من سيقرأ عنوان هذا الموضوع سيقول عني إما مجنون أو متفلسف أو فاقد لبعد النظر. وليس لدي مانع من تقبل أي من هذه الاتهامات أو كلها، خاصة إذا نظرنا حولنا ووجدنا هذه الحرائق التي تلتهم بلدانا عربية بأكملها بعد أن كانت تعيش حياتها وغناها، بل ورفاهيتها كما هي حال العراق أو لبنان من قبل. لكنني هنا أكتب عن آخر فقير في العالم العربي من باب التعليق على نقاش دار مؤخرا، بمناسبة الموضوع التونسي الأخير، بين مجموعة من الاقتصاديين العرب الذين شرقوا وغربوا ليضعوا النظريات ويبنوا جبالا من الآراء حول كيف يخرج العربي من الفقر، سواء أكان في دولة مستقرة أم دولة ملتهبة. استغربت حقا من إسرافهم في هذه النظريات ومن طول الجدل الذي وقعوا فيه وهم يحاولون وضع الحلول للخروج من مأزق الفقر العربي الذي أصبح يفجر الأنظمة والدول من داخلها. كنت وما زلت أتصور أن أي بلد عربي، نفطي أو غير نفطي، قادر بموارده الذاتية أيا كانت أن يسد رمق شعبه، بل وأن يعيش أهله مستورين عيشة وعلما وطبا وتقدما. ما هو مطلوب فقط، بعيدا عن تهويمات الاقتصاديين ونظرياتهم الصغرى والكبرى، أن تكف أيدي السياسيين والمتنفذين عن الفساد والإفساد. هي وصفة، كما ترون، بسيطة جدا تعيد الأمور المعيشية، مع كل الناس في أي بلد، إلى نصابها وتكفي الأنظمة والشعوب شر الأحداث والأهوال. بلد مثل اليمن، قبل أن يدخل في غيبوبة الحوثيين، عاش تاريخيا فقرا مدقعا رغم الإمكانات الطبيعية والبشرية التي تتوفر له لأن لا أحد في الأنظمة التي حكمته التفت إلى هذه الإمكانات وطورها على أساس تحويلها إلى جيوب شعبية عامرة بالستر والرفاه، بل يكاد كل ما أنتجه اليمن من ثرواته الطبيعية وكل ما دخل خزانته من هبات ومساعدات قد صب في جيوب السياسيين، أو قل في بعض جيوب السياسيين المخرومة. ولذلك بقي السواد الأعظم من الشعب اليمني تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، واضطر إلى الآن إلى الهجرة من أرضه طلبا لما يسد رمق الحال والعيال. وقس على اليمن دولا عربية أخرى نخر فيه الفساد والمفسدون إلى أن أصبحت دولا متخلفة وفاشلة في مقابل دول، لا تملك نصف ما تملكه هذه الدول العربية، حققت مجدا معيشيا واقتصاديا ينافس ويناوئ الاقتصادات التقليدية المعروفة. إذن، أيها السادة الاقتصاديون، ليست مشكلتنا الكبرى أو مشكلتنا الوحيدة في النظريات ومراكز الأبحاث وخلق الفرص. المشكلة أننا لن نودع آخر فقير في العالم العربي قبل أن نشنق آخر فاسد في عالمنا، كما تفعل الصين ذات المليار وسبعمائة مليون نسمة، أو الصين العظمى اليوم. osaimin143@gmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 178 مسافة ثم الرسالة
مشاركة :