أكد الشيخ صالح آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام أن البلاد نخباً وعامة على قدر من الوعي بما يحدث ويحاك، وقد اعتادت على هذه الأحداث التي تظهر المعدن الحقيقي للعرب في هذه البلاد ومسلميها، فيظهر فيهم عمق التدين وصدق التوكل، كما تتجلى الأخوة والاتحاد وتدفع القيادة من الحلم إلى الحزم في اتكاء على الأصل الذي قامت عليه وتمسكاً بالأساس وهو التوحيد والوحدة والاعتماد على رجالها وإعداد العدة. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس، إلى أنه كلما مضت عقود بعد زمن النبوة ظهر أعداء ومنافقون إما من خارج الأمة وإما من داخلها بالقوة والقتال أو بالفكر والضلال، لكن الله تعالى يقيض من العلماء والحكام من يدفع عن دينه وينصر الناس بالحق ويردهم إلى الورد الصافي ويمسكهم بالقرآن والسنة. وأضاف الشيخ آل طالب, أن تمسّك الدولة بدينها لم يمنعها مشاركة العالم في السياسة والاقتصاد والعلوم والصناعات والأفكار والحوارات؛ فمكّن الله لها وفجّر كنوز الأرض وأغناها فكانت سند المظلوم ورفد الضعيف ومقصد العمل والتجارة وطلب الرزق ووصلت خيراتها لكل محتاج من الدول والأفراد ولا ينكر ذلك إلا حاسد، وما كان لهذه البلاد أن تحظى بهذه المكانة إلا بأن أخلصت التوحيد وطبقّت الشرع المجيد وتوسطّت بدين الله في عدل وحق حتى حظيت باحترام المسلمين وشهادتهم لها بالريادة، وعندما تقع الحوادث فإن المملكة لها مبادئها وقيمها الثابتة على الحق والعدل يعاضدها في ذلك أشقاؤها وحلفاؤها وفي الأمة خير كثير. وأوضح أن الدولة قوية بربها ثم بمبادئها الثابتة وإيمانها الراسخ قوية ورجالاتها وطاقاتها وإمكاناتها، ولن تسمح بمن يزعزع أمنها ويشتت أمتها في حاضنة الإسلام قبلة المسلمين وحارسة الحرمين الشريفين وحدودها تمتد في قلوب مليار من المسلمين فهي سند للضعيف وجار للمظلوم ومهابتها واحترامها يتجاوز البحار والقفار فحفظها الله من كل شر وفتنة. وبين أن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن حفظ جزيرة العرب ومهبط الوحي ومهاجر الرسول فنشأت فيها دولة سنية فتية وسط صراعات عالمية وحروب كونية ونجّاها الله من فتن الحروب وصراعات الفكر والأحزاب واختطت لنفسها منهجا وسطاً معتدلاً في الدين والدنيا فجعلت دستورها كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وتجافت عن البدع والخرافات وأظهرت للناس صفاء الدين. وقال: لقد تكفل الله عز وجل بحفظ هذا الدين العظيم منذ إشراق شمسه وقضى أنه لا تزال طائفة من الأمة منصورة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها وهم من كانوا على مثل ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأجرى الله تعالى سنة الابتلاء على أتباع الدين العظيم بدءاً من الرسول الكريم وصحبه المبجلين وأتباعهم إلى يوم الدين ليميز الله المؤمنين ويعلم الصادقين. