يا كليات التميز ليس شباب الوطن حقل تجارب - محمد بن سعود الجذلاني*

  • 1/30/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

كنت في هذه الزاوية تناولت مشكلة كلية (لينكون) للبنات في محافظة الأفلاج التي أعلنت فجأة إقفال أبوابها وطردت الطالبات المتدربات بأسلوب تجاوز بشكل صارخ كل حدود القانون، ومبادئ حقوق المواطنين. من خلال ما سبق يتضح أن ما حدث لطالبات كلية لينكون في الأفلاج لم يكن بِدعاً من الأمر، وأن هناك العديد من الحوادث المشابهة وقعت في كليات التميز الأخرى، وهو ما يؤكد أن سبب الإقفال الحقيقي لكلية لينكون في الأفلاج، ثم إعادة تشغيلها بطريقة ملؤها الفوضى والتعسف، كل ذلك لم يكن بسبب خطاب كتبه محافظ الأفلاج وأشرت في مقالي بتاريخ 6 / 4 / 1437ه إلى أن السبب وراء إقفال تلك الكلية كان الخطاب الذي بعثه محافظ الأفلاج – متجاوزاً صلاحياته – إلى محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني، وذكر فيه رغبة أهالي الأفلاج في إقفال الكلية، وأكدت في مقالي أن هذا الكلام غير صحيح، وأن محافظ الأفلاج اعتمد على رأي خمسة أو ستة أشخاص متطفلين أخضعوا المحافظ لرؤيتهم المنغلقة واعتراضاتهم العبثية على تلك الكلية. إلا أنه بعد نشر المقال بدأت تتكشف لي عدة أمور كانت خفية عني، أوصلتني لقناعة تامة أن ما وراء إقفال الكلية كان أسباباً أعمق وأدق من مجرد خطاب كتبه محافظ الأفلاج، وأنه يبدو – حسب مجريات الأمور ومعطيات المعلومات المتوافرة – أن هناك خللاً جسيماً داخل المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني، يكاد يكون هو السبب الرئيس وراء ما تتعرض له طالبات كلية لينكون في الأفلاج من عبث واستهتار وتلاعب بحقوقهن. لأنه أثناء مقابلتي لمعالي محافظ المؤسسة أكد لي بشكل قاطع أن الكلية لم تغلق أبوابها، وأنها مستمرة إلى نهاية هذا العام الدراسي، وفي طريقها للإغلاق معلقاً ذلك على ما جاء في خطاب محافظ الأفلاج من رغبة الأهالي بإقفالها، لكن تبين لي بعد ذلك أن الكلية كانت قد أعلنت بالفعل عبر عدة وسائل عن إقفال أبوابها بنهاية شهر يناير 2016، وأنها طلبت من الطالبات استلام ملفاتهن والعودة لبيوتهن، فاستجاب لذلك عددٌ من الطالبات جهلاً بحقوقهن، أما من رفضن الاستجابة لذلك فقد تعرضن لمضايقات وتعسف من إدارة الكلية تمثل في طرد عدد منهن بقرارات غير قانونية، والتحايل على الباقيات لطردهن عند أدنى ذريعة. وبعد نشر المقال فوجئت الطالبات أنه وصلهن رسائل على هواتفهن النقالة تقول: (عزيزتي الطالبة: سمحت لنا كليات التميز لإعادة تسجيل الطالبات المطرودات من الكلية، وسوف يبدأ التدريب يوم الأحد الموافق17 يناير، لكن الكلية سوف تغلق أبوابها نهائياً في 3 مارس، ولن يكون هناك أي امتحانات نهائية أو تخرّج. إذا كنت ترغبين في إعادة الالتحاق يجب حضورك للكلية فوراً وإعادة شهاداتك الأصل، علماً أن آخر موعد لإعادة الالتحاق يوم الاثنين 25 يناير. الكلية تتوقع منك الحفاظ على 100% في الحضور والمشاركة بشكل كامل بالصف وسيتم تطبيق الجزاءات اللازمة إذا لم تلتزمي بذلك)!!. وهي رسالة تكشف عن مدى العبث والتلاعب والاستهتار بحقوق طالبات الكلية، والغياب التام لأي رقابة على أسلوب إدارة الكلية المستفز. وبتتبع مسيرة كليات التميز التي تنتمي إليها كلية لينكون للبنات في محافظة الأفلاج، ظهر لي الكثير من صور الفوضى والتلاعب التي صاحبت أداء هذه الكليات، بما يوحي أن المؤسسة العامة للتدريب التقني تعيش إشكالية من داخلها تستدعي ضرورة تدخل الجهات المختصة من خارج هذه المؤسسة لحفظ حقوق أبناء وبنات الوطن من الضياع ووقف مسلسل التلاعب بحقوقهن وقتل آمالهن. وحتى لا يكون الكلام إنشائياً أسرد هنا بعض الأمثلة التي تكشف عن مدى خطورة التهاون في وقف أسباب هذا التلاعب: ففي صحيفة المدينة نشر خبرٌ بتاريخ 5 / 1 / 2015 بعنوان: "طالبات كلية التميز يواجهن المصير المجهول" وجاء في نص الخبر: "أبدى عدد من طالبات كلية التميز للبنات بالمدينة المنورة مخاوفهن من عدم إكمال الدراسة حتى التخرج بسبب حالات الطرد المفاجئة" كما تضمن الخبر أنه عند افتتاح الكلية كان هناك أربعة تخصصات هي (إدارة أعمال – تقنية معلومات – تجميل وأزياء – تقنية غذائية) وفي السنة الثانية تم إغلاق جميع التخصصات ولم يبق سوى تخصص إدارة أعمال!. وفيه أيضاً: أن الطالبات يعشن في رعب بانتظار دخول الإداريات إلى القاعة بشكل يومي معهن قائمة بأسماء الطالبات اللاتي تم طردهن دون سابق إنذار!. إلى آخر ما تضمنه التحقيق الصحفي من (فواجع) لا توصف إلا أنها تحدث في غياب تام عن أي رقابة أو شعور بالمسؤولية، فضلاً عن حسن الإدارة والتخطيط. وفي صحيفة الحياة عدد يوم 22 / 4 / 2015 نشر خبر بعنوان "كلية التميز في مكة تفصل 200 طالبة بعد قبولهن" ومفاد الخبر أن الكلية فصلت هذا العدد من الطالبات بعد قبولهن وتسلمهن للخطة الدراسية وبدء الدراسة بحجة أن قبولهن كان خاطئاً لحصولهن على شهادة الثانوية قبل أكثر من ثلاث سنوات!. في جلسة مجلس الشورى ال 30 بتاريخ 16 / 6 / 1435ه وجّه أعضاء المجلس انتقادات حادة لأداء المؤسسة العامة للتدريب التقني، وكانت أبرز جوانب النقد خاصة بمشروع كليات التميز وأوصت اللجنة المختصة في المجلس بأن تتريث المؤسسة في افتتاح المزيد من هذه الكليات حتى يتم التأكد من جودة مخرجاتها. وفي صحيفة الوطن بتاريخ 8 / 12 / 2015 أجابت المؤسسة العامة للتدريب التقني عن انتقادات مجلس الشورى مؤكدة قناعتها التامة بنجاح تجربة كليات التميز وتمسكها بهذه التجربة وأنها تهدف إلى "نقل الخبرة التقنية وتوطينها لأبناء المملكة". وقبل كل ذلك وبتاريخ 19 / 6 / 2015 نشرت صحيفة الوطن خبراً مفاده أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد شرعت بالتحقيق في ملف (كليات التميز) بناء على شبهات تم رصدها على عقود هذه الكليات.. الخ ما جاء في الخبر. هذه عينة مما رصدته من وقائع وأحداث متعلقة بكليات التميز، وأكاد أجزم أن أي قارئ يطلع على مثل هذه الأخبار يدرك تماماً حجم المأزق الذي وقع فيه شباب الوطن عبر بوابة هذه الكليات. ومن خلال ما سبق يتضح أن ما حدث لطالبات كلية لينكون في الأفلاج لم يكن بِدعاً من الأمر، وأن هناك العديد من الحوادث المشابهة وقعت في كليات التميز الأخرى، وهو ما يؤكد أن سبب الإقفال الحقيقي لكلية لينكون في الأفلاج، ثم إعادة تشغيلها بطريقة ملؤها الفوضى والتعسف، كل ذلك لم يكن بسبب خطاب كتبه محافظ الأفلاج، إنما المشكلة أعمق من ذلك. وأشك كثيراً في أن تضطلع المؤسسة العامة للتدريب التقني بحل هذه المشكلة من تلقاء نفسها، ما لم يكن هناك تدخلٌ عاجلٌ حازمٌ حاسمٌ من الجهات العليا لوضع حد لهذه الفوضى والتخبط، وحماية أبناء الوطن وبناته من تبعات ذلك على مستقبلهم. سيما وأني لمست من لقائي بمحافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني أنه قد يكون مغيّباً عن حقيقة ما يجري. فهل لأبناء وبنات الوطن من منسوبي هذه الكليات عامة، وبنات كلية لينكون في الأفلاج خاصة، بقرار يرتقي لمرحلة الحزم في عهد سلمان العزم والحزم؟ هذا ما نؤمله ونرجوه والحمد لله أولاً وآخرا. * محام وقاض سابق في ديوان المظالم لمراسلة الكاتب: maljathlani@alriyadh.net

مشاركة :