أن يأتي يوم تترجم فيه هذه الكتب إلى العربية ( وهو ما حدث بالفعل ) ( ينظر ترجمات كتبي في إصدارات المركز القومي للترجمة بالقاهرة ) أخيراً لابد من القول: إن حنين الكاتب العربي إلى التعبير باللغة العربية يأتي دائماً في أواخر العمر عندما يجتاحه الحنين للعودة إلى جذوره وعندما يعرف أن أقدامه تقترب من البانتيون التي سبق الحديث عنه وههنا لابد أن أذكر أنني دخلت عالم الترجمة الواسع مؤخراً من خلال ترجمتي لأخر أعمال نجيب محفوظ: أحلام فترة النقاهة مقهى سان ميشيل والصداقة مع الكاتب جون لاكوتور يورونيوز: حدثنا قليلاً عن علاقة الصداقة التي كانت تربط بينك وبين الكاتب الفرنسي المعروف جون لاكوتور؟ الكاتب أحمد يوسف: عرفت جان لاكوتور أولاً من خلال كتاباته كأحسن من برعوا في فن كتابة سير عظماء فرنسا والعالم الثالث من ديجول و ميتيران إلى جمال عبد الناصر و الحبيب بورقيبة. كما عرفته من خلال كتاباته كمراسل صحفي لصحيفة لوموند في مصر والعالم العربي لسنوات طويلة. ثم شاءت الأقدار أن ألتقي به في عام 1999 على هامش احتفالية خاصة برائد علم المصريات جان فرنسوا شامبليون وكان قد صدر له في ذلك الوقت كتابه عن سيرة حياة شامبليون واتفقنا على اللقاء وعندما صدر لي كتابي الثاني في فرنسا عن كوكتو المصري وافق على اقتراح الناشر الراحل الكبير جان بول بيرتران صاحب دار نشر لوروشيه الشهيرة بأن يقوم لاكوتور بعمل مقدمة للكتاب. عن لا كوتور و جاك شيراك والشرق وقد لاقى الكتاب نجاحاً مدوياً وهو ما شجع لا كوتور على عمل مقدمة لكتابي الثالث جاك شيراك والشرق «الذي صدر عشية الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ومن تقديمه لكتبي قمنا بتأليف كتابٍ معاً مشارقنا، الحلم والصراعات «وفيه خلاصة تجارب كاتبين صحفيين من جيلين مختلفين وثقافتين مختلفتين من العمل في العالم الثالث والعالم العربي يورونيوز:كيف كان جان لاكوتور حاضرا في إبداعاتك؟ جان لاكوتور حديث عبر الجبال والكلمات الكاتب أحمد يوسف: في عام 2007 اكتشفنا أن جان لاكوتور آخر عظماء العمل الصحافي والكتابي وأهم من كتب سير حياة عظماء العالم لم يفكر أحد في أن يكتب سيرة حياته وهي حياة حافلة ومثيرة. وهكذا عرضت دار نشر بايار الشهيرة عليَ أن أقوم بوضع هذا الكتاب ورحب جان لاكوتور بالفكرة وقدم لي كافة الوثائق والأرشيفات الخاصة به وصدر الكتاب في عام 2011 وكانت سعادته غامرة والكتاب بعنوان: جان لاكوتور حديث عبر الجبال والكلمات كتاب كوكتو المصري يورونيوز :عاتبني أمام الناس وراضني في الخفاء من كتاب كوكتو المصري، من يعاتب أحمد يوسف أمام الناس؟ أو هل يعاتب أحمد يوسف أحد أمام الناس؟ الكاتب أحمد يوسف: عبارة عاتبني أمام الناس وراضني في الخفاء من كتابي كوكتو المصري هي في الواقع الإهداء الذي قدم به جان كوكتو كتابه معلهش (الصادر عن دار نشر جاليمار 1950) إلى صديقه الأمير محمد وحيد الدين الأخ غير الشقيق للملك فاروق . والواقع أنا لا أحب أن يعاتبني أحد لا أمام الناس ولا في الخفاء ولا أحب أن أعاتب أحداً لا أمام الناس ولا في الخفاء ذلك أنني عندما أغضب أو تتكون لدي رواسب تجاه شخصية ما يكون رد فعلي الأول هو أن أعمل على أن تختفي هذه الشخصية من حياتي أو أن أجتهد أنا على ألا أحتك بها. إنني أتحاشى ليس فقط الصراعات بل مجرد العتاب وأرى فيها مضيعة للوقت . يورونيوز : أين تصنف كتاباتك وروايتك؟ الكاتب أحمد يوسف: يمكن القول أن كتاباتي تنقسم إلى أقسام ثلاثة: كتابات البحث الأدبي و التاريخي و نراها في كتبي عن جان كوكتو و بونابرت و محمد .. القاهر المقهور و البيئة المسيحية اليهودية في حياة وتربية النبي محمد ثم الكتابات السياسية مثل جاك شيراك والشرق أو السياسة العربية لفرنسا وكتاب «الصراع العربي الإسرائيلي وهو حوارات مع المحامي اليهودي الفرنسي الشهير تيو كلان وأخيراً الترجمة والسيرة وقد عرضنا لها في بداية هذا المقال يورونيوز : كيف تشكل تداخل النصوص في رواياتك عن مصر وفرنسا؟ الكاتب أحمد يوسف: أنا أعشق الوثائق و الأرشيفات و النصوص الأصلية و المراسلات إلى حد الهوس و قد عدت في أغلب كتاباتي إلى الوثائق الأصلية و تجد هذا جيداً في كتاباتي و ترجماتي لمشروع الفيلسوف الألماني لايبنيتز عن غزو مصر و كل وثائقه موجودة بالمجمع العلمي الفرنسي بباريس و ترجماتي لأوامر نابليون بونابرت في مصر و الأصول موجودة بالأرشيفات الحربية الفرنسية بقلعة فانسان كما عدت في كتاباتي عن ديجول و عبد الناصر للمراسلات بينهما و الموجودة بمؤسسة ديجول بباريس أما في السيرة التي كتبتها لجان لاكوتور فقد قدم هو لي كافة المخطوطات و الوثائق الخاصة به و بأسرته و بزعماء العالم الذين تعامل معهم و أخيراً في المسرحية الوحيدة التي كتبتها عن أسر الملك لويس التاسع في مصر في عام 1250 و قد عدت فيها إلى كتابات المقريزي و أبن إياس أتمنى وقد انهيت الستين عاماً من حياتي قديت ثلثيها بين الكتب والوثائق والأرشيفات وإصدار الكتب وتحرير المقالات وإعطاء المحاضرات والبحث دوماً عن فكرة كتاب جديد ألا يخلطون بين هذه الأوجه المتعددة يورونيوز:شكرا لك أستاذ أحمد على هذه التوضيحات الكاتب أحمد يوسف: شكرا ومع السلامة

مشاركة :