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام إن في كتاب الله وآياته ثبات للمؤمنين الموحدين؛ ففي سورة آل عمران عرضت الآيات كفاح نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مع قومهم من المشركين وانتصار المؤمنين في بدر وانكسار في أحد، وهذا دليل على أن الابتلاءات والمحن كانت وستظل سنة الله تعالى في خلقه وأحوال المؤمنين والشهداء ومواقف المنافقين والأعداء تحكيها الآيات وتعرضها مقرونة بالعبر والعظات تعّلل للأحداث وترسم السنن وتدعو للنظر في الأسباب والعواقب وتحث على اليقين والثبات في المبادئ والمواقف فلا بّد من جرح وابتلاءات تكشف العدو من الصديق وتفرز طلاب المنافع والمصالح وتستبقي أهل الإخلاص والصدق الذين ينصرون نبيهم في البأساء والضرّاء ويلوذون بربهم مهما تقلبت بهم الليالي. وأكد في خطبته, أننا نرى اليوم تكالب الشرق والغرب على المسلمين ونرى في الوقت نفسه انبراء العدو المتخفي الذي لم يضيع فرصة على مر تاريخه الطويل من طعن الأمة في ظهرها مظاهرة لأعدائها وخلخلة لصفوفها من داخلها مستغلاً حوادث التاريخ ومظالم لم تكن تعنيه ولم تتصل أسبابها بسببه يتهموننا بالإرهاب ونحن من اكتوى بناره، إنه التناقض والظلم الصرّاح الذي يستنهض الأمة للدفاع عن نفسها معتمدة على الله الواحد الأحد وإن كل ما نسمعه ونراه من تغير في السياسات وتبدّل في التحالفات لن يضيرنا ما دمنا معتصمين بمن لا يبدل إلا إذا بدلنا ومن لا يخذلنا إن نحن به التجأنا. وفي المدينة المنورة تحدث الشيخ عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي الشريف أمس، عن عبادة عظيمة شرعها الله لعباده للتقرب إليه سبحانه وهي عبادة العلم والسعي في طلبه. وقال إن عبادة الله وحده هي حكمة الخلق والأمر ولأجلها بعثت الرسل وأنزلت الكتب وبها شرف الخلق وسعادتهم وفلاحهم ونجاتهم ومنازل العباد عند الله عزوجل بحسب منازلهم فيها قال تعالى (إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم). وأضاف أن من فضل الله عز وجل على عباده أن نوع العبادات لينوع لخلقه اللذات وليعلي لهم الدرجات، وهناك عبادة في الدين عظيمة سابقة لغيرها ومصححة لما سواها الظافر بها فائز والمفرط بها نادم امتدح الله عز وجل أهلها وفضلهم لأجلها تهدي العبد إلى ربه وتنير له دروب حياته كمال الإنسان ونجاته متوقف عليها وما عبد الرب سبحانه بمثلها، فبها يعرف ويعبد ويذكر ويمجد ويعلم بها حقوق الخالق والمخلوقين ويميز بها الحلال عن الحرام ألا وهي العلم. وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن طلب عبادة العلم والسعي وراءها طاعة وأن بذلها قربة؛ فهي تنير القلوب والبصائر وتقوي الأذهان والضمائر تؤنس صاحبها في الخلوة وتذكره عند الغفلة، زينة لأهلها وأمان لأصحابها، أهلها للأرض كالنجوم للسماء فبهم يهتدى، وهم زينة البرية وجمالها وحصن الأمة ودرعها ولولاهم لطمست معالم الدين، بها صلاح الأمة ورفعتها واستقامة النفوس وزكاتها وهداية البشرية وسعادتها وتحصين الأجيال وسلامتها، الحاجة إليها فوق كل الحاجات وبدونها خراب العالم وفساده. وبين الشيخ القاسم أن العلم الشرعي حصن للأمة من الفتن وأن العلم مادام باقياً في الأرض فالناس في هدى؛ فبالعلم حياة العباد ونورهم، ومن عبد الله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح وما فشى الشرك إلا لقلة العلم والبعد عن أهله. وأوضح الشيخ عبدالمحسن القاسم أن حسن الفقه في الدين من أخص صفات المؤمنين؛ فصدورهم مستنيرة بالعلم؛ فقد خص الله تعالى أهل العلم بتعقل أمثال القرآن الكريم وإدراك معانيها؛ فالرحمة تغشى مجالسهم والسكينة تتنزل عليهم وتحفهم.
مشاركة